شركة الخوف للاستثمار ليمتيد!

محمد بكري

9:08 ص, الأثنين, 7 ديسمبر 20

محمد بكري

محمد بكري

9:08 ص, الأثنين, 7 ديسمبر 20

كان هناك حتى أبريل 2020، رجل متزوج، مدير بشركة كبيرة، لديه أبناء بمدارس وجامعة، يمتلك 3 سيارات بالقسط، حجز شقة لابنه، ترتيبات زواج ابنته، حجز شاليه بالغردقة، يسافر للخارج سنويا وأكثر من مرة داخليا، ويخطط للاستثمار فى شاليه بالساحل.

للرجل زميل بشركته موظف بالإدارة الوسطي، يشترك معه فى الشكل العائلى والتخطيط للغد ويختلف بالمركز المالى والإمكانيات.

قررت الشركة نتيجة التداعيات الاقتصادية لسعار كورونا تخفيض موظفيها، تقليص المرتبات، الغاء وظائف وتوزيع مسؤولياتها بين المتبقي، تحجيم المشروعات، وقف القروض، غلق 3 فروع خارج القاهرة، محاولة تاجيل سداد مديونياتها التجارية، تبنى سياسة انكماش اقتصادي.

قال الموظف: هنعمل إيه؟ ملاك الوحدات والسيارات المحجوزة والمدارس والجامعات بيطالبوا بالأقساط، موردين الأكل والشرب مزمجرين، اشتراكات الموبايل والإنترنت ورمت، أمراض جديدة صابتنا لعدم الحركة والضغط النفسي. بقيت خايف م المديونية والمحكمة والفقر. الأدوية والكمامات بقوا أهم م الأكل! لغينا المصيف كسوة الصيف وأصبح شاغلنا نفضل عايشين. قعدة البيت، كشفت اختلافاتنا وخلافتنا والخوف من بكرة! وفيات غريبة بالأقارب والمعارف، تراجع دخلى وقلة السلف خلانا نحذف بنود بأكملها، الفيس بوك فرض صور حياة جديدة للمرض والاقتصاد والمستقبل، خنقنا بهم! كلنا بقينا على جمر!

سرح المدير برهة وعاد بقوله: المشكلة أكبر من كده! الوضع الاقتصادى عالميا مع شبح كورونا العنيد، بيقولوا فيه علاقة بين كورونا وشريحة توجيه البشر ومؤامرة الدجال العالمية! ولا الرعب من الإنترنت 5G، ده غير محاذير السفر وتقوقع دول، الخطر نتيجة صراع أمريكا والصين وهل للماسونية دور؟ طبعا مع التحالفات الدولية الجديدة بتصدم ثوابت وتهدد غدها! بس خلينا نشوف الأول أثر بايدن فى سياسة أمريكا العالمية الجديدة، وموقف إيران من التطبيع الإسرائيلى العربى الجديد، وأثره لإعادة تشكيل اقتصاديات العرب وأفريقيا!

نظر الموظف بضجر قائلا: بقولك مرض وموت ونفضل عايشين بس والديون أمام انكماش الدخل، وتقولى الدجال فى شريحة الماسونية عشان نعيد تشكيل الاقتصاد؟ كفاية علينا الإعلام وسواد الفيسبوك اللى كله بقى فيه علماء وحكماء ومحللين ومتنبئين، بيبيعوا لنا وعيا قاتما بنهاية العالم ونقصان الفرص ورعب كورونا الجديدة واحتمال فيروسات أخرى! أنا نفسى بقيت خايف أفكر فى بكرة مش أخطط له.

قال المدير بنظرة جادة: بص للصورة الأكبر! فتقلص التخطيط المستقبلى بالثوابت كالعقار والعقود طويلة الأجل وصفقات التقسيط، أظهر للشركات العالمية الجانب الإيجابى للخوف ووظفته استراتيجيا! كالصين بشرائها أغلب الشركات الأجنبية المرعوبة من الإفلاس والموت، وأخرى زادت مبيعاتها كشركات الأدوية والمنظفات الصناعية وغسيل الملابس، البيع على الإنترنت، التكنولوجيا والبرمجيات والتعليم والعلاج عن بُعد، المقرمشات والمحمصات والمشروبات. لدرجة أن فكرة خوف المستهلك، أطلقت عمالقة الخدمات الصحية، منصات المحتوى الرقمى والألعاب الالكترونية، توجهات العملة الرقمية عالميا، انفجار أرباح نتفليكس وأمازون وغيرهم.

المشكلة ليست بالخوف ولكن رؤية الاستثمار فيه! فلغريزة الخوف رد فعل تلقائيا بالإنزواء أو الجرأة والاثنان يمكن توظيفهما بالتقوقع أو الانتظار أو بالابتكار، بما فى ذلك إعادة تشكيل الأولويات والرغبات وعدم خشية فقدها. شركات كثيرة وأفراد حتى الدول يديرون حياتهم بالأزمات، المولدة خوفا من الفقد، الحرمان، العزل فيقابلونه بالتنازلات والاستسلام، وأبسط مثال شركتنا أنا وأنت!

صمت الموظف وعقب ببطء: من أخطر مشاكلى مع الخوف (أ) تحلل أملى بالغد ومستقبل العالم اللى أعرفه، لآخر مجهول أتمنى ميطيحش بوجودنا وإمكانيتنا الحالية، اللى نجح الإعلام والفيسبوك بتقليصها للبقاء عايشين (ب) نقص/تجهيل/تشتت معلوماتى عن ظواهر، رفعتها الإشاعات والتقولات لدرجة الحقائق، والمطلوب منا التفاعل معها أو بلعها كمدا بدون حيلة أو حل (ج) توريط عقلنا الباطن لقبول سياسات ومعلومات وقرارات لا تنسجم بالواقع ولكنها إحدى استثمارات الخوف التى يربحها الماكر (د) إشاعة وشيوع الفوضى كنتيجة تلقائية لكل ده، وإعادة اشتغالها لمصالح جديدة.

تأمل المدير وعلّق: تتصاعد مدارات التفكير من داخل الشخص، لأسرته، لعمله، لجيرانه، لحيّه، لمدينته، لبلده، لمنطقته، لقارته، لرؤية العالم بلمحة! ومؤخرا توازى تصاعد الخوف مع المدارات المذكورة، ليشترك فى تقييمنا للمدار الذى نعيه ونتصرف على أساسه، وحسب خوفك يقع مدارك!

رد الموظف بهدوء: للأسف أكثرنا من رعايا دولة الخوف وليس مستثمريه حسب كلامك، لأننا رضينا انتظار حل الأزمة بحلول غيبية، تراعى وتحفظ إمكانياتنا دون المساس بها! العالم بيتغير، شامل إدارة الخوف كصورة مطورة للإدارة بالأزمات. فنحن على أعتاب عهد جديد سيستثمر فيه الخوف عالميا، لتحويلنا لقطعان أملها الوحيد البقاء حية.. وهو ما أرفضه.

رد المدير بتمعن: لا يتفق الخوف مع الاستثمار بالمال والنفس والمكان لتحقيق التغيير، فقوام الاستثمار الاستقرار والاستمرار، لربط أساسه بفكرة المستقبل وأمل المستثمر فى الربح، تحسين الوضع، والاكتفاء، ولكن للأسف سيكون ثمن شرائنا الخوف العالمي، بيعنا لسلامنا الداخلى وفوضى دوائر تفكيرنا.

قال الموظف بنفاد صبر: إذن لا مفر من التصدى بالوعى لمؤامرة استثمار الخوف الدولى ونهاية العالم ومصير الدجال والشريحة إلخ ولعبة الفوضى للترتيب! لازم نفلتر تأثير الأخبار والإعلام على وعينا، ونركز على مدارات الداخل وفائدة مصالحنا المباشرة والمرتبطة، نشوف الصورة الكبيرة بدون شللنا نفسيا!

ابتسم المدير وقال بسرعة: ده ميحصلش إلا باستثمار خوفنا لإعادة دراسة اقتصادياتنا وأولوياتنا وإمكانياتنا وتفضيل الصعب على المستحيل، بالكفاح للخروج من المستخدم للمؤثر بأى درجة وشكل، بالتعلم والتدرب ونحت أماكن وتحالفات جديدة لنتجاوز يوما الخوف، باستثماره لصالحنا!…

أكمل الموظف الابتسامة بنظرة غامضة وقال: عندك حق… ده وقت تأسيسنا إحنا كمان شركة الخوف للاستثمار!

  • محامى وكاتب مصرى

[email protected]