خبراء: بعضها استخدم تقارير القيم العادلة فى جذب مستثمرين جدد.. والخطوة منطقية
شريف عمر
شهدت سوق المال، خلال الفترة الأخيرة، تراجع بعض الشركات التى تسعى للقيد فى البورصة، عن إكمال خطط الطرح، ليتوجهوا لبيع جزء من أسهمهم بشكل مباشر لصالح مستثمرين ماليين أو استراتيجيين؛ بغرض الحصول على تمويلات لاستكمال توسعاتهم، مع إلغاء خطط الطرح بالبورصة بسبب تردِّى الأوضاع التى تشهدها سوق المال.
وتعتبر شركات دى بى كى للأدوية والصناعات الكيماوية، وآى تى سينرجى لنظم المعلومات، وميدور لتكرير البترول، من أبرز الشركات التى عزفت عن استكمال خطط طرح الأسهم بالبورصة، فيما فشلت «دى بى كى» و«سينرجى» فى امتحان سوق الصفقات الخاصة، وعجزتا عن استيفاء الشروط الرئيسية لتغطية الطرحين.
فيما أعلنت شركة جولدن بيراميدز، مؤخرًا، عن اتجاهها للشطب الاختيارى من البورصة، وسبقها شطب شركة المصرية للبطاقات من بورصة النيل خلال العام الماضى، كما أن شركة بيراميزا للفنادق لوّحت خلال فترة سابقة بدراستها الشطب من البورصة الرئيسية.
واعتبر خبراء بنوك الاستثمار تلك الظاهرة بمثابة تأكيد حقيقى على تراجع الدور التمويلى للبورصة لدى الشركات المحلية، كما أنه شهادة تدلل على استمرار أوجاع سوق المال، المتمثلة فى انخفاض أحجام التداول، وتكبُّد المستثمرين خسائر مالية تقلِّص من قدرتهم على تحمُّل مخاطر جديدة.
وأكدوا أن لجوء قيادات الشركات لبيع حصص من شركاتهم لصالح مستثمرين خارجيين بدلًا من الطرح فى البورصة، منطقىٌّ، خاصة أن الهدف من الطرح يتمثل فى الحصول على تمويل ما يوفره دخول مستثمر رئيسى مالى أو استراتيجى.
كانت «المال» قد نشرت، فى ديسمبر الماضى، خبرًا عن تفاوض شركة سعودية مع مجلس إدارة شركة دى بى كى للأدوية والصناعات الكيماوية، للاستحواذ على %40 من أسهم الأخيرة، بقيمة تقارب 350 مليون جنيه؛ بغرض تمويل توسعات «دى بى كى» المتمثلة فى إنشاء مصنع جديد للأدوية، وذلك بدلًا من طرح أسهم الشركة بالبورصة.
يُذكر أن لجنة القيد بالبورصة قرّرت شطب قيد أسهم «دى بى كى» من جداولها، وذلك فى أعقاب فشل طرح أسهم الشركة خلال سبتمبر الماضى، حيث قامت بطرح نحو 52.2 مليون سهم للبيع بسعر 3.25 جنيه للسهم، إلا أن نسبة التغطية لم تتعدَّ %2.
وتلا ذلك فشل طرح شركة آى تى سينرجى لنظم المعلومات، فى بورصة النيل، بنهاية العام الماضى، بعد أن أعلنت إدارة البورصة إلغاء تنفيذ طرح 200 ألف سهم، تمثل %20 من أسهم «آى تى سينرجى» فى بورصة النيل، بسعر 35 جنيهًا للسهم؛ بسبب قلة أوامر الشراء، وترددت أنباء بعد ذلك عن توجه قيادات الشركة للتفاوض مع مؤسسات استثمارية محلية لشراء الحصة التى كان مخططًا طرحها فى البورصة.
واللافت للنظر أن هناك عدة شركات حصلت على موافقة البورصة على قيد أسهمها فى الجداول، وتنتظر طرح أسهمها بسوق الصفقات الخاصة، وعلى رأسها «التوفيق» للتأجير التمويلى، و«مصر السلام» للتكنولوجيا والتنمية، و«السلام» الكويتية القابضة، و«العالمية» للطباعة والتغليف، و«راية» لخدمات الاتصالات، و«إم بى» للهندسة، و«إكسبريس» للحلول المتكاملة، و«نيوكاسل» للاستثمار الرياضى.
فى البداية قال مصدر مسئول بأحد بنوك الاستثمار العاملة بالسوق المحلية، إن غالبية الشركات الراغبة فى القيد بالبورصة خلال الفترة المقبلة، ترغب بشكل رئيسى فى الحصول على تمويلات لاستكمال بعض مشروعاتها القائمة، موضحًا أن بعض الشركات حاصلة على موافقة إدارة البورصة على قيد أسهمها منذ أكثر من عام.
وتَساءلَ المصدر عن منطقية انتظار بعض الشركات لفتراتٍ تفوق العام للحصول على تمويلات للتوسعات، مشيرًا إلى أن شكوك الشركات بإمكانية توفير التمويل عبر البورصة، تدفعها للبحث عن مصادر تمويلية أخرى بعيدة عن سوق المال، وهو التوجه الذى وصَفه بالطبيعى.
ونوّه بأن مسئولى الشركات الراغبة فى القيد بالبورصة تحمّلوا التزامات مالية لإعداد تقارير القيمة العادلة لأسهم شركاتهم، بالإضافة لمصروفات القيد فى جداول البورصة، علاوة على الترويج لطرح الأسهم، مؤكدًا أنه من الظلم دفع تلك الأموال دون تحقيق أى استفادة، وهو ما حاولت تلك الشركات تلافيه خلال الفترة الماضية، عبر استخدام تلك التقارير فى الترويج لبيع حصص من شركاتهم لصالح مستثمرين أفراد أو مؤسسات مالية.
وأكد أن العدول عن خطط الطرح بالبورصة لا يمكن تبريره بالإجراءات البيروقراطية فقط، وإنما بتدهور أحوال سوق المال، والتراجع الجماعى لمؤشرات البورصة، علاوة على صعوبات تداول العملة الصعبة داخل السوق المحلية، حيث أسهمت كل تلك العوامل فى صعوبة إجراء أى طرح جديد.
وأشاد المصدر بقرار الهيئة العامة للرقابة المالية فى التخفيف من التزامات الشركات التى لم تطرح أسهمها بعدُ فى البورصة، وهو ما يقلِّص الأعباء المالية والإدارية على الشركات.
كانت «الرقابة المالية» قد أصدرت، فى ديسمبر الماضى، قرارًا بتعديل قواعد قيد وشطب الأوراق المالية بالبورصة، ينص على إعفاء الشركات المقيدة التى تنتظر طرح أسهمها، من أى التزامات تخصُّ الحوكمة والإفصاح، فى ظل الأوضاع المتقلبة التى تشهدها سوق المال.
كما قال عادل عبد الفتاح، رئيس مجلس إدارة شركة العربية ثمار لتداول الأوراق المالية، إنه لا يمكن إنكار معاناة سوق المال المصرية خلال العامين الماضيين، سواء من جانب الشركات المقيدة أو من جانب المستثمرين، منوهًا بأن معاناة الفئة الأخيرة ظهرت بعد توجه الحكومة لفرض ضرائب على تعاملاتهم بالبورصة، وهو ما أَجبرهم على تخفيض تداولاتهم، نظرًا لارتفاع التكاليف.
وأشار عبد الفتاح إلى أن معاناة الشركات المقيدة تجسدت فى انخفاض أسعار الأسهم، بما دفَع الإدارات لشراء أسهم خزينة، كما تمثلت أزمات الشركات الراغبة بالقيد، فى صعوبة طرح أسهمها للبيع للمستثمرين الأفراد، بسبب مخاوف فشل الطروحات، وعدم رغبة المستثمرين فى شراء أسهم لشركات جديدة، بالإضافة للأثر السلبى الناتج عن عدم نجاح طرح شركة إعمار مصر للتنمية، وما تلاه من فشل تغطية طرح «دى بى كى» للأدوية.
واستطرد بالقول: لجأت بعض الشركات للقيد فى البورصة منذ عامين تقريبًا، للحصول على تمويلات لتنفيذ التوسعات، وعند تأخر بيع الأسهم والحصول على السيولة، كان من المنطقى لجوء قيادات تلك الشركات للبحث عن أى مستثمر أو مؤسسة، لشراء الحصة المراد طرحها بالبورصة، مع الاعتماد على الدراسات المالية والتحليلية التى أعدّتها الشركات للطرح، فى عرضها على المؤسسات الاستثمارية المهتمة.
وتابع رئيس مجلس إدارة «العربية ثمار» لتداول الأوراق المالية: الأهم للشركات الراغبة فى القيد يكمن فى الحصول على تمويلات، دون التشديد فى آلية الحصول عليها، سواء من سوق الأوراق المالية أو دخول شراكات جديدة، مع استمرار الاهتمام بالقيد فى البورصة خلال الفترة التالية، بعد النجاح فى تنفيذ التوسعات المخطَّطة، تزامنًا مع تحسن أوضاع سوق المال. وتطرَّق إلى معاناة أخرى تواجه قيادات الشركات الراغبة فى طرح أسهمها بالبورصة، والتى تظهر فى نصائح شركات الاستشارات المالية فى وجوب خفض سعر بيع الأسهم المطروحة؛ لضمان جذب أكبر شريحة ممكنة من المستثمرين، موضحًا أن مُلّاك الشركات غالبًا ما يرفضون تخفيض سعر بيع السهم؛ لقناعتهم بالأهمية الاستثمارية لشركاتهم.
وأكد أن التوقيت الحالى غير ملائم على الإطلاق لتنفيذ أى طروحات بالسوق الرئيسية للبورصة، معتبرًا أن بدايات الربع الأخير للعام الحالى قد تكون الأنسب لتنفيذ أى طروحات جديدة، فى ظل ارتفاع أحجام التداول، وانخفاض حدة الأزمات المالية الصينية، والاستقرار النهائى فى أسعار النفط.
من جانبه قال إيهاب رشاد، الرئيس التنفيذى لشركة مباشر إنترناشيونال للاستثمارات المالية، إن الشركات العاملة بالسوق المحلية تلجأ لسوق الأوراق المالية لخلق منفذ للحصول على تمويلات لتغطية التوسعات المراد تنفيذها خلال الفترة المقبلة.
وأضاف: من الطبيعى عند تأكد الشركات من صعوبة طرح أسهمها فى البورصة، أن تلجأ قياداتها للدخول فى مفاوضات مع جهات تمويلية أو استثمارية خاصة، لشراء حصة الأسهم المراد طرحها، مقابل الحصول على تمويلات لاستكمال التوسعات، مع الوضع فى الحسبان إعادة الكَرّة من جديد بالقيد فى البورصة، من خلال بيع حصة المؤسسة الاستثمارية المنضمّة مؤخرًا.
ودعا رشاد الحكومة للاهتمام بهذه الظاهرة، والتى مِن شأنها التدليل بقوة على الوضع المأساوى لسوق المال، التى باتت فى طريقها لفقدان دورها التمويلى، سواء لشركات القطاع الخاص أو العام، مؤكدًا أهمية إعلان الحكومة اهتمامها بالبورصة عبر الإلغاء الكامل لقانون ونوايا فرض ضرائب على تعاملات المستثمرين، بالإضافة لتنشيط سوق تداول السندات، وطرح شركات حكومية للتداول الحر.
ولخّص الرئيس التنفيذى لشركة مباشر إنترناشيونال للاستثمارات المالية، أطراف معادلة نجاح أى طرح جديد بالبورصة، فى التقييم المناسب والمنطقى، وخفض سعر طرح الأسهم، والإعلان الواضح عن خطط الشركات التوسعية، متابعًا: لا أرى إمكانية تنفيذ أى طرح بالبورصة خلال النصف الأول من العام الحالى، فى ظل انخفاض أحجام التداول، وعدم قدرة ورغبة المستثمرين فى المشاركة بأى طرح جديد، فى أعقاب التجربة السيئة لطرح «إعمار- مصر».
وقال سامح الخطيب، رئيس مجلس إدارة شركة إكسبريس للحلول المتكاملة، المرتقب طرحها ببورصة النيل، إن شركته ما زالت تعانى من صعوبات القيد بالبورصة منذ أكثر من عامين، مؤكدًا أن التوجه للبورصة كان للحصول على تمويلات لا تتعدَّى نصف مليون جنيه، وهى القيمة المتدنية التى لا تحتاج لكل تلك المدة.
وأشار إلى أنه فى حال تأخر تنفيذ الطرح بالبورصة عن الربع الثانى من العام الحالى، من المحتمل أن تتوجه الشركة لإلغاء القيد، والبحث عن مستثمر مالى أو استراتيجى للمساهمة فى هيكل رأس المال.
ونوّه بأن «إكسبريس» تنتظر فى الفترة الحالية الحصول على عدم ممانعة هيئة الرقابة المالية فيما يتعلق بالتقييم العادل.
وأكد أنه لم يتم تحديد توقيت معين لطرح الأسهم فى البورصة، موضحًا أن الشركة تنتظر تحسن الأوضاع بسوق المال واستعادة معدلات السيولة الطبيعية من جديد، متابعًا: من المستحيل إجراء أى طروحات جديدة فى فترة التراجعات العنيفة للبورصة.
كانت إدارة البورصة قد وافقت، نهاية أكتوبر الماضى، على قيد «إكسبريس» برأسمال قدرُه 2 مليون جنيه، موزع على مليونى سهم، بقيمة اسمية قدرُها جنيه للسهم.
وحقّقت «إكسبريس» للحلول المتكاملة صافى ربح 342 ألف جنيه، خلال الشهور التسعة الأولى من 2015، مقابل 463 ألفًا خلال الفترة المماثلة من 2014، بنسبة تراجع %36.