تتأهب شركات النفط الكبرى لتحقيق أرباح قياسية تبلغ 50 مليار دولار في الربع الثاني، لكن الأداء الممتاز للصناعة يمكن أن يحمل بين طياته نواة للتراجع.
الأرباح المرتفعة تحققت كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة الذي أجّج التضخم، ما فاقم الضغط على المستهلكين، ودفع إلى تزايد مخاطر الركود والدعوات لفرض ضرائب غير متوقعة، وفي خضم هذا الاضطراب السياسي والاقتصادي، قد يُضطر المساهمون إلى تخفيف توقعاتهم بشأن زيادة العائدات.
قال أحمد بن سالم، المحلل في “أودو بي إتش إف”: “هناك فرصة قوية بأن تصل الأرباح إلى ذروتها في الربع الثاني أو الثالث، مع انخفاض طفيف بعد ذلك، وهذا الركود الذي يلوح في الأفق يهدئ الأمور”.
أرباح شركات النفط الكبرى
تستعد كل من شركات “إكسون موبيل” و”شيفرون” و”شل” و”توتال إنرجيز” و”بي بي”، وهي المعروفة مجتمعة باسم “العمالقة”، لجني أرباح أكثر مما حققته في عام 2008، عندما قفزت أسعار النفط العالمية إلى 147 دولارًا للبرميل.
ويرجع السبب في ذلك إلى أنه ليس النفط الخام وحده الذي ارتفع خلال الأزمة التي أحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ إن أسعار الغاز الطبيعي وهوامش التكرير أيضاً قد حطمت أرقاما قياسية.
وجدت العديد من الأسواق الرئيسية نفسها تعاني من نقص حاد في طاقة التكرير بسبب مجموعة من عمليات الإغلاق، والاستثمارات التي تعثرت جرّاء تفشي الوباء، والعقوبات المفروضة على روسيا، وقرار الصين بالحدّ من صادرات النفط.
هامش التكرير
تفاقم هامش التكرير 3-2-1 في ساحل الخليج الأميركي، وهو مقياس تقريبي لهوامش الربح من تكرير برميل من النفط الخام، ليصل إلى متوسط قدره 48.84 دولار في الربع الثاني، أي أكثر من ضعف المستوى قبل عام. وارتفع مقياس مماثل لأوروبا، وهو هامش التكلفة المتغيرة لشركة “توتال إنرجيز”، بثلاثة أضعاف ليصل إلى 145.7 دولار.
يشكل التكرير حالياً 26% من تكلفة غالون البنزين بالولايات المتحدة، مرتفعاً من متوسط 14% خلال العقد الماضي، وذلك وفقاً لإدارة معلومات الطاقة.
تتوقع شركة “شل” تحقيق مكاسب قدرها مليار دولار من نتائج التكرير. أما “إكسون”، التي تمتلك أكبر بصمة في عمليات التكرير بين الشركات العملاقة، من المتوقع لها أن تحقق أرباحاً خلال الربع الثاني أكثر من التسعة السابقة مجتمعة، وفقاً لتقديرات جمعتها “بلومبرغ”.
قال مات مورفي، المحلل في شركة “تيودور بيكرينج هولت آند كو” ، التي يقع مقرها في كالغاري، إن هوامش التكرير “المذهلة” هذه لن تدوم على الأرجح، مضيفاً أن ارتفاع أسعار الوقود، إلى جانب الارتفاع الأوسع في تكلفة المعيشة، يلحق الضرر بالمستهلكين. وألمح: “فالطلب على البنزين أقل من التوقعات، ونشهد درجة من تدمير الطلب”.
ونتيجة لذلك، يُنظر إلى الشركات على أنها متحفظة على الرغم من ارتفاع الأرباح. ومن المحتمل أن تستفيد “إكسون” من السيولة الفائضة لخفض الديون، وفقاً لمحللي “سيتي جروب” بقيادة أليستير سايم، والذين توقعوا أن ترفع “شيفرون” الحد الأدنى لنطاق إعادة الشراء إلى 10 مليارات دولار لهذا العام.
تراجع الإنفاق
الأرباح الفلكية ليست نتيجة القفزة واسعة النطاق في أسعار السلع الأساسية فحسب. كما أن هؤلاء العمالقة ينفقون أقل بكثير مما كانوا يصرفون في آخر مرة تجاوز فيها النفط مستوى 100 دولار للبرميل. وتتزايد النفقات الرأسمالية لتصل إلى 80 مليار دولار هذا العام، لكن هذا يمثل نصف مستوى عام 2013.
قال بول تشينغ، المحلل في “سكوتيا بنك” والمقيم في نيويورك: “اتخذت التكاليف مساراً هبوطياً طويلاً منذ عام 2014. وفي ظل أسعار السلع الجيدة هذه، فإن ذلك يمثل مزيجاً مثالياً”.
هذه ليست بالضرورة وجهة نظر القادة السياسيين، مثل الرئيس الأميركي جو بايدن، والذين يكافحون من أجل احتواء التضخم المتفشي وتكاليف الطاقة الاستهلاكية المعوّقة. فقد أطلقوا دعوات إلى صناعة النفط والغاز لتعزيز الإنتاج المحلي لكنها لم تكتسب زخما يُذكر. ويتوخى المسؤولون التنفيذيون الحذر بشأن المدة التي ستستمر فيها الأسعار المرتفعة، ويخشون الالتزام بمشاريع الوقود الأحفوري الكبيرة التي قد تصبح فائضة عن الحاجة مع انتقال العالم إلى طاقة أنظف.
ربما لن يكون بمقدور هذه الشركات العملاقة الإبقاء على الإنفاق الرأسمالي منخفضاً لفترة طويلة، نظراً لحاجتها إلى زيادة الإنفاق في بيئة التكلفة التضخمية. فمن جانبها، قالت شركة “شلمبرجير” ، وهي أكبر شركة خدمات حقول النفط في العالم، الأسبوع الماضي إن مبيعاتها زادت بـ20% تقريباً مقارنة بالعام السابق، وترى أن الطلب على خدماتها “يرتفع لعدة سنوات”.
ردّ فعل عنيف
يهدد هذا الوضع بردّ فعل سياسي عنيف. فقد فرضت المملكة المتحدة ضريبة غير متوقعة على أرباح النفط والغاز في وقت سابق من الشهر الجاري. وفرضت إيطاليا ضريبة على صناعة الطاقة، بينما يدعم بعض المشرّعين في فرنسا فكرة فرض ضريبة خاصة تصل إلى 3 مليارات يورو (3.1 مليار دولار) سنوياً.
من جانبه، فقد تصدّى الرئيس إيمانويل ماكرون حتى الآن لمثل هذه الدعوات، وحثّ بدلاً من ذلك الشركات، بما في ذلك “توتال إنرجيز” على تمديد التخفيضات على مشتريات الوقود.
وفي الولايات المتحدة، انتقد بايدن شركة “إكسون” لجني “أرباح مفرطة”، واتهم شركات النفط الأخرى باستغلال ارتفاع أسعار البنزين، ولكن حتى الآن لم يُمارس ضغط سياسي جادّ لفرض ضريبة غير متوقعة.
وفي ظل هذه الخلفية المضطربة، قد لا يكون هذا الربع الأكثر ربحية في تاريخ عمالقة النفط مبرراً للاحتفال الصريح.
قال تشينغ: “ستعلن معظم الشركات في هذا الربع عن أرباح قياسية بلا شك. ولكن مع احتمال حدوث ركود حادّ وذكريات عام 2020، أتوقع أن تكون فرق الإدارة متحفظة”.