
يعد أول تحركات أى وزير
هى الدليل والمؤشر على توجهاته وسياساته المخطط اتباعها، ولعل ثانى بيانات
المهندس إبراهيم محلب كشف نواياه تجاه فتح مزيد من الأسواق الخارجية أمام
شركات المقاولات المصرية لمجابهة الانخفاض الخطير فى حجم الأعمال المطروحة
بالسوق المحلية.
ورحب عدد من قيادات قطاع المقاولات ببيان
«محلب» فى التعامل مع أزمة ندرة الأعمال، وطالبوه بالتحرك نحو أسواق
أفريقيا بدلاً من أسواق الخليج، حيث تمتاز أسواق القارة السمراء بتوافر
وتنوع المشرعات المطروحة ما بين بنية أساسية وأخرى تحتية ومبان سكنية، على
العكس من نوعية الأعمال المطروحة فى دول الخليج والتى تقتصر على الأبراج
والمولات التجارية والفنادق.
وكان محلب قد أعلن فى ثانى تصريحاته
الصحفية أنه سيعمل على دعم وتشجيع وفتح الأسواق الأفريقية لشركات المقاولات
المصرية، سواء الحكومية وعلى رأسها المقاولون العرب، أو الخاصة كما أنه
سيتم تنشيط دور المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء ليكون له نواة فى هذه
الدول، بالإضافة إلى مساعدة المكاتب الاستشارية المصرية، للحصول على عدد من
المشروعات فى الدول الأفريقية، وأنه سيبدأ على الفور إجراء اتصالات مع
مسئولى الدول الأفريقية، اعتمادًا على علاقاته السابقة كرئيس لشركة
المقاولون العرب لتفعيل بروتوكولات التعاون المشترك مع هذه الدول فى مختلف
تخصصات قطاع التشييد والبناء، وهو ما سيسهم فى تنشيط هذا القطاع، الذى
يرتبط به أكثر من 90 صناعة وحرفة، ويعمل على توفير آلاف فرص العمل بشركات
المقاولات المصرية والمكاتب الاستشارية.
فى البداية قال المهندس
محمد سلامة، رئيس مجلس إدرة شركة فليم مصر للمقاولات، إحدى الشركات المصرية
الموجودة بقوة فى السوق الأفريقية، إنه من معسكر المؤيدين للتحرك داخل
أفريقيا، والتركيز عليها باعتبار أفريقيا سوقًا بكرًا تحوى كمًا هائلاً من
مشروعات البنية التحتية.
وأضاف أن سوق الخليج تحوى هى الأخرى حجمًا
ضخم من الأعمال والمشروعات، ولكن تقل فيها فرص نجاح شركات المقاولات
المصرية فى ظل المنافسة الشرسة التى تلاقيها من نظيرتها الأوروبية
والأمريكية ومؤخرًا من شركات آسيوية، خاصة الماليزية والكورية، علاوة على
أن نوعية العمل المطروح فى دول الخليج لا تتناسب مع مهارات وإمكانيات عموم
شركات المقاولات المصرية، فنجد أن أغلب المشروعات المطروحة بدولة مثل
الإمارات تتمثل فى الأبراج الشاهقة، فكم شركة مقاولات مصرية تستطيع تنفيذ
برج بارتفاع 80 طابقًا.
وأوضح أن السيناريو نفسه انتقل إلى قطاع
العمالة فى سوق المقاولات، حيث اتجه العديد من شركات المقاولات العاملة فى
السوق الخليجية إلى تقليل الاعتماد على العمالة المصرية بعد أن كانت متصدرة
المشهد خلال عقود طويلة، واستبدالها بأخرى من العمالة الهندية
والإندونيسية والتايلاندية.
وأشار إلى أن الأسواق الأفريقية لا
تحتوى على هذه المنافسة الشديدة، وبالتالى تزيد فيها فرص الشركات المصرية
فى الفوز بأعمال، خاصة أن نوعية المشروعات ومستوى التنفيذ يقترب بشدة من
السوق المصرية، لافتًا إلى أنه لا يقصد بأفريقيا دول ليبيا والسودان، كما
يعتقد البعض، وإنما أفريقيا تمثل 52 دولة سواء فى الجنوب أو الشرق أو
الغرب، وهى دول تضم فرصًا استثمارية جاذبة لشركات المقاولات أفضل بكثير من
دول الشمال الأفريقى.
وأكد سلامة أن المهندس إبراهيم محلب، وزير
الإسكان يمكنه الاعتماد على العلاقات التى أنشأها مع دول أفريقيا أثناء
توليه رئاسة شركة المقاولون العرب صاحبة الباع الأكبر بين نظيراتها المصرية
فى القارة السمراء.
ومن جانبه قال المهندس خالد الدجوى، مدير إدارة
التراخيص والامتيازات بشركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، إن الأسواق
الأفريقية تعد الأكثر جذبًا لشركات المقاولات من الأسواق الخليجية، وذلك من
حيث معيار سهولة المنافسة، حيث تتميز القارة السمراء بتنوع المشروعات
المطروحة بها ما بين بنى تحتية وأساسية ومشروعات سكنية وأعمال
كهروميكانيكية، بما يعمل على جذب أكبر عدد من شرائح شركات المقاولات، علاوة
على اقتصار المنافسة على شركات المقاولات الصينية والتركية والهندية فقط،
وعدم وجود منافس عربى أو أفريقى قوى بما يرجح كفة الشركات المصرية فى الفوز
بالمشروعات المطروحة هناك.
وأضاف أنه فى المقابل نجد أن المنافسة
على أشدها فى الأسواق الخليجية بين شركات أجنبية أوروبية وأمريكية وآسيوية،
تستطيع تغطية حجم الأعمال المطروح هناك، كما أن قوانين وتشريعات أسواق
المقاولات الخليجية بوجوب دخول الشركات الأجنبية شراكات مع أخرى محلية،
أنتج مع الوقت شركات مقاولات خليجية غاية فى القوة والكفاءة الفنية، وهو
العنصر الذى مكن الشركات الخليجية من دخول السوق المصرية بل منافستها فى
عقر دارها واقتناص العديد من المشروعات بها.
وأشار إلى أن عدد شركات
المقاولات المصرية القادرة على اقتحام السوق الخليجية ضئيل للغاية، وتكفى
الإشارة إلى أن العديد من الشركات المصرية التى خرجت إلى السوق الخليجية فى
الفترة الماضية، اضطرت للعمل من الباطن لشركات محلية هناك، وهو ما يوضح
صعوبة المنافسة والفوز بأعمال فى دول الخليج.
وطالب الدجوى وزير
الإسكان الجديد بعدم الاكتفاء بالعلاقات التى كونها سابقًا إبان فترة توليه
رئاسة المقاولون العرب، ولكن يجب أن تكون هذه العلاقات هى نواة للتعاون
المشترك بين مصر ودول القارة السمراء لتيسير عملية الخروج والدخول وعمل
شركات المقاولات.
وفى الإطار نفسه أثنى المهندس طارق كامل، مدير
تطوير الأعمال بفرع مصر والسودان وشمال أفريقيا بشركة اتحاد المقاولين
العالمية «CCC »، أكبر شركات المقاولات الأجنبية بالسوق المحلية، على
اهتمام وزير الإسكان بتصدير المقاولة على العكس من الوزارات السابقة التى
أهملت قطاع الإنشاءات والمقاولات بصورة أضعفته وساهمت فى حدة حالة الركود
وزيادة أمدها الزمنى، مرجعًا ذلك لخلفية الوزير العريضة بقطاع المقاولات من
خلال توليه رئاسة المقاولون العرب لمدة 11 عامًا متتالية، بما مكنه من
التعرف على أبرز المشكلات التى تواجه شركات المقاولات فى الوقت الحالى وهى
ندرة الأعمال المطروحة على الشركات.
وطالب كامل شركات المقاولات
بعدم التفاؤل الكبير بهذه الدعوة، فهذه الخطوة من وزير الإسكان تدل على أنه
تعرف على المشكلة وأبعادها، ولكن يتبقى الجزء الأكبر والأهم وهو كيفية
حلها وعلاجها، وما الآليات التى سيعتمد عليها فى فتح الأسواق الخارجية،
مطالبًا بزيادة الزيارات الحكومية الرسمية إلى الدول المستهدفة لما لهذه
الزيارات من تأثير جيد على تيسير عمل شركات المقاولات فيما بعد.
وأكد
أهمية حرص وزارة الإسكان على الارتقاء بمستوى كفاءة شركات المقاولات
المصرية حتى تكون على قدر المنافسة فى الأسواق الخارجية، ولعل أولى خطوات
زيادة كفاءة الشركات هى حل مشكلاتها فى السوق المحلية، كما يجب على الدولة
تولية الشركات المتوسطة والصغيرة مزيدًا من الأهمية ومساندتها بقوة حتى
تستطيع الصمود فى الأسواق الخارجية، فالشركات الكبرى تستطيع الاعتماد على
نفسها، وإمكانياتها واسمها فى المنافسة على الأعمال على العكس من المتوسطة،
والتى تمثل السواد الأعظم من قطاع المقاولات المصرى فيجب البدء فى برامج
تدريبية لصقل خبراتهم.
وأشار إلى وجود دراسة جميع تجارب قطاع
الإنشاءات بالدول التى حققت نجاحات على الصعيد الدولى، وعلى رأسها التجربة
التركية والصينية والهندية والبرازيلية، حيث صعدت أسهم هذه الشركات فى قطاع
المقاولات العالمى بقوة.
وعلى صعيد الدول المرشحة لاستقطاب شركات
المقاولات المصرية أوضح مدير تطوير الأعمال بـ«CCC » أن الدول تختلف
باختلاف التخصصات، فبالنسبة للشركات العاملة فى تخصصات البنى التحتية
والأساسية تكون أسواق القارة السمراء أكثر جذبًا لها لأنها الأوفر حجمًا فى
هذا التخصص، أما بالنسبة للشركات التى تفضل العمل فى المشروعات السكنية
والمولات التجارية والأبراج الفندقية فستكون أسواق الخليج الأفضل على
الإطلاق لاحتوائها على حجم أعمال ضخم من هذه النوعية من المشروعات.
ومن
جانبه قال المهندس يحيى عدلى، مدير قطاع تنمية الأعمال بشركة سامكريت
للمقاولات والإنشاءات، إن الأسواق الأفريقية الأكثر جذبًا من الخليجية،
موضحًا أنه على وزير الإسكان التحرك فى الأسواق القريبة أولاً مثل ليبيا
والسودان، ومن ثم الانطلاق فى عمق القارة السمراء وغربها وجنوبها، وهى
الأسواق التى تحتوى على فرص ضخمة للغاية بالنسبة لشركات المقاولات المصرية
يقابلها انخفاض فى حجم المنافسة بين الشركات بما يزيد من فرص حصول الشركات
المصرية على أعمال هناك.
واقترح عدلى على وزارة الإسكان لعب دور
المنسق بين الشركات أثناء خروجها إلى الأسواق الخارجية، حيث تبين من تجارب
العديد من الدول الأخرى أن خروج شركات المقاولات بالتنسيق مع العمالة
وموردى ومصنعى مواد البناء، يأتى بثمار أسرع وأفضل من خروج شركة المقاولات
بمفردها دون حليف، وبناءً عليه يفضل إنشاء بروتوكولات تعاون أولاً مع
حكومات الدول المستهدفة بالخروج ثم البدء فى تنسيق وفد للاستثمار هناك بما
يضمن الحصول على شريحة أعمال جيدة فى المنطقة.