فى حديث منشور على الفيس بوك منسوب لسؤال أحد الصحفيين للسيدة/ جولدا مائير (سيدتي؛ ألا تؤمنين بالكتاب المقدس؟ أجابته بلي، وربما أومن به أكثر منك. قال: فلما لا تتجنبين الحرب مع جوارنا من المسلمين، وقد وعدنا الكتاب بأن زوال دولتنا على أيديهم؟ أجابت: ذلك لأنكم لم تفهموا الكتاب جيدا! حقا وعدنا بذلك وهو أمر واقع لا محالة، ولكن فاتك أن الكتاب حدد شرطا ولم يحدد وقتا، فلن يتم ذلك إلا بأيادى عباد مؤمنين، فهل تراهم على الساحة فيصيبك القلق؟ مهمتنا نحن والأجيال القادمة أن نعمل بكل كد ودأب لنؤخر وصول هؤلاء العباد إلى سُدد الحكم، ونقنع شعوب الجوار بأن مثل هؤلاء خطر داهم عليهم هم أنفسهم وليس علينا).
توقفت طويلا أمام عبقرية الرأى الذهبى فى محاورة الزمن بإستراتيجية الإلهاء، وتتبعت تطبيقاته العملية والعلمية والسياسية والتطبيعية حتى الآن. فلا شك فى جدية وأمانة واستمرارية كل محاولات الجيران لحل المشكلة (مقاومات، مؤتمرات، شجب، حروب، تطبيع)، ولكن خطورة الإستراتيجية الذهبية اكتشافها مناط تطبيق الوعد؟ الزمن + العباد المؤمنين أولى البأس الشديد! فزمن تحقق الوعد معلق على شرط وجود أولى البأس الشديد، فلا شك فى وقوعه، ولكن عدم تحقق شرطه يجعله لا يأتي! وهنا يبرز تكتيك تنفيذ الإستراتيجية بالحول دون وجود أو ظهور أو تمكين عباد، يؤمنون، فيكونوا أولى بأس شديد، لتنفيذ وعد من لا يخلف الميعاد!
محور تنفيذ الإستراتيجية هو الإنسان، والحول دون إيمانه الذى يمنحه بأسا وشدة! ولا يكون ذلك إلا بعملهم على (وعى الإنسان) لضمان عدم وصوله لرتبة عبد الله أو العبد المؤمن، وبالتالى تأخير أو انعدام بأسه! بمعنى العمل على دحر وتجريف مكونات وعيه من ثقافة، ودين، وتعليم، وإعلام، واقتصاد، لتخريج أجيال مخوخة، هشة، مسطحة، دون كيشوتية، فاقدة الإيمان بالله، وبأنفسهم، ومجتمعاتهم، ودولهم. إن ضرب وتخويخ وتمييع وتشتيت الوعى الجمعى للإنسان، حتما لن ينتج إلا اسرابا من هوام وغربان، وخيالات ظل بقيم مُدجنة، وعقليات مُشككة متشككة ومشتتة، وكلها تنفر وتقاوم مفهوم العبودية الحقة لله، المتجاوزة للفروض الدينية، للإيمان والتطبيق الواعى والناضج للقيم والأخلاق، من العدالة، والكرامة، والنزاهة، والحرية، والوطن والأرض والولاء لهم، والأسرة والتراث والاعتزاز بهم. هذه عدة وذخيرة العبد المؤمن المؤهلة لترقيه للإجادة، فالاحتراف، فمرتبة البأس الشديد فى إيمانه بأى قضية، أو موقف، أو حل لمشكلة تهدد وجوده أو مستقبله أو قيمه المؤمن بها ويحميها.
صادفت فى رحلتى لرصد فعاليات الإستراتيجية لوأد جينات أولى البأس، زخما من التطبيقات الاجتماعية، الفنية، السياسية، العلمية، الإعلامية، المهنية، الثقافية لمنع وجود أهل أولى البأس – كل فى مجاله ودائرته – فلو رصدت عالمًا نابهًا فى مجاله فاشترِه أو لوثه أو احجبه أو اقتله! (المصريون سميرة موسى، جمال حمدان، سلوى حبيب، يحى المشد، مصطفى مشرفة، سمير نجيب، سعيد السيد بدير، اللبنانى رمال حسن رمال، الفلسطينى نبيل فليفل، السعودية سامية ميمني). كذلك الحال لو كُتّابًا، أو فنانين، أو سياسيين، أو مثقفين، أو علماء دين، أو محامين.. إلخ. فطالما تُفرّغ دوريًا بذور أولى البأس، فسيتأخر الشرط وبالتبعية الوعد وحتما الهلاك!
وبتطبيق إستراتيجية تأخير العباد المؤمنين وظهور أولى البأس منهم، على تاريخ قضية تمثال بارتولدى المسيء بوضع حذاء شامبليون على رأس رمسيس الثانى بالكوليج دى فرانس منذ 150سنة، تأكد لى استمرار الإستراتيجية الذهبية لوأد أى محاولات جادة لظهور أولى بأس، مؤمنين بقضية كرامة الحضارة المصرية القديمة والمصريين، لإزالة هذه الوصمة الفنية من وجه وجودهم، ومن وجه الثورة الفرنسية المنادية بالحرية والإخاء والمساواة! فهناك منهجية صارمة وحادة وخارج المناقشة ومعقدة الإعاقة، لأى محاولات جادة، أو تتبع حريص، أو مطالبة متنورة لرفع هذه الإهانة أو تصعيد هذا الوجع لمستوى قضية رأى عام محلى أو دولي!
إن وجود واستمرار تمثال شامبليون لبارتولدى على يد البارتولديين المعاصرين نَسبا أو هوًى أو مصلحة، لهو إحدى التطبيقات الواقعية لتفرد ونشاط وقوة إستراتيجية تأخير ووأد جينات المصريين المؤمنين بقضية كرامة مصر وعزتها عالميا، سواء بإعاقة أو منع ظهور أو وصول أولى بأس مؤمنين حقا بهذه القضية، أو تهميش، أو تسفيه، أو طمر، أو شراء، أو ترهيب المحاولات الجارية، أو بإقناعنا بخطورتها على العلاقات والمصالح المصرية الفرنسية، لمنع وصولها للوعى الجمعى المحلى والعالمي، أو لدست القضاء الفرنسى أو جهة الإدارة بها لإزالة صنم المهانة الخالد، الموعود زواله يوما ما، ولكن احترامك واعتبارك للرأى الآخر يجعلك مستبصرا بحالك، وحقيقا بتدبر يقابله. فى 15/11/21 كتبت مقال (بروتوكولات حكماء أُحد) وفى 22/11/21 (لماذا نحتاج حكماء أُحد)، كمحاولة لتفنيد هذه الإستراتيجية الذهبية، وفكرة لاستنبات جينات أولى البأس قد تطرح ولو بعد 100 سنة!
يقينى أن محاولاتى فى 31 مقالا مؤمنا بقضية الكرامة المصرية ضد أداة بارتولدى الشامبليونية، ومسؤوليته الفنية التقصيرية عنه، هى سعى لإجادة كشف زوايا رؤية القضية، لاحتراف عرضها لاحقا، بما سيثمر يوما عبادا مؤمنين يمنحهم الله والوطن والمصريون بأسا، يحققون به وعد الله ولو كان على البارتولديين وصنيعتهم!
* محامى وكاتب مصرى