تتوقع الحكومة السويسرية نمو اقتصادها بنسبة %3.3 خلال العام الحالى بفضل توزيع لقاحات كورونا وتعافى المواطنين منها، ليواكبها حالة من الانتعاش والنمو الاقتصادى، لتعوض مرحلة الركود الذى شهده العام الماضى بسبب انتشار وباء كوفيد 19، وإتخاذ إجراءات احترازية مشددة لمواجهته ليتراجع اقتصاد البلاد ويشهد أسوأ انكماش سنوى عرفته سويسرا منذ أزمة البترول فى عام 1975.
وترى الحكومة أن تعافى الاقتصاد السويسرى وفقا لتوقعات المحللين قد يعود به إلى مستويات ما قبل الأزمة الصحية مع نهاية السنة الحالية ليترتب عليه انخفاض معدل البطالة تدريجيا إلى %3.3.
وأشارت إلى تراجع الناتج المحلى الإجمالى خلال الربع الثانى من العام الماضى بنسبة 8.2 %، مسجلا أكبر انكماش له.
كان وزير المالية أولى ماورر أعلن العام الماضى أن الحكومة السويسرية ستقدم ما بين 70 و80 مليار فرنك على شكل مساعدات مالية، وأن السلطات المحلية فى الكانتونات الست والعشرين والبلديات ستساهم فى دعم جهود الإغاثة اللازمة لمواجهة كورونا .
كورونا تحصد 10 آلاف ضحية
ذكر موقع « SWI» السويسرى أن الحكومة ألغت العديد من القيود التى فرضتها فى منتصف شهر يناير الماضى للحد من تفشى العدوى من مرض كوفيد 19 المميت، وأعادت فتح المتاجر والمتاحف والمرافق الرياضية اعتبارًا منذ أول يوم فى الشهر الجارى، باستثناءالمطاعم والمقاهى التى لا تزال مغلقة.
وتوقع هبوط الناتج المحلى الإجمالى السويسرى بشكل كبير خلال الربع الأول من العام الجارى بسبب القيود التى فرضتها الحكومة لمكافحة الوباء منذ شهر ديسمبر الماضى، رغم إشارات إيجابية بأنه فى طريقه للمزيد من النمو والتحسن، بعد حجزها 30 مليون جرعة من لقاح الوقاية من فيروس كورونا، رغم أن عدد السكان أقل من 9 ملايين نسمة، وتزايد التفاؤل فى نتائج التطعيمات التى تساعد فى هبوط عدد المصابين والوفيات الذى بلغ حتى الآن حوالى 571 ألف حالة وأكثر من 10 آلاف ضحية.
سنغافورة تسحب البساط من دافوس
وتحذر الحكومة من مخاطر محتملة فى المستقبل مرتبطة بالوضع الصحى العام، لدرجة أن الطبيبة فيرجينى ماسيرى من المكتب الفيدرالى للصحة العامة أكدت أن الوضع الصحى لايزال هشا لأن عدد الإصابات الجديدة بدأت هذا الشهر فى الارتفاع مرة أخرى بعد التباطؤ ثم الانخفاض فى عدد الإصابات خلال النصف الثانى من فبراير.
كان العام الاقتصادى فى سويسرا يبدأ عادة بصورة قوية فى شهر يناير من خلال عقد المؤتمر السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس، واتجهت أنظار العالم العام الماضى قبل الإعلان عن الوباء إلى المنتدى فى دافوس لعدة أسباب من بينها زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلا أن المنتدى الذى يحتفل هذا العام بمرور خمسين عاما على إطلاقه قرر عقد مؤتمره السنوى فى سنغافورة بسبب كورونا.
منتدى دافوس
أدى أنتقال منتدى دافوس إلى حرمان الاقتصاد السويسرى من ملايين الفرنكات بسبب خسارة إيرادات سياحة رجال الأعمال والسياسيين الذين يتوافدون على منتدى دافوس، يضاف لذلك أن التأثير الرمزى لنقل هذا الحدث العالمى إلى سنغافورة، يعكس منافسة النمور الآسيوية لسويسرا كموقع اقتصادى بصورة متزايدة، بعد أن باتت سنغافورة غريما اقتصاديا يزداد قوة يوما بعد يوم، ولاسيما للبنوك السويسرية لأنه منذ إلغاء السرية المصرفية فى سويسرا، بدأت الأموال تتدفق بوفرةعلى بنوك سنغافورة.
وإذا كانت الجائحة التى نجمت عن انتشار فيروس كورونا قلصت نمو الاقتصاد السويسرى، إلا أنه يقاوم ويحاول الخروج من مرحلة الركود للتعافى، فالصناعات الدوائية تواصل مسيرتها بلا أضرار خلال هذه الأزمة لتحقق أرباحا ضخمة، عكس صناعة الساعات التى تضررت بصورة لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية.
ركود الساعات السويسرية
يتوقع الخبراء استمرار الوباء فى التأثير على الوضع الاقتصادى حتى العام القادم بسبب انتشار طفرات جديدة من فيروس كورونا الذى قد يقاوم اللقاحات الحالية والتى ربما تكون أقل فعالية فى مكافحتها.
كما تعرضت صناعة الساعات السويسرية لخسائر هائلة لتصبح من أكثر القطاعات الصناعية تضرراً من الجائحة مع تراجع صادرات سويسرا من الساعات بأكثر من 25 % خلال العام الماضى فى أكبر انخفاض خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية .
أيضا تضرر منتجو الآلات والأجهزة الصناعية المستخدمة فى صناعة الساعات والطيران والفضاء والسيارات من هذه الأزمة الصحية العالمية.
شركات متعددة الجنسيات
رغم أن العديد من المحللين لا يتوقعون ظهور أى ازدهار اقتصادى قبل حلول النصف الثانى من العام الجارى، إلا أن سويسرا التى أصبحت معتمدة أكثر من أى وقت مضى على شركات صنع الأدوية المتعددة الجنسيات، التى تنمو بسرعة – تساهم بحوالى نصف الصادرات السويسرية.
استطاعت شركات الأدوية المتعددة الجنسيات اجتياز وباء كورونا، بل وخرجت منه أكثر قوة، وسط توقعات بأن تكسب المزيد من الأهمية، وأن تزيد حصتها لأكثر من %10 من الناتج القومى الإجمالى، مع انتشار حملات التطعيم التى استثمرت فيها هذه الشركات مئات الملايين من الدولارات لتغطى خطط معظم الدول فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية لتطعيم سكانها.
تداعيات الأزمة المالية العالمية
من المتوقع أن تشهد سويسرا هذا العام عجزا فى الميزانية يتراوح ما بين 30 و40 مليار فرنك بعد أن خصصت الوزارات الحكومية المختلفة أكثر من 65 مليار فرنك سويسرى (66.8 مليار دولار) للتعامل مع تأثير الوباء وفقًا لوزارة المالية الفدرالية، وطرح جزء من تلك الأموال على شكل قروض يتم استردادها فيما بعد، ويشبه هذا الرقم مبلغ 68 مليار فرنك الذى خصصته الحكومة الفدرالية لإنقاذ مصرف UBS عندما تعرض لخسائر هائلة بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية فى عامى 2007 و2008.
مكاسب كورونا
كما سجل المصرف الوطنى السويسرى ( البنك المركزى) أرباحا قدرها 21 مليار فرنك خلال العام الماضى برغم الوباء، فقد عزز ارتفاع أسعار الأسهم من قيمة استثمار المصرف فى العملات الأجنبية التى ربح 13 مليار فرنك من تعاملاته فيها، وحقق مكاسب أخرى قيمتها 7 مليارات فرنك نتيجة ارتفاع قيمة ممتلكاته من الذهب التى تقدر بحوالى 1040 طنا ظل محتفظا بها، رغم أن أرباح المصرف السويسرى قبل كورونا بلغت أقل من 49.9 مليار فرنك بقليل فى عام 2019.
ورغم الفارق المسجّل بين عامى 2019 و2020، قام المصرف الوطنى السويسرى بتوزيع ما قيمته 4 مليارات فرنك على الحكومة الفدرالية والكانتونات، وهو نفس المبلغ الذى وُزع العام السابق، كما اقترح البنك المركزى توزيع أرباح للمساهمين قدرها 15 فرنكا للسهم، وهو الحد الأقصى القانونى.
ويتم توزيع الأرباح بموجب اتفاقية تم إبرامها بين المصرف الوطنى السويسرى ووزارة المالية، وتنص على دفع المصرف خلال الفترة -2016 2020، مليار فرنك سويسرى على الأقل للكانتونات وللحكومة الفدرالية عندما تكون الاحتياطات إيجابية.
الملاذ الآمن
ارتفعت قيمة العملة السويسرية فى الخارج، صاحبها ارتفاع فى قيمة الذهب فى البلاد خلال جائحة كوفيد – 19 العام الماضى، حيث سعى المستثمرون إلى إيداع أموالهم فى الملاذات الآمنة مثل الذهب .
كما عززت أسعار الفائدة المنخفضة أسواق الأسهم، وتدخل المصرف الوطنى السويسرى فى أسواق العملات لوقف ارتفاع قيمة الفرنك، حيث أقبل المستثمرون بكثافة على شراء الفرنك وسط مخاوف من الانعكاسات السلبية لانتشار الوباء، مما أثار رد فعل صارم من الإدارة الامريكية التى صنفت سويسرا مؤخرا كدولة متلاعبة بسعر الصرف.
وقد تجاهل المصرف الوطنى السويسرى هذه الاتهامات رغم ما يتم تداوله بأنه يحتفظ بما قيمته 770 مليار فرنك من العملات الأجنبية.