تزايد الطلب على تمويل مشروعات الطاقة المتجددة يدعم خطط الدخول
«أبو هند»: 100 مليار دولار قيمة الاكتتابات فى هذه النوعية لدى دول مجموعة العشرين العام الماضى
حظيت السندات الخضراء فى السنوات القليلة الماضية باهتمام عالمى واسع من قِبل الحكومات والقطاع الخاص لتمويل المشروعات، خاصة فى ضوء التغيرات المناخية التى يشهدها العالم، نتيجة زيادة الانبعاثات الكربونية، فضلًا عن الرغبة فى تنويع أدوات الدين واستحداث أخرى جديدة وزيادة قاعدة المستثمرين .
ورغم أن تلك السندات لا تشكل سوى نسبة محدودة من سوق السندات العالمية، لكن هناك توقعات بزيادتها مستقبلًا، وتقدر مبادرة سندات المناخ حجم الإصدارات العالمية من السندات الخضراء العام الحالى بأنها ستتراوح بين 400 إلى 500 مليار دولار.
ونقلت وكالة رويترز فى وقت سابق عن تقرير صادر عن المبادرة أن إصدارات تلك السندات سجلت مستوى قياسيًا مرتفعًا بنهاية العام الماضى عند 269.5 مليار دولار.
وخطت مصر عدة خطوات فى هذا الصدد، أولاها إصدار وزارة المالية العام الماضى سندات بنحو 750 مليون دولار، فضلًا عن إعلان مؤسسة التمويل الدولية أوائل الشهر الحالى استثمار 100 مليون دولار فى أول سند للقطاع الخاص يصدره البنك التجارى الدولى.
فيما أعلن بنك مصر الحكومى بيع سندات خضراء فى السوق المصرية خلال الفترة المقبلة، غير أن تفاصيله لم يكشف عنها بعد .
وتبحث “المال” فى هذا التقرير التوقعات المستقبلية لإصدارات سندات المشروعات الصديقة للبيئة فى السوق المحلية، فى ضوء التوجه العالمى المتزايد على الاكتتاب فيها.
قال أيمن أبو هند، الخبير الاقتصادى والشريك المؤسس بشركة advisable wealth engines، إن هناك اتجاهًا عالميًا فى الوقت الحالى لإصدار تلك السندات الخضراء لتمويل المشروعات غير المضرة للبيئة، نظرًا لعدد من الاعتبارات من بينها مسألة الاحتباس الحرارى .
وتابع «أبو هند» أن قيمة الاكتتابات فى تلك السندات لدى دول مجموعة العشرين الكبار العام الماضى بلغ نحو 100 مليار دولار، منها الولايات المتحدة الأمريكية التى أصدرت سندات خضراء العام الماضى بقيمة 52 مليار دولار، وشهدت ألمانيا إصدار سندات بحوالى 40 مليار، وفرنسا 36 مليارًا.
لكنه أشار إلى أن هذه السندات لا تختلف عن القروض، من حيث شروطها ومعدل فائدتها، وعدد سنوات السداد فهو فى النهاية يعتبر قرضًا، غير أن الميزة هى أن الاتجاه العالمى حاليًا يسير فى مجال تنفيذ المشروعات الخاصة بالحفاظ على البيئة .
وأعلنت مؤسسة التمويل الدولية مؤخرًا، استثمار 100 مليون دولار فى أول سند أخضر للقطاع الخاص فى مصر، وأصدره البنك التجارى الدولى بهدف المساعدة فى إطلاق التمويلات للمشروعات الصديقة للبيئة، والحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، ودعم تحول الاقتصاد المصرى إلى أكثر خضارًا، وبحسب بيان المؤسسة؛ سيساعد هذا السند على زيادة الإقراض للشركات التى ترغب فى الاستثمار فى المشروعات الصديقة للبيئة، بما فى ذلك المبانى الخضراء والطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، وهى أسواق لا تزال وليدة فى مصر.
وقالت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، فى بيان صحفى، إن مصر تمضى بخطى حثيثة نحو تحقيق أجندتها الإنمائية لعام 2030 التى تتفق مع أهداف التنمية المستدامة العالمية، مشيرةً إلى أن الحكومة المصرية نجحت فى إصدار أول طرح لها للسندات الخضراء السيادية العام الماضى، وتجاوزت قيمة طلبات الشراء حجم الإصدار المعلن بما يعادل 5 مرات.
كان البنك الدولى قد صرح لـ”المال” سابقًا بأنه يعد أحد المصدرين الرئيسيين للسندات الخضراء، لافتًا إلى أنه تم جمع 14 مليار دولار من خلال 165 سندًا أخضر بـحوالى 22 عملة، وأشار إلى أن تقارير تأثير السندات الخضراء الصادرة عنه، وسندات التنمية المستدامة تعد نماذج لمصدرى السندات المستدامة.
وتابع أنه قام بتطوير دليل إدارة عائدات السندات الخضراء، وإعداد التقارير الذى يوفر إرشادات لمصدرى الأسواق الناشئة مثل مصر.
وأعلنت وزارة المالية، أواخر سبتمبر الماضى، عن إتمام إصدار أول طرح للسندات الخضراء السيادية الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقيمة 750 مليون دولار لأجل خمس سنوات بعائد %5.25.
وقالت الوزارة، فى بيان صحفى، إن هذا الإصدار يُسهم فى تنويع قاعدة المستثمرين، بعدما شهد هذا الطرح إضافة 16 مستثمرًا جديدًا لأول مرة فى إصدارات السندات بالدولار الأمريكى، ما يبرز النجاح فى الاستمرار فى التنويع، وتنمية قاعدة المستثمرين الكبيرة الحالية، فى ظل تزايد التوجه العالمى لسوق السندات الخضراء، وإقبال العديد من الدول على مثل هذه الطروحات الممولة للمشروعات الصديقة للبيئة، بما يمثل بداية لمصر فى الاستفادة من وسائل التمويل المستدام.
وتشير البيانات المنشورة على موقع البنك الدولى، إلى أنه بإمكان أسواق رأس المال أن تلعب دورًا أساسيًا فى تعبئة التمويل اللازم لدعم التزامات اتفاق باريس المناخى، لافتًا إلى أن السندات الخضراء تعتبر من خيارات التمويل المتاحة لشركات القطاع الخاص وكيانات القطاع العام الراغبة فى دعم الاستثمارات المناخية والبيئية.
وأضاف أن المستثمرين ينجذبون إلى السندات الخضراء، لأنها تمكّنهم من الاستثمار فى أعمال ذكية مناخيًا مع قدرتهم على تتبّع أثر استثماراتهم من خلال التقارير المطلوبة، فى إطار مبادئ السندات الخضراء.
وأكد خالد حمزة، نائب مدير مكتب البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية فى مصر، فى تصريحاته لـ”المال”، اهتمام البنك بالسندات الخضراء، مشيرًا إلى أن مصرفه ينظر حاليًا فى عدد من الفرص فى هذا المجال، ويجرى تقييمها لبحث إمكانية الاستثمار فيها، مؤكدًا أنها كلها تندرج ضمن مجالات الاستثمار فى الطاقة.
لكنه أشار إلى أنه لم يتم تحديد الوقت الذى سيتم فيه الانتهاء من تلك التقييمات الخاصة بالاكتتاب فى السندات الخضراء، وهل سيكون العام الحالى أم لا، إذ إن الترتيبات الخاصة بذلك النوع من الاكتتابات مختلف عن مجال القروض البنكية، بعدما يجرى المقارنة بينهما، وأيهما أرخص فضلًا عن الشروط المحددة التى يتم وضعها لإصدار تلك السندات.
وبحسب «حمزة»، تتضمن تلك الشروط أن يكون المشروع بالفعل صديقًا للبيئة، ومخفضًا لانبعاثات ثانى أكسيد الكربون الملوثة للغلاف الجوى، وهذه المناقشات تستهلك وقتًا، كما يجب أن يكون مع كل مشروع جدول زمنى محدد للتنفيذ بسرعة.
وأكد «حمزة» أن هيئة الرقابة المالية تعتبر من أوائل المؤسسات التى تدفع تجاه تنفيذ المزيد من المشروعات فى هذا السياق، ووفرت تسهيلات إجرائية للشركات، لكنه يرى أن طرح تلك السندات يحتاج إلى مؤسسات استشارات مالية محترفة لمساعدة الشركات على تنظيم استثماراتها، وللتعرف على آلية تنفيذ المشروعات الخضراء.
وكانت الهيئة العامة للرقابة المالية قد أعلنت منتصف يوليو الماضى الانتهاء من وضع الإطار التنظيمى لضوابط إعداد الشركات لتقارير إفصاح جديدة عن الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة المؤسسية بعد نجاحها فى إتمام الموافقة على الإصدار الأول من السندات الخضراء فى سوق رأس المال المصرية، بقيمة 100مليون دولار، لإحدى الشركات المقيدة فى البورصة المصرية.
وأضافت الهيئة، أن ذلك يعد نقلة نوعية للأنشطة المالية غير المصرفية كى تتماشى مع التوجهات والمبادرات العالمية التى تسعى إلى تقليل آثار تحديات مخاطر المناخ إلى الحد الأدنى والحَد منها على المدى الطويل.
وتعتبر السندات الخضراء واحدة من أدوات الدين كالسندات التقليدية، لكنها تخصص أموالها للاستثمار فى مشروعات صديقة للبيئة، مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والأعمال الزراعية والمنشآت الخضراء، ومشروعات كفاءة استخدام الطاقة والإدارة المستدامة للنفايات، والاستخدام المستدام للأراضى، والنقل النظيف، والإدارة المستدامة للمياه، والتكيف مع تغير المناخ، والمدن الجديدة.
وقالت منى بدير، كبير الاقتصاديين بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، لـ”المال”، إنه على الرغم من التحديات غير المسبوقة التى فرضتها أزمة كوفيد-19 على العالم، أظهرت سوق السندات الخضراء مرونة كبيرة، لتعكس تسارع الزخم للسندات ذات الأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) ، كما هو الحال مع الطلب على إصدارات السندات الأخرى ذات الأهداف الاجتماعية والسندات المرتبطة بالاستدامة.
وأضافت أنه طبقًا لتقرير مؤسسة التمويل الدولية IFC حققت سوق السندات الخضراء العالمية زيادة تراكمية بقيمة 1 تريليون دولار منذ 2007، بعد أن بلغت قيمة الإصدرات 280 مليار دولار فى العام الماضى 2020.
وتابعت أن سوق السندات مستمرة فى النمو، وأصدر العالم 106.86 مليار دولار من السندات الخضراء فى الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالى، وهو أقوى ربع على الإطلاق.
ونوهت بأنه على الرغم من اضطرابات التى خلفتها الجائحة على الأسواق الناشئة، كانت سوق السندات الخضراء فى الأسواق الناشئة مرنة أيضًا مع إصدار 174 سندا بقيمة 40 مليار دولار العام الماضى، وهو ما يعكس أيضًا اتجاه الأسواق الناشئة لمواكبة أجندتها التنموية مع متطلبات التنمية المستدامة وتحقيق النمو الشامل.
وأضافت أن مصر لا تغيب عن هذا الاتجاه، بعدما جاءت خطة التنمية المستدامة متسقة مع الاتجاه العالمى فى دمج الأبعاد البيئية مع خطط تمويل أهداف التنمية المستدامة، لافتةً إلى أنه فى حين دخلت مصر لسوق السندات الخضراء للمرة الأولى فى سبتمبر 2020، لا يبدو أنه الدخول الأخير مع تزايد الطلب على تمويل مشروعات الطاقة النظيفة والمتجدده والمزايا التنافسية التى تتمتع البلاد بها، من خلال موقعها الجغرافى، ومناخها الأمر الذى يجعلها قادرة على استقطاب المزيد من الاستثمارات فى هذا القطاع.
وأشارت إلى أن تقييم المشروعات التى ينبغى أن تمولها هذه الإصدرات تبقى من الأمور الفنية التى قد تحد من التوسع فى هذه الإصدارات، إضافة إلى أن التصنيف الائتمانى الآن لهذا النوع من السندات المرتبطة بالأهداف البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) يرتبط بقدره الدولة على تحسين تلك المؤشرات بالفعل وعلى مدى إتاحة البيانات المتعلقة بتطورها.
يشار إلى أن وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، أكدت تصريحات نشرتها “المال”، أنه يتم إجراء مباحثات مع صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة، يتم بمقتضاها حصول مصر على جزء من تمويل مشروعات جديدة لمواجهة الاحتباس الحرارى، ضمن مخصصات الصندوق لدعم الدول النامية بقيمة 500 مليون دولار.
وأضافت «فؤاد» ان صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة أسهم فى دعم عدة مشروعات تنموية فى مصر، منها مشروع الدلتا، ومشروع بنبان للطاقة الشمسية، وNAPالذى تم توقيعه مؤخرا بتنفيذ برنامج الأمم المتحدة.
ووافق مجلس إدارة صندوق المناخ الأخضر (GCF)، التابع للأمم المتحدة ومقره كوريا الجنوبية، على تمويل بقيمة 500 مليون دولار لمشروعات وبرامج جديدة يتم ضخها على الدول النامية.
جدير بالذكر، أن صندوق النقد الدولى، أشاد فى تقرير سابق، بالخطوات التى تتخذها الحكومة المصرية لمواجهة تغير المناخ، مؤكدًا أنها تتخذ خطوات إيجابية نحو تحقيق الانتعاش الأخضر، مضيفًا أنه تم تطوير خطط متعددة القطاعات للتكيف والتخفيف والحد من تعرض مصر لآثار تغير المناخ بما فى ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والظروف الجوية القاسية.
وتابع أن السندات الخضراء التى أصدرتها مصر مؤخرًا كانت الأولى من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحقق الإصدار 750 مليون دولار، ما جذب المستثمرين الأجانب الجدد والحاليين، ومن المتوقع أن تمول العائدات بعض المشروعات الخضراء التى تعتبر مؤهلة والبالغة قيمتها 1.9 مليار دولار.