أيهما سيكون أهم وأغلى فى 2024 وما بعدها، السلاح أم السكر؟ السلاح بما يُعبر عن جدية الردع، واستقرار الامن، وقوة الدفاع، وحماية جغرافيا، وتاريخ، ومستقبل مصر – ام السكر بما يُعبر عن التضخم، الديون، والارهاق المعيشى ليجعل حياتنا سكر مُر! حلاوة الحياة ام حلاوة الطعم؟
متى يكون السلاح سكر أمن الوجود، فى مُر مذاق الحروب والقلاقل والتوترات المحيطة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا؟ ومتى يكون السكر سلاحا فى يد الكتائب الالكترونية وتجار الازمات وتقليب الرأى العام؟ كثيرا ما يكون السلاح سكر “سنترافيش” يذوب فى غليان الحروب، عندما يعتمد على شراء الأمن بالنقد وليس بدماء واعصاب الشعب! فاذا ما بُنيت القوة من قلوب وافئدة الرجال، يصبح السلاح سكر قهوتهم الصباحية، لأنهم يكملون به واجبهم وليس مجرد ترصيع الشاشات الفضائية.
هذا ما فعلته مصر منذ 2013 فى حزم صفقات السلاح لتحديث وتمتين قوة الجيش المصري، تطويرا لمنظومة الردع، والدفاع، والهجوم. على مدار 10 سنوات كانت مقارنة الشارع دوما بين “هدر” المليارات فى السلاح على حساب السكر! ولكن النظرة الموضوعية المتأنية تثبت ان المنهجية الاستراتيجية فى التسليح المتدرج زمنيا والمتطور فنيا، سبقت نشوء وتطور صراعات إقليمية حالية، ومتصاعدة! وهو ما يقول اما ان القيادة السياسية لديها حدس صائب، او ذات بصيرة استراتيجية عسكرية قائمة على المعلومات والرصد والتحليل والترابط بالخيوط الأساسية والفرعية لما يجرى إقليميا وعالميا، او ان مصر تسير قدرا فى درب مكتوب لها، أصعب ما فيه الخيارات والموازنات والقرارات.
مع كل التداعيات العالمية لحرب غزة، واشتعال الرماد، والمحاولات المستميتة من المستفيدين لتغيير التركيبة السكانية فى سيناء والأردن وحتى سوريا ولبنان، بتفريغ غزة من أهلها وتوزيعهم اتفاقا او إجبارا، ووجود مشاريع طموحة جدا لخط النقل البرى للبضائع (خلال يومين و6 ساعات) من الهند الى اوروبا عبر الامارات، فالسعودية، فالأردن، لميناء حيفا بإسرائيل ومنه بالسفن لموانئ إيطاليا – عوضا عن الشحن البحرى عبر البحر الأحمر وقناة السويس بمدة من 4 – 6 أيام (بما هدد قدرة ايران فى تلاعبها بمضيق باب المندب / ويضر بمصر فى مصالحها بقناة السويس)، وفى ذات الوقت يفتح المجال لاستعادة الحلم بشق قناة بن جوريون – مع كل هذه التداعيات المستمرة، نجد ان مصر نجحت فى واحدة من اكبر صفقة السلاح فى تاريخها ومن الأكبر فى تاريخ إيطاليا منذ الحرب العالمية2!
الصفقة تضم 24 مقاتلة حربية (يوروفايتر تايفون) بمدى 3800 كم وسرعة 2450 كم/ساعة، والكشف لمقاتلات عدائية من مسافة 250 كم وطائرات كبيرة الحجم من مسافة 360 كم، وتتبع أكثر من 20 هدف بذات الوقت (لم تفلح تركيا عضو الناتو فى الحصول عليها من إيطاليا)، بخلاف 4 سفن صواريخ وقمر صناعى للتجسس لأغراض استخباراتية. هذا فى الوقت الذى وصل فيه سعر كيلو السكر أحيانا لـ50 جم، الفول المعبأ 38٫74 جم، الأرز المعبأ 30٫87 جم، العدس المعبأ 52٫5 جم، زيت الذرة 79٫19 جم! ولذلك كان من المهم السؤال ايهم أقيم وأجدر بالانتباه والاعتبار، سلاح البطن ام سلاح المتن؟ منطقيا لن يتمكن المتن من الصمود وهو جائع، ولكن واقعيا تكلفة إشباع البطن قد تكلف المتن حريته! اللهم لو رضينا حياة الأنعام والقطيع بتأمين العلف مقابل الاسوار.
من هنا كانت قيمة حرية الشعب فى سيادته على نفسه وتقرير مصيره، وحرية الفرد فى تحرره من القيود المعوقة لاتخاذ قراراته، فللحرية مفهوما يختلف فى زمن الحرب عن زمن السلم! قمة حريتك ان تنجح فى حماية نفسك وسط فخاخ وحروب، وانواء، ومؤامرات اقليمية، ودولية. اما حريتك فى حروب الغلاء والسكر ومعارك البطن فهى تهيئك لقمة سائغة لمن ينتظر تخمتك فينقض عليك!
الابعاد المحلية والإقليمية والدولية لحرب غزة وتوابعها، قد تكون كرة الثلج التى تنزلق بسرعة وقوة، لصرف نظرنا مؤقتا عن الفيضان الجنوبى من سد النهضة! ولكن استكمال سلاحك السكر سيجعلك تملك حرية خيار قراراتك ايهم تذوّب أولا فى ماعون خلطتك السرية لإنقاذ مصر؟
المعضلة الحقيقية هى محاولات فك ديون مصر لاستكمال خطط التنمية. لا شك ان صفقات السلاح المليارية ترهق الديون بحدبة مزدوجة، ولكن التركيبة المصرية فى 2024 غريبة جدا بكل المقاييس؟ لدينا بحرين الأحمر والمتوسط، قناة السويس ونهر النيل، غاز طبيعى ورمال بيضاء سوداء، ثروات معدنية ومحجرية، ثلث اثار العالم، طبقا لموقع “Global Firepower” فالجيش المصرى الأول عربيا وافريقيا و14 عالميا، ثروة بشرية عملاقة، إنجازات رياضية وعلمية عالمية، بنية تحتية عملاقة فى الطاقة والطرق السريعة والنقل والمدن الجديدة – ولكن كل ذلك لا يشفع امام كيلو السكر ب50 جم!
فهل نحمى هذه التركيبة ونزود عنها ونحاول فك قيودها بحلول اقتصادية وادارية من خارج الصندوق، ام نُترع أصحابها خبزا وسكر ونشق على وجوههم ابتسامات بموس الاستعباد لمن يُطعمنا ويخطط لابتلاع مقدرات جغرافيتنا وتاريخنا؟ يثبت هرم ماسلو ان الاحتياجات الفسيولوجية ومنها الطعام تسبق الحاجة للأمن (الوظيفي/الدخل/النفسي/الاسري/الصحي/ضد الجريمة والاعتداء)، وهذا مقبول فى ظروف الحياة العادية او الاستثنائية وليس القاهرة! وبالتالى نحتاج اعادة ترتيب مفهوم (نعيش لنأكل ام نأكل لنعيش؟)، فاذا وعينا فعلا أهمية نأكل لنعيش لدعمنا مفهوم (سلاحك سكر) رادعا ومدافعا ومهاجما.
ومع اعلان فوز السيد/ عبد الفتاح السيسى بفترة رئاسية جديدة، ندعو له وادارته الجديدة بان يكون سلاحهم سكر فى قلب التضخم المُر، الاعدقاء (الأعداء الأصدقاء)، الديون المتخثرة، تجريف الوعى الجمعى المصري، وغيرها من منصات احتياجات الشخصية المصرية فى هرم ماسلو، لنصل يوما لقمته او تحقيق حلاوة الذات وليس فقط حلاوة الطعم! وقتها سيكون سكر إنجازاتنا، هو السلاح السرى لمصر فى استكمال معجزة بقاءها واستمرارها واستقرارها رغم كل اهازيج الفوضى المنظمة.. ايقونة القرن21!
* محامى وكاتب مصرى