قال الدكتور سعيد البطوطى المستشار الاقتصادى لمنظمة السياحة العالمية، وعضو مفوضية السفر الأوروبية إن حركة السياحة العالمية مستمرة فى النمو، متوقعا أن ترتفع أعداد السائحين بنسبة %15 بنهاية العام الجارى مقارنة بعام 2023.
وأضاف البطوطى فى حوار مع «المال» أن تلك التقديرات من الممكن أن تتأثر بالسلب فى حال تفاقمت الأزمة الحالية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على تايوان، مشيرا إلى أن هناك توقعات بأن تصل حجم الحركة السياحية الوافدة لمصر فى 2024 إلى 15.5 مليون سائح.
الحرب فى غزة
ولفت إلى أن حجم الإيرادات السياحية عالميًا فى العام الجارى سوف تتجاوز ما حققته فى عام 2019 بفارق كبير، مرجعا ذلك إلى زيادة إنفاق السائحين، بسبب ارتفاع أسعار تذاكر الطيران والإقامة فى الفنادق والخدمات الأخرى فى جميع الوجهات السياحية تقريبا.
وذكر البطوطى أن استمرار الحرب فى غزة له تأثير سلبى على الحركة السياحية فى منطقة الشرق الأوسط، مع تباين هذا التأثير من دولة لأخرى لعدة اعتبارات.
وأشار إلى أن التأثير على مصر محدود باستثناء منطقة سيناء والتى تضم مدن شرم الشيخ ودهب ونويبع وطابا، منوها بأن أرقام عام 2023 وحجم تدفق حركة السياحة إلى منطقة البحر الأحمر والرحلات النيلية ما بين الأقصر وأسوان تؤيد ذلك.
وكانت مصر استقبلت نحو 14.9 مليون سائح خلال العام الماضى، مسجلة بذلك أعلى مستوى فى تاريخ السياحة المصرية، فيما حقق الربع الأخير من 2023 توافد 3.6 مليون، وهو يعد ثانى أعلى معدل فصلى بزيادة %8 مقارنة بنفس الفترة من العام السابق.
ولفت البطوطى إلى أن التأثير سلبى للغاية على بعض الوجهات الأخرى مثل إسرائيل والأراضى الفلسطينية ولبنان وسوريا والعراق واليمن.
الأسواق السياحية
وأكد البطوطى أهمية التركيز على السوق السياحية الأوروبية خاصة المملكة المتحدة ودول أوروبا الشرقية، مشيراً إلى أن اتجاهات السائحين الأوربيين حاليًا قوية تجاه الوجهات ذات الأسعار المعتدلة مثل مصر وتركيا.
وأرجع البطوطى ذلك إلى انخفاض المبالغ التى تستطيع غالبية المستهلكين السياحيين فى أوروبا من ادخارها نظرا لزيادة أسعار المواد الغذائية والبترولية والتدفئة وغيرها من الأمور الضرورية، وبالتالى يبحثون عن الوجهات ذات الأسعار المنخفضة والتى يستطيعون السفر إليها.
وأشار إلى ضرورة الاهتمام بالسوق الصينية، وجمع أصحاب المصلحة معا والممثلين فى منظمى الرحلات وشركات الطيران وأصحاب وموردى الخدمات السياحية من أجل تحفيز هذه السوق بشكل عملى.
يذكر أن وزارة السياحة والآثار تحرص على تنويع الأسواق السياحية إذ ركزت على 18 سوقا سياحيا مستهدفة، كما تستهدف 4 منتجات سياحية رئيسية وهى التى يتمتع المقصد السياحى المصرى بميزة تنافسية كبيرة بها وتمثل نسبة 55 % مما يفضله إجمالى أعداد السائحين حول العالم ويسافر من أجل هذه المنتجات حوالى 100 مليون سائح عالمياً.
وتشمل تلك المنتجات السياحة الثقافية، المغامرات، الشاطئية، وسياحة العائلات، بالإضافة إلى السائحين الذى يبحثون عن التجربة المتكاملة والمتعددة.
أزمة الطائرات
وحول أزمة تسليم الطائرات الجديدة ونقص قطع الغيار جراء تداعيات جائحة كورونا، قال البطوطى إن هذه الأزمة لن يكون لها تأثير يذكر على تدفق حركة السياحة العالمية خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، ولكن من المحتمل أن يحدث اضطراب وتقلص فى نمو حركة الركاب فى بعض المناطق الأخرى.
ولفت إلى أن المنافسة وامتلاك ميزات تنافسية سواء على مستوى الوجهات أو الشركات والمؤسسات تأتى ضمن أبرز الصعوبات التى تواجه قطاع السياحة والطيران حاليا، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية، وعقد التأمين، والتغيرات الجيوسياسية والصراعات الدائرة فى مناطق عدة من العالم، فضلاً عن المناطق التى من المحتمل اندلاع صراعات جديدة بها ومدى تطورها.
السياحة والذكاء الاصطناعي
ورأى البطوطى أنه بالرغم من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى يتم استخدامها فى قطاع السياحة منذ سنوات على نطاق محدود فى منصات السفر عبر الإنترنت ومحركات البحث ومقارنة الأسعار والحجز، إلا أن هذا الملف أصبح يأخذ بعدا شاملا، وتم الاستعانة به أيضًا فى تحسين عمل الشركات السياحية والطيران والملاحة البحرية.
وتابع أنه خلال الفترة الحالية نجد توسعًا فى استخدام “روبوتات”الدردشة “للرد على استفسارات العملاء وإبداء المشورة لهم ونصحهم بأفضل تصميم للرحلة وأفضل العروض والوجهات وخط سير الرحلة المناسبة لهم.
وأشار إلى أنه بالرغم من أن هذه” الروبوتات”سوف تلعب دورا هاما فى قطاع السياحة، ولكن هذه التقنيات ربما تكون غير دقيقة أو غير صائبة فى الرد على استفسارات السائحين، إذ تعتمد على البيانات التى تم تلقينها بها مسبقا، وبالتالى لا يمكن أبدا الاستغناء عن العنصر البشرى.
ولفت إلى أن قطاعى السياحة والطيران يعتبران من أكثر القطاعات التى استفادت بشكل كبير من تقنيات الذكاء الاصطناعى فى عدد من مجالات العمل، ومن أبرزها إدارة وتحليل البيانات السياحية الضخمة للخروج بأفضل وأدق النتائج الممكنة.
وأشار إلى أن هناك تطبيقات أخرى يمكن الاستعانة بها ولكن لا يمكن أن تستحوذ على عمل المرشد السياحى التقليدى، إذ يفضل السائح التعامل بشكل حى مع العنصر البشرى والتفاعل معه وذلك أفضل من الآلة والتى تعتمد على المعلومات التى تم تغذيتها بها.
السياحة الصحية
وقال البطوطى إن السياحة الصحية أو العلاجية تستحوذ حاليًا على حصة هائلة من الاقتصاد العالمى وقوة استهلاكية رئيسية فى السوق العالمية.
وأضاف أن هذا النمط السياحى سواء كان علاجيًا أو استشفائيًا يساهم بحوالى 6.6 تريليون دولار فى الاقتصاد العالمى، لافتا إلى أن متوسط إنفاق السائحين فى هذا النمط أعلى بكثير من السائح التقليدى والذى يتراوح بين 1700 و12 ألف دولار على الرحلة للفرد الواحد.
دراسة مشتركة
وأشار إلى أن مفوضية السفر الأوروبية ومنظمة السياحة العالمية قاما بعمل دراسة خلال عامى 2016 و2017، بغرض تحقيق أفضل فهم للسياحة الصحية على المستوى العالمى، وتوفير مجموعة أدوات عملية لمنظمات السياحة الوطنية ومنظمات إدارة الوجهات التى ترغب فى تطوير هذا النمط السياحى.
وأوضح أن السياحة العلاجية هى نوع من النشاط الذى يتضمن استخدام موارد وخدمات العلاج الطبى (سواء بتدخل جراحى أو بدون)، وقد يشمل ذلك التشخيص والعلاج والشفاء والوقاية وإعادة التأهيل.
وذكر أن السياحة الاستشفائية الطبيعية تمثل الشق الآخر من العلاجية، وتختلف عنه بأنها تعتمد كلياً على العناصر الطبيعية فى علاج المرضى وشفائهم مثل ينابيع المياه المعدنية أو الكبريتية والرمال والتعرض لأشعة الشمس بغرض الاستشفاء من بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم وأمراض العظام وغيرها.
وأشار البطوطى إلى أن هناك متطلبات ضرورية من أجل دعم وتنمية هذا النمط فى أى وجهة سياحية صالحة له، وهى خلق استراتيجيات والتخطيط والإدارة والتسويق على مستوى الوجهة، والتدريب والمهارة، وجودة البنية التحتية والتنظيمية، وتوفير التشريعات اللازمة.
يذكر أن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء افتتح فعاليات المؤتمر الدولى الثانى لتطبيقات السياحة الصحية المصرية، خلال مارس الجارى.
وأعلن رئيس الوزراء، عن إطلاق أول مُنتجع للسياحة العلاجية فى مصر بالمنطقة الاستثمارية بمركز الصف بمحافظة الجيزة، على مساحة 40 فدانًا باستثمارات تجاوزت 1.5 مليار جنيه، مضيفاً أنه من المقرر أن يدمج خدمات الرعاية الصحية والضيافة فى مكان واحد.
وأضاف رئيس الوزراء أن الدولة المصرية اتخذت خطوات حثيثة بشأن تعزيز المنظومة البيئية للسياحة العلاجية والاستشفائية على مستوى الجمهورية، متابعًا أنه لا يزال هناك عدة جهود مُبتكرة يُمكن تبنيها لتحويل مصر لوجهة عالمية لهذا النوع، لتُصبح رافدًا أصيلًا لتعزيز مسارات النمو والتنمية الاقتصادية الشاملة تحقيقًا لرؤية 2030.
وأوضح أنه وفقًا لتقديرات الهرم السكانى فمن المتوقع أن يرتفع الوزن النسبى لسكان العالم فى الفئة العمرية 65 عامًا أو أكثر من %10 من الإجمالى المسجل فى العام الماضى إلى %16.5 فى 2050، علمًا بأن عددهم سيتضاعف خلال هذه الفترة من حوالى 800 مليون نسمة إلى أكثر من 1.6 مليار نسمة.
وتابع أن هذا الأمر يخلق فرصًا اقتصادية غير محدودة للوفاء به، موضحاً أن السياحة العلاجية والاستشفائية تعدُ مجالًا خصباً لتدفقات الاستثمار الأجنبى المُباشر، باعتبارها واحدة من الخدمات الأساسية.