تثور اعتراضات مجتمعية كبيرة عندما تشرع دولة ما فى التنقيب عن المعادن النادرة بسبب الأضرار التى تلحقها بالسكان المحليين، بينما يعول على هذه المعادن ذاتها فى استكمال التحول للطاقة النظيفة، مما يضع العالم أمام مفارقة لافتة.
وفى ظل هذه المفارقة، يندلع حاليا سباق عالمى بين القوى الكبرى لتأمين الاحتياجات من المعادن النادرة التى تمثل خطا أحمر على مستوى الأمن القومى فى كل منها.
وعلى مدار السنوات الماضية، تحملت الصين تكاليف بيئية باهظة أثناء التنقيب عن المعادن النادرة مما حافظ على تفوقها على بقية دول العالم فى مجال توفير هذه المعادن وإتاحتها للاستخدام.
لكنها بدأت تلتفت مؤخرا لمخاطرها وأضرارها البيئية بينما تشتكى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من تخلفها عن السباق المحموم لتوفير هذه المعادن التى تدخل فى تصنيع أجهزة ومعدات تضمن التحول إلى الطاقة النظيفة مثل البطاريات والسيارات الكهربائية.
ضغوط المدافعين عن البيئة
وربما يكمن السبب وراء تخلفها على النحو السابق أمام الصين فى تحملها عبء التصدى لاعتراضات المدافعين عن البيئة الذين تضمن الممارسات الديمقراطية هناك حرية إبداء آرائهم وتشكيل رأى عام مناهض لعمليات التنقيب.
وكشف تقرير لموقع بروجيكت سيندكت عن أن الحكومات الغربية تسعى جاهدة فى الوقت الراهن لتطوير استراتيجيات التحول إلى الطاقة النظيفة دون الاعتماد على إمدادات المعادن الحرجة القادمة من الصين، لكن العقبة التى تحول دون تحقيقها هذا الهدف هو الاعتراضات المجتمعية على مشاريع التعدين عن المعادن النادرة.
وتحولت الصين فى المنظور الغربى إلى دولة معادية، مما يفاقم من خطورة الاعتماد عليها فى الحصول على معادن يلزم توفرها لإتمام التحول إلى الطاقة النظيفة، مثل الكوبلت والنيكل والجرافيت والليثيوم والنحاس.
وتتعدد استخدامات المعادن النادرة، وتشمل توربينات الرياح وشبكات الكهرباء والبطاريات، وتشير تقديرات البنك الدولى إلى ضرورة زيادة معدلات إنتاجها بنسبة %500 بحلول عام 2050 حتى يتسنى دعم أهداف المناخ العالمى.
ومثلما تعد روسيا هى المصدر الأساسى للوقود الأحفورى، فإن الصين تهيمن على معالجات الكثير من هذه المعادن المهمة، وتتولى الصين تكرير نسب تتراوح بين 60 إلى %70 من إجمالى الإنتاج العالمى من الليثيوم والنيكل والكوبلت، وتضخ الصين استثمارات ضخمة لاستخراجها من عدة مواقع عالمية، فهى تستخرج الكوبلت من جمهورية الكونغو الديمقراطية والنيكل من إندونيسيا، بما يعنى أنها تسيطر على حصة متنامية من المناجم.
وتسرع الحكومات الغربية الخطى نحو تطوير استراتيجيات تضمن التحول إلى الطاقة النظيفة دون الاعتماد كثيرا على الصين فى الحصول على المعادن الحرجة.
وفى الولايات المتحدة، تم مؤخرا تمرير قانون يشتمل على محفزات ضخمة لشركات تصنيع السيارات الكهربائية لمساعدتها على الحصول على هذه المعادن من شركاء موثوق فيهم.
وفى المملكة المتحدة، تم الكشف عن استراتيجية المعادن الحرجة التى تتضمن جهودا لتوسيع القدرات المحلية فى هذا القطاع، وتمت إماطة اللثام عن استراتيجيات مماثلة فى الاتحاد الأوروبى واستراليا.
ولا تغفل هذه الحكومات فى الوقت ذاته أهمية إعادة تدوير المعادن النادرة، لكن جميع استراتيجياتها تركز أيضا على تطوير المزيد من المناجم وبناء منشآت لمعالجة المعادن النادرة سواء فى الداخل أو فى البلدان الصديقة.
لكن هذه الاستراتيجيات تصبح عرضة للإخفاق لأنه يعترض طريقها عقبة كئود هى الاعتراضات المجتمعية على إقامة هذه المنشآت من قبل السكان المحليين.
وتنشط فى البلدان الغنية جماعات ضغط مدعومة من السكان الأصليين أو المدافعين عن البيئة، بما يعنى أن استكمال عمليات التخطيط المعقدة تتطلب الحصول على تصاريح لبدء تطوير مناجم جديدة كبيرة ربما تستغرق عقودا، فى حال الموافقة عليها ابتداء.
أما فى البلدان الأقل دخلا، فإن عمليات التعدين تواجه عادة معارضة محلية تزداد شراسة مع العلم بأن الشركات المنفذة لها تنتمى إلى الدول الغربية.
وفى البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء، توقفت أو تأجلت مؤخرا عمليات التعدين فى أماكن مثل الولايات المتحدة وبيرو والبرتغال وصربيا بسبب هذه الاعتراضات.
وبحسب تقرير بروجيكت سانديكت، الممارسات الديمقراطية النشطة داخل البلدان الغربية أو الدول الصديقة هى السبب وراء تعاظم هذه المعارضة، بينما الأمر مختلف فى الصين، وفى المحصلة النهائية يتخلف الغرب عن الصين فى مجال الحصول على المعادن النادرة وعن القدرة بالتالى على استكمال التحول بنجاح للطاقة النظيفة، ومن المتوقع أن يدفع الغرب أثمانا باهظة جراء الاعتماد على الصين فى الحصول على هذه المعادن مع استخدامها كسلاح، وهو ذات ما تفعله روسيا مستعينة هذه المرة بالغاز الطبيعى فى الصراع الدائر حاليا فى أوكرانيا.
حماية الأمن القومى
وإذا لم تتمكن الحكومات الغربية من إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة، فربما ينتهى بها الأمر إلى اتخاذ تدابير طارئة تضرب عرض الحائط باعتراضات الناشطين وتشمل فتح المناجم والمنشآت المحلية تحت بند حماية الأمن القومى.
وربما تلجأ أيضا إلى ممارسة نفوذها لإجبار البلدان النامية على التوسع فى الإنتاج ضاربة عرض الحائط أيضا باعتراضات السكان المحليين.
وبحسب تقرير بروجيكت سانديكت، يستطيع الغرب الانتصار فى معركة توفير إمدادات كافية من المعادن النادرة دون السير فى طريق الإلزام والإجبار لو تم توفير الظروف الملائمة لإتمام عقد صفقة كبرى جديدة بين مشغلى المناجم والسكان المحليين، يتم فى إطارها تهدئة مخاوف السكان فى جميع البلدان الغربية والصديقة بخصوص الأضرار البيئية للتنقيب.
وفى إطار هذه الصفقة الكبرى يتم التأكيد على أن عمليات التنقيب التى تمارسها شركات التعدين المدعومة من الحكومات الغربية تشتمل على ضوابط موثوقة للحد من المخاطر الصحية والبيئية، وعلى هذه الشركات العاملة فى البلدان النامية أن تثبت أنها قادرة بفاعلية أكبر على التخفيف من المخاطر البيئية مقارنة بنظيرتها الصينية.
التفوق الصينى
ويشير موقع مايننج تكنولوجى إلى أن الحكومات الغربية ستظل تعتمد بكثافة على الصين فى تكرير المعادن النادرة خلال العقد القادم، لكنها اعتمادها عليها سيتراجع مع بدء تشغيل المناجم فى أجزاء أخرى من العالم.
ومن المتوقع أن تعزز أنجولا وأستراليا والولايات المتحدة إنتاجها من المعادن النادرة خلال السنوات القليلة القادمة، لكن الصين ستواصل استحواذها على حصة بنسبة %80 من إجمالى المعادن الحيوية فى العالم.