شهدت سجل العلاقات الصينية الإماراتية، زيارة مثمرة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي للصين بين يومي 21 و23 يوليو الجاري تخللتها اتفاقيات اقتصادية وتقدم في مفاوضات منطقة التجارة الحرة.
لقاءات مكثفة
أعربت القيادة الصينية عن اهتمامها بزيارة الشيخ محمد بأشكال متنوعة، كان في مقدمتها اللقاءات المكثفة التي جرت بين قادة البلدين، وخاصة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أجرى لقاءين معه يوم 22 يوليو.
وخلال اللقاء الأول بين الرئيس شي والشيخ محمد، دعا الرئيس شي الجانبين إلى تعزيز المواءمة بين استراتيجيات التنمية في البلدين ضمن إطار بناء “الحزام والطريق”.
كما شهد الجانبين التأكد من نجاح محطة الحاويات 2 في ميناء خليفة، والمنطقة النموذجية الصينية – الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية، ولعبهما دورا نموذجيا، إلى جانب دعم وتوسيع نطاق التعاون الاستراتيجي في قطاع الطاقة.
التعاون في مكافحة الإرهاب
وفيما يتعلق بالتعاون في مجالي الأمن ومكافحة الإرهاب، أعرب الرئيس شي عن امتنانه للدعم الذي قدمته الإمارات بشأن القضايا المتعلقة بمنطقة شينجيانغ.
وأكد دعم الصين القوي لجهود الإمارات في مكافحة المتطرفين الدينيين.
وشدد الرئيس شي على أهمية إرساء السلام والاستقرار في منطقة الخليج بالنسبة للشرق الأوسط والعالم بأسره، وضرورة أن تصبح منطقة الخليج “واحة للأمن” وليس “مصدرا جديدا للاضطرابات”.
وقال إن “الصين مستعدة للعمل مع الإمارات والمجتمع الدولي من أجل الإسهام في حماية السلام والاستقرار في منطقة الخليج”.
من جانبه، قال الشيخ محمد إن الإمارات تمنح أولوية في سياستها الخارجية لتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين.
وأكد أنها ستكون على الدوام أفضل شريكة استراتيجية تعاونية للصين بغض النظر عن تغير الأوضاع الدولية.
وتعهد الشيخ محمد بأن تواصل الإمارات دعم الصين بقوة في القضايا التي تمس مصالحها الأساسية وشواغلها الكبرى.
وثمن جهود الصين في حماية حقوق الأقليات القومية، وتعزيز الوحدة والتناغم بين المجموعات القومية.
وأضاف أن بلاده تعتزم دعم التعاون الأمني مع الصين والاشتراك معها في مكافحة قوى الإرهاب والتطرف، ومنها حركة “تركستان الشرقية”، من أجل حماية الأمن الوطني والسلام الإقليمي.
التعاون الاستراتيجي بين الصين والإمارات
ومن أبرز محاور اللقاء؛ كلام الرئيس شي بأن ضربت مثالا للتعاون الإستراتيجي بين البلدان من مناطق مختلفة، تنتمي لثقافات متفاوتة في حقبة العولمة، حيث تشكل هذه العلاقات برنامجا طويل الأمد.
أما في اللقاء الثاني بينهما، أوضح الرئيس شي أن عدد اتفاقيات التعاون الهائل، التي تم تبادلها بين الجانبين في اليوم نفسه، يعكس ثراء محتوى العلاقات الثنائية وطبيعتها الاستراتيجية.
ودعا البلدين للاشتراك في تعزيز الحوار بين الحضارات، ودفع التنمية المطردة للشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والإمارات بهدف تقديم إسهامات جديدة للسلام والتناغم والتنمية المشتركة على مستوى العالم.
وبدوره؛ أيد الشيخ محمد اقتراح الصين بشأن البناء المشترك لمجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
وأعرب عن الاستعداد لتعميق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.
إحراز تقدم في مفاوضات منطقة التجارة الحرة
وفي سياق اهتمام القيادة الصينية بزيارة الشيخ محمد بن زايد، التقى لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني ولي عهد أبو ظبي.
وأشار إلى مكانة الإمارات كشريكة تعاونية مهمة للصين في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وأن اقتصادي البلدين متكاملان إلى حد كبير ويتمتعان بآفاق واسعة للتعاون المشترك.
وقال رئيس مجلس الدولة، إن “الصين مستعدة للعمل مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها الإمارات، من أجل إحراز تقدم في مفاوضات منطقة التجارة الحرة وتعزيز التجارة الحرة”.
من جانبه قال بن زايد، إن الصداقة بين الإمارات والصين غير قابلة للكسر، وإن بلاده واثقة في أفق الاقتصاد الصيني، ومستعدة لتعميق التعاون مع الصين في قطاعات تشمل الطاقة والتمويل والعلوم والتكنولوجيا والطيران من أجل زيادة تنمية العلاقات الثنائية.
وفي اللقاء بينه والشيخ محمد، قال لي تشان شو رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني إن المجلس مستعد للعمل مع المجلس الوطني الاتحادي للإمارات لتعزيز التبادلات والتعاون وتدعيم التبادلات في الخبرات التشريعية.
من جانبه، قال الشيخ محمد إنه يعتبر الصين بلده الثاني، وإن تطوير العلاقات بين الإمارات والصين يعد أولوية في السياسة الخارجية لبلاده.
كما وصف وانغ تشي شان نائب الرئيس الصيني أثناء لقائه الشيخ محمد الإمارات بالصديق الوثيق والشريك الاستراتيجي الذي تثق به الصين.
اتفاقيات كثيرة
وخلال زيارة الشيخ محمد، تم تبادل الكثير من اتفاقيات التعاون بين الجانبين، اتسمت بوفرة المحتويات واتساع المجالات. وهو ما وصفه الرئيس شي بأنه نتيجة نادرة بالفعل.
وتشمل الاتفاقيات مجالات مثل الاقتصاد والتجارة والطاقة الإنتاجية، حيث تم تبادل مذكرة تفاهم بين شركات صينية وإماراتية بشأن تعزيز الخدمات المالية لدعم بناء المنطقة النموذجية الصينية الإماراتية للتعاون في الطاقة الإنتاجية.
وفي هذا السياق قال جلال الريسي المدير التنفيذي لوكالة أنباء الإمارات إن الاتفاقات الموقعة ستساهم في تقوية التعاون الثنائي في قطاعات التعليم والأكاديمية والذكاء الاصطناعي والأمن والقطاعين الغذائي والعسكري.
وأشار إلى أن هذا الأمر سيرفع مستوى التمثيل بين البلدين، مؤكدا أن على وسائل الإعلام الإماراتية الصينية أن تركز على إبراز هذه النتائج الضخمة.
تعليم اللغة الصينية في الإمارات
الجدير بالذكر أن الجانبين تبادلا مذكرة تفاهم بشأن تعليم اللغة الصينية في 200 مدرسة إماراتية حيث أكد الرئيس شي دعم الصين للجانب الإماراتي في هذا الصدد.
وفي سياق متصل، أعربت شخصيات إماراتية وصينية في تصريحات متفرقة لوكالة أنباء شينخوا عن تقديرها لهذا البرنامج الطموح.
وأكد علي عبيد الظاهري سفير الإمارات لدى الصين أن الطرفين لم يغفلا عن دور الجوانب الثقافية والتعليمية في تعزيز أواصر العلاقات الثنائية.
وأشار إلى فكرة إدراج تعليم اللغة الصينية في المناهج التعليمية الإماراتية المتفق عليها سابقا بغية تعزيز التبادل الثقافي والأكاديمي بين الإمارات والصين.
وبدوره قال دو بنغ نائب رئيس جامعة الشعب، إن الأمر سيزيد من نشاط الطلبة الإماراتيين لتعلم اللغة الصينية وزيادة تأثير اللغة وتعزيز تفاهم الشعبين.
من جانبه قال البروفسور وو يينغ هوي نائب رئيس معهد دراسة التعليم الدولي للغة الصينية التابع لجامعة اللغات والثقافات ببكين إن الإمارات ستلعب دورا نموذجيا بين الدول العربية من خلال هذه الخطوة.
واقترح بأن تجري الصين دراسات دقيقة تتفق مع احتياجات ومطالب الدول العربية فيما يخص تعلم اللغة الصينية.
وأشار إلى ان الأمر المُلح يتمثل بتربية عدد من المعلمين الصينيين الذين يتقنون اللغة العربية وعلى دراية بالثقافة العربية بهدف خدمة البرنامج الإماراتي.
مستقبل مشرق
لا شك في أهمية زيارة بن زايد، للصين ودورها في زيادة ثقة البلدين في خلق مستقبل مشرق للعلاقات الثنائية.
وفي هذا الصدد، قال خالد بن ضحي الكعبي المدير العام لمؤسسة العين الإخبارية إن زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي إلى الصين تمثل محطة تاريخية جديدة في مسار العلاقات المتنامية بين البلدين والشعبين الصديقين، وخطوة جديدة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
وأضاف أن بلاده تنظر إلى الصين كسوق ناشئة مهمة، وفي الوقت نفسه يزداد تفاؤل المستثمرين الصينيين بإمكانات السوق الإماراتية وآفاقها.
إعلان مشترك لتعزيز الشراكة الاستراتيجية
وخلال زيارة ولي عهد أبو ظبي، تم إصدار الإعلان المشترك لتعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والإمارات، والذي يعد بمثابة منهج توجيهي لتطوير العلاقات الثنائية في الفترة القادمة.
وحدد الإعلان المشترك محاور التبادل والتعاون الثنائي في المراحل التالية. فعلى سبيل المثال، ستعزز الدولتان التواصل والتنسيق بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية محل الاهتمام المشترك على أساس تكثيف الزيارات المتبادلة والمحادثات بين قادة البلدين ومسؤولي الجانبين على مختلف المستويات.
وبمقتضى الإعلان، سيعزز الجانبان التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري، مع السعي المشترك لرفع حجم التبادل التجاري إلى 200 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030.