قال محللون ومسؤولون إن الحرب التي دارت بين إسرائيل وحركة حماس وانتهت بوقف إطلاق النار يوم الجمعة أثبتت أن صواريخ حماس يمكن بنائها باستخدام مواد مدنية وخبرات إيرانية إلى حد كبير.
وهذا إنجاز من المرجح أن تتمكن الحركة من تكراره، بحسب وكالة رويترز.
ويخلق رخص ثمن هذه الأسلحة وضرورة إعادة إعمار غزة معضلة لإسرائيل والمجتمع الدولي تتمثل في كيفية تلبية الاحتياجات الأساسية لسكان غزة.
وفي الوقت نفسه منع توجيه سلع عادية مثل الأنابيب والسكر والخرسانة إلى استخدامات عسكرية.
ولا يرى مسؤولون حاليون وسابقون إجابات سهلة إذ يقولون إنه من شبه المستحيل تطويق مساحة صغيرة نسبيا مثل غزة والحيلولة دون تحول السلع المخصصة لإعادة الإعمار إلى صواريخ محلية الصنع.
وقد عملت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان، اللتان تعتبرهما واشنطن من التنظيمات الإرهابية، على تعزيز صواريخهما كما وكيفا منذ حرب غزة السابقة مع إسرائيل في 2014.
قال مسؤول أوروبي كبير مشترطا الحفاظ على سرية هويته “اندهشنا أشد الدهشة لقدرات حماس هذه المرة.
فقد امتلكوا صواريخ طويلة المدى لم تكن لديهم من قبل. وكل هذا يرجع إلى إيران”.
وقالت إسرائيل إن حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من الجماعات المسلحة أطلقت 4360 صاروخا من غزة خلال الحرب سقط منها 680 صاروخا داخل أراضي غزة نفسها.
وقال الجيش إن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، التي تعمل عندما تهدد الصواريخ المراكز السكانية، نجحت في إسقاط حوالي 90 في المئة منها.
وأضافت أن ما بين 60 و70 صاروخا أصابت مراكز سكنية بما يشير إلى أن معدل الدقة يبلغ نحو 15 في المئة.
وسقطت صواريخ أخرى في أرض فضاء لكنها أثارت الذعر ودفعت الإسرائيليين للتوجه على وجه السرعة إلى المخابئ.
وقال المحللون إن غالبية الصواريخ كانت قصيرة المدى ومحلية الصنع.
قال دانييل بنجامين المنسق السابق لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية “تصنيعها في غاية البساطة باستخدام أنابيب معدنية. وفي كثير من الأحيان … تستخدم بقايا صواريخ إسرائيلية”.
وأضاف بنجامين الرئيس الحالي للأكاديمية الأمريكية في برلين “من المستحيل فعليا أن تجعل مكانا ما محكم الغلق بالكامل”.
وكان من أسباب الاشتباكات الأخيرة التي بدأت بين إسرائيل وحماس في العاشر من مايو مداهمات الشرطة الإسرائيلية للحرم القدسي ومصادمات مع الفلسطينيين خلال شهر رمضان
صواريخ حماس
قال سامي أبو زهري أحد مسؤولي حماس إن الحركة طورت خبراتها الخاصة في إنتاج الصواريخ وإنها لا تحتاج للمساعدة.
وقال لرويترز هاتفيا من موريتانيا التي كان في زيارة لها “بالتالي فإن أي محاولة لتشديد الحصار على غزة لتقييد قدرات المقاومة لا قيمة لها”.
وتستخدم الجماعات الفلسطينية الصواريخ منذ سنوات. وقبل انسحاب إسرائيل من طرف واحد من قطاع غزة في 2005 كثيرا ما كانت مستوطناتها أهدافا لنيران قذائف مورتر وصواريخ قصيرة المدى من مدن فلسطينية قريبة منها.
ولم تصبح الصواريخ السلاح المفضل لدى حماس إلا بعد ظهور الجدار العازل الذي بدأت إسرائيل إقامته حول الضفة الغربية وعبرها في 2003 مما زاد من صعوبة عبور المفجرين الانتحاريين والمسلحين إلى إسرائيل وتنفيذ هجماتهم.
وهربت حماس والجهاد الإسلامي الصواريخ المتطورة عن طريق شبه جزيرة سيناء المصرية حتى الإطاحة عام 2013 بالرئيس الإسلامي محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب في انتخابات ديمقراطية.
وبعد تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم عملت القاهرة إلى حد كبير على إغلاق هذا المسار من خلال تدمير الأنفاق المؤدية إلى غزة.
وأثارت حملة التضييق المصرية ما وصفه مسؤول إسرائيلي بأنه تحول إستراتيجي من جانب حماس لتطوير قدرات محلية لتصنيع الصواريخ بمساعدة إيرانية من خلال سفر إيرانيين إلى غزة وسفر أفراد من غزة إلى الخارج.
والآن تقول مصادر إسرائيلية وفلسطينية إن النشطاء يستخدمون تمويلا وإرشادات من إيران في تصنيع صواريخ داخل غزة يصل مداها إلى 200 كيلومتر أو أكثر وبعضها مزود برؤوس حربية تحمل 200 كيلوجرام أو أكثر من مادة تي.إن.تي المتفجرة والشظايا.
وقال مسؤول أمني إيراني إن حماس لديها الآن ثلاثة مصانع على الأقل تحت الأرض لإنتاج الصواريخ في غزة.
وفي الأيام الأخيرة من جولة الصراع الأخيرة تباهى زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي بقدرة الحركة على ابتكار أسلحة من مواد عادية تستخدم في الحياة اليومية.
وقال يوم الأربعاء الماضي إن على العالم أن يدرك أن الأسلحة التي يواجه بها الفلسطينيون ترسانة الأسلحة المتقدمة الأمريكية الصنع هي أنابيب المياه التي حولها المقاومون إلى صواريخ.
تمويل قطري
لا يشكل المال مشكلة من أوجه عديدة.
فقد قدمت قطر، بموافقة إسرائيلية، تمويلا كبيرا لحركة حماس في السنوات الأخيرة بلغ وفقا لبعض التقديرات ملايين الدولارات شهريا لغرض أساسي هو سداد مرتبات العاملين الإداريين.
ومن الممكن بعد ذلك أن يتم تحويل جانب منها لأغراض أخرى.
وقال المسؤول الأوروبي الكبير “الأمر ليس في غاية الصعوبة. إذ يأتي شخص من قطر كل شهر بحقائب المال مصحوبا بجنود إسرائيليين لدفع مرتبات العاملين الإداريين في حماس. ثم يختفي”.
وأوضح دبلوماسي إيراني في المنطقة أن ملايين الدولارات سُلّمت لممثلين عن حركة حماس كل شهر تقريبا سواء بنقلها إلى غزة أو إلى دول مجاورة.
وقال المسؤول مشترطا إخفاء هويته “هذا لا يعني أن المال يأتي دائما من داخل إيران. فلنا (في المنطقة) أعمالنا التي تمول حماس وهذا ليس سرا”.
وقال مسؤول غربي يتابع أنشطة حماس عن كثب إن الحركة قادرة على الاستفادة من محافظ استثمارية قيمتها مئات الملايين من الدولارات في شركات بمختلف أنحاء الشرق الأوسط.
وأضاف المسؤول “هي تسيطر على 40 شركة في تركيا والإمارات والسودان والسعودية والجزائر تتعامل أساسا في العقارات والبنية التحتية”.
وقال مسؤول ثان إن حماس قادرة أيضا على الحصول على موارد من جمعيات خيرية متعاطفة مع قضيتها في مختلف أنحاء أوروبا.
وقال متحدث باسم وزارة الخزانة الأمريكية إن واشنطن ستواصل العمل لتحديد ومعاقبة الأفراد والكيانات التي تدعم حماس بينما تستمر في الضغط على الشركاء الأجانب لتنفيذ عقوباتها واتخاذ إجراءات من جانبهم ضد الحركة.
ويوم الخميس الماضي قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إنه سيتم إرسال مساعدات على وجه السرعة إلى غزة لكن ذلك سيتم بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي يدعمها الغرب في الضفة الغربية “بطريقة لا تسمح لحماس بأن تعيد ببساطة بناء ترسانتها العسكرية”.
لكن القول أسهل من التنفيذ.
فهذا سيتطلب على الأرجح عمليات مراقبة على الأرض وليس من الواضح ما إذا كانت حماس ستسمح بذلك ومن هو الطرف الذي سيتولى المراقبة.
وقال دينيس روس المسؤول الأمريكي السابق الذي قاد مساعي السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إن طرفا ما ربما يكون المصريين وغيرهم سيتعين أن يكون له وجود فعلي في غزة لتفقد السلع المستوردة ومراقبة استخدامها.
وأضاف “إذا قالت حماس ’لا’ عندئذ تسلط الأضواء عليها” مضيفا أن من الممكن الضغط على المسلحين بالقول “نود أن نزود غزة بمواد لكن حماس لا تسمح لنا”.
ضرورة مراقبة القطاع
وقالها مسؤول إسرائيلي صراحة عن هذا التحدي.
قال المسؤول “لا بد أن يجد أحد وسيلة أفضل لمراقبة ما يدخل (القطاع) وكيفية الإشراف عليه وما يستخدم فيه”.