روسيا تتخلف في سباق غزو الفضاء بعد حرب أوكرانيا

يسعى رئيس روسيا فلاديمير بوتين لاستعادة أمجاد برنامج الفضاءالسوفييتي

روسيا تتخلف في سباق غزو الفضاء بعد حرب أوكرانيا
أيمن عزام

أيمن عزام

8:18 م, الأحد, 6 أغسطس 23

تخلفت روسيا في سباق غزو الفضاء بعد الحرب في أوكرانيا ، فقد خسرت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية منذ بداية الغزو عديداً من عملائها، ومنهم شركة تشغيل الأقمار الصناعية “وان ويب”  التي تتخذ من لندن مقرّاً لها، ووكالة الفضاء الكورية الجنوبية، ما قطع مصدراً مهمّاً من تمويلها الأجنبي، بحسب وكالة بلومبرج.

انتكاسة روسيا في سباق غزو الفضاء

كان الاتحاد السوفييتي أول دولة تطلق قمراً صناعياً، وأوّل من وصل إلى القمر من خلال مركبة “لونا 2” غير المأهولة عام 1959، كما أن الرجل الأول الذي دار حول كوكب الأرض كان الروسي يوري غاغارين في 1961. إلا أن السوفييت خسروا السباق إلى القمر حين هبط نيل آرمسترونغ وباز ألدرين على سطحه عام 1969، في حين لم تطأه قطّ قدم أي رائد فضاء روسي.

أرسل الاتحاد السوفييتي بعدها بعض البعثات غير المأهولة الإضافية إلى سطح القمر، كان آخرها في عام 1976، العام نفسه الذي أطلقت فيه وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بعثة إلى المريخ احتفالاً بالذكرى المئتين لتأسيس الولايات المتحدة.

اليوم يسعى رئيس روسيا فلاديمير بوتين لاستعادة أمجاد برنامج الفضاءالسوفييتي، وقد تجول في ميناء فستوتشني الفضائي القاصي قرب الحدود مع الصين، بعد فترة قصيرة من بدء غزو قوات روسيا لأوكرانيا العام الماضي. أعلن من هناك أن بعثة “لونا 25” غير المأهولة “يجب أن تكتمل” خلال 2022، وهي كانت قيد الإعداد لأكثر من عقد، لكن ذلك لم يحدث، وقد تقرر أن تُقلِع في 11 أغسطس.

روسيا باتت منبوذة

كما كانت وكالة الفضاء الأوروبية انسحبت في العام الماضي من مهمة “لونا 25” المشتركة إلى المريخ. أمّا الصين التي كانت توصّلت إلى اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2021 لإنشاء محطة أبحاث مشتركة على القمر، أخذت تشير إلى المحطة على أنها مشروع “تقوده الصين”.

وقد تعرضت مركبتان تابعتان لـ”روسكوزموس” في محطة الفضاء الدولية لتسرُّب سائل التبريد، ما منعهما إتمام مهماتهما في ديسمبر ثمّ في فبراير. تعليقاً على ذلك، قال المحلّل ماكسيم بوتو من شركة “يوروكونسلت” إن برنامج الفضاء الروسي “يروي حكاية سوء التنفيذ وقلّة التمويل وضعف مراقبة الجودة”.

يُقِرّ نائب رئيس الحكومة السابق يوري بوريسوف، الذي عُيّن مديراً عاماً لـ”روسكوزموس” العام الماضي، بأن روسيا تخلّفت في السباق إلى الفضاء مقارنةً بالدول الكبرى الأخرى. فيما كان لدى الولايات المتحدة في العام الماضي أكثر من 4500 قمر صناعي في المدار، ولدى الصين 600 قمر، لم يتخطَّ عدد الأقمار الصناعية الروسية مئتين، حسب منظمة “يونيون أوف كونسرند ساينتيستس”.

قال بوريسوف إن بلاده لا تقدر إلا على بناء نحو 15 قمراً صناعياً في السنة. وأضاف في مقابلة مع صحيفة “فيدوموستي”  في ديسمبر: “رفعت أوروبا والهند والدول الرائدة في هذا المجال كافة سعاتها الإنتاجية، فيما استغرقنا نحن في النوم”.

فرصة للقطاع الخاصّ

بغياب منافس قويّ منها على الساحة، تواجه روسيا خطر تفويت فرصة الاستفادة من اقتصاد الفضاء الذي قُدّرت قيمته الإجمالية بـ464 مليار دولار في العام الماضي، حسب “يوروكونسلت”. أعلنت “روسكوزموس” في 2020 أن إيراداتها بلغت ما يعادل نحو 3.7 مليار دولار. وقال بوريسوف إن الوكالة ستسعى لمواكبة المنافسين العالمين من خلال اقتراض 50 مليار روبل (550 مليون دولار) لتبني معملين لصناعة الأقمار الصناعية، دون أن يكشف عن مزيد من التفاصيل. ولم تستجب “روسكوزموس” لطلب التعليق.

يكاد يكون نشاط القطاع الخاصّ في مجال الفضاء معدوماً في روسيا. وفي حين تخطط شركتان روسيتان هما “إس آر سبيس”  و”تي ون أي تي هولدينغ” لإطلاق صاروخ دون مداري بحلول نهاية العام، فهما لن ترسلا مركبة ضخمة إلى المدار قبل 2025. إلا أن مؤسس “إس آر سبايس” أوليغ منصوروف يراهن أن عزلة روسيا المتزايدة ستساعد على خلق فرص لشركات مثل شركته.

قبل الغزو كانت كلّ بيانات الأقمار الصناعية ذات الاستخدامات المدنية في روسيا تأتي من شركات أجنبية، بالتالي يرى أنه بعد توقُّف خدمات أولئك الموردين، ستحتاج روسيا إلى مشغّلي أقمار صناعية منها. قال: “نحن أشبه باختبار لما يحصل الآن على صعيد نشاط القطاع الخاصّ في مجال الفضاء في روسيا”.

التعاون مع دول أقلّ نموّاً

تحاول “روسكوزموس” التعويض عن التراجع الذي ألمّ بها من خلال استقطاب عملاء من الدول الأقلّ نموّاً. في 5 يوليو أعلنت الوكالة توصُّلها إلى اتفاق مع وكالة الفضاء الماليزية على تطوير عدد غير محدد من المشاريع المشتركة. وفي يونيو تَوجَّه بوريسوف إلى الجزائر حيث قدّم تمثالاً من البرونز يمثّل غاغارين لوكالة الفضاء الحكومية، واعداً بـ”فتح صفحة جديدة من التعاون العمليّ” في الفضاء.

وفي أبريل أعلن بوريسوف تواصله مع عديد من الدول، بينها جنوب أفريقيا وفيتنام، بشأن إطلاق أقمار صناعية. وكشفت وسائل إعلام في موسكو أن “روسكوزموس” دعت الجزائر ومصر إلى المشاركة في محطة فضاء روسية، رغم أن الروس تَعهَّدوا بالاستمرار في العمل بمحطة الفضاء الدولية إلى جانب الولايات المتحدة وكندا واليابان ووكالة الفضاء الأوروبية حتى 2028.

كان بوتين وبوريسوف غازلوا لسنواتٍ الهند، التي طالما كانت أحد كبار مستوردي الأسلحة الروسية. أوفدت وكالة الفضاء الهندية في 2020 أربعة أشخاص ليتلقّوا تدريباً في روسيا في إطار اتفاق تعاون لتطوير برنامج مركبات الفضاء المأهولة الناشئ في الهند. لكن خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي واشنطن في يونيو، وقّعت الهند اتفاقيات “أرتيمس”، وهي شراكة في مجال الفضاء تدعمها الولايات المتحدة وتضمّ 27 دولة، لا تشمل روسيا والصين.

ارسال رائد فضاء هندي

بموجب الاتفاقية، ستعمل الهند من كثب مع وكالة “ناسا” لإرسال رائد فضاء هندي إلى محطة الفضاء الدولية في العام المقبل. قال كونارك بهانداري، الزميل في مركز “كارنيغي” في الهند التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “لدى الهند انطباع بأن روسيا قوّة تقنية في طور التراجع”.

مع ذلك، يرى لويجي سكاتيا رئيس قسم الفضاء في شركة “بي دابليو سي أدفايزوري” أن شطب “روسكوزموس” من الحسابات سابق لأوانه. الروس كانوا سابقين في استكشاف الفضاء، ولديهم سجل حافل بإطلاقات ناجحة لمركبات مأهولة. هذه الخبرة مفيدة لبعض الشركاء المحتمَلين.

بيّن سكاتيا أنه على الرغم من فقدان “روسكوزموس” بعض عملائها المتحالفين مع الولايات المتحدة، “فإن العالم لا يقتصر على الغرب”. هو يرى أنه بغضّ النظر عن “التراجع الكبير” لبرنامج الفضاء الروسي، فإن الروس “يملكون خبرات عميقة، وهذا الأمر لا يزال قيّماً”.