طالب عادل مهنى، رئيس مجلس إدارة الجمعية الأورومتوسطية للتنمية المستدامة بفرنسا، وأستاذ الاقتصاد الدولى بالمدرسة العليا للتجارة الدولية بباريس، بضرورة بالسوق المصرية، فى ظل انتشارها بدول العالم.
أكد أن أبرز عقابات السوق العقارية المصرية لتطبيق التنمية المستدامة غياب الشق التشريعى أو حتى سن قوانين جديدة لتنظيم السوق.
لفت إلى أن القوانين المتواجودة كافية لتحقيق مصالح المطورين؛ ولكن يجب استحداث التشريعات ليستفيد ولتحقيق التوازن المطلوب للمحافظة على حقوق جميع الأطراف بما فيها الأجيال القادمة.
نظام «الكمبوند» فكرة «مستفزة».. ويجب نشر وعى فكرى وثقافى لفئات المجتمع
قال إن الدولة تعمل جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص، مشيرا إلى أن ما لفت انتباهه الحديث الدائم فى كل المؤتمرات والمعارض من الشركات عن البناء بنظام «الكمبوند»، واعتبرها فكرة «مستفزة» تؤدى إلى مشاكل مجتمعية وطبقية بين أفراد الشعب، خاصة بعد تصدير فكرة أن الأغنياء يعيشون فى مجتمع منعزل محاط بالأسوار الحديدية، ومن الأسوأ أن الدولة لا تستطيع إجبار القطاع الخاص على بناء إسكان اجتماعي.
الشركات الخاصة تتمتع بالحرية غير المنضبطة وتحتاج إلى التوجيه
أشار إلى أن القطاع الخاص لديه أو يتمتع بنوع من الحرية غير المنضبطة، ويحتاج إلى التوجيه والتوعية والدفع إلى الاتجاه للبناء وتبنى الفكر المستدام فى مشروعاته التى ينفذها على أرض مصر.
طالب بعقد ملتق يضم جميع أطياف الفاعلين والمهتمين بفكر التنمية المستدامة، للاستفادة من مقترحاتهم وتجاربهم على غرار ما حدث فى فرنسا.
نوه إلى أن مصر بدأت تدخل بقوة فى مشروعات الطاقة الشمسية، رغم أنها موجودة منذ الثلاثينيات، وبدأت تهتم بها نتيجة ظروف اقتصادية بحتة، ونتيجة ندرة المواد التقليدية التى كانت تعتمد عليها، مما أجبرها على البحث عن بديل، وهى الطاقة الجديدة والمتجددة، قائلا: إن الفكر المستدام يخفف الأعباء التى تتحملها ميزانية الدولة.
أضاف أن من ضمن توصيات العقار منذ عدة أعوام تصميم العقار بناء على احتياجاته من الطاقة أو من الكيلوات، وكانت هناك دعوة لإدخال الأخشاب فى مواد البناء، وتم التعامل مع هذا الكود فى مصر لتطبيقه، موضحا أن التكلفة كانت سببا من أسباب تباطئ بعض الدولة فى الدخول إلى الطاقة المتجددة، ولكن مع التطور التكنولوجى وزيادة استهلاكها بدأت دول العالم تلجأ إليها، وبدأت تصبح أقل تكلفة من غيرها، وفى فرنسا كانوا ضد هذه الفكرة، وكان هناك توجس فى الشارع الفرنسى من استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، معتقدين أن تكلفتها مرتفعة عن البدائل التقليدية.
قال إن الدولة تستطيع أن تتحكم فى السوق، وتعيد ضبطها من خلال وضع الشروط التى تراها مناسبة قبل الطرح فى المناقصات، على أن يلتزم بها المكتب أو الشركة التى رسى عليها العطاء، وتشدد على أن تكون الشركة ملتزمة بمعايير التنمية المستدامة،
أكد أن الجزء الأكبر من التنمية المستدامة يقع على الدولة، ويجب عليها إشراك المجتمع ككل فى فكرتها، من خلال توعية جميع الأفراد بمن فيهم طلبة المدارس، قائلا: «لا يجب أن ننتظر الكارثة ثم نبدأ على العمل على تلاشى أثرها، فيجب علينا تفاديها قبل وقوعها».
أشار إلى أن المناطق اللوجيستية التى تم تنفيذها فى مصر كان الهدف منها خلق فرص عمل لحل مشكلات البطالة، التى تستوعب كما كبيرا من العمالة، موضحا أنه كان يوجد برنامج من الاتحاد الأوروبى لتمويل وتنفيذ مثل هذه المشروعات.
لفت إلى أن الجمعية كانت تسعى لتنظيم مؤتمر منذ عام ونصف، لكن لم يكتمل الأمر، بعد انسحاب الممول، كما أن أعضاء الجمعية لا يستطيعون تمويل مثل هذه المعارض والمؤتمرات كونهم خبراء، وليسو رجال أعمال أو مستثمرين.
أكد أن العمالة المصرية لديها القدرة على استيعاب ما هو جديد، والطالب المصرى عنده قدرة كبيرة على الاستيعاب مقارنة بغيره، لكن الطالب فى الدول الأخرى منظم فى تفكيره، والمصرى رغم ذكائه لكنه محبط، لافتا إلى أن العامل المصرى يحتاج إلى من يقوم بتأهيله ونقل الفكرة إليه، وهناك مشروعات كثيرة تم تنفيذها استفادت منها مصر بالخبرات، موضحا أن العامل المصرى قادر على استيعاب أى تكنولوجيا وتطبيقها.
قال إن هدف الجمعية الرئيسى الربط بين الكفاءات المصرية فى أوروبا وغيرهم من الأوروبيين، وبين الخبراء فى مصر عن طريق الاستفسارات وتبادل الخبرات، ويتحقق من خلال المؤتمرات التى تعقدها الجميعة فى عدة دول.
أضاف أن وجوده فى مصر أتاح له الفرصة للتعرف على مشكلات التنمية المستدامة على أرض الواقع؛ وتفاجأ أن مصر حتى الآن ما زالت تسأل عن مفهوم التنمية المستدامة، ا يثير الاستغراب، فكيف أن يسألوا عن التنمية المستدامة فى ظل انتشارها فى دول العالم المختلفة.
أوضح أن مفهوم التنمية المستدامة ظهر آواخر القرن الـ17 ومع بداية القرن 18، فى إنجلترا بفضل الإقبال الكبير على صناعة الطوابع والورق، التى كانت تحتاج إلى الأخشاب كمادة أساسية ما كان يهدد الأشجار، ومن هنا ظهر اتجاه للحفاظ على التوازن البيئي، لافتا إلى أن التنمية المستدامة، ظهرت رسميا فى مؤتمر للأمم المتحدة عن البيئة فى 1992، واتجهت الجامعات والمدارس إلى إدخاله فى علم الاقتصاد، كمفهوم اقتصادى يعتمد على ندرة الموارد.
أشار إلى أن مفهوم التنمية المستدامة قائم على تطوير المجتمع وتعظيم الموارد دون أن نحرم الأجيال القادمة من حقوقها فى الموارد الطبيعية والتقليدية التى تشهد ندرة فى تجددها أو الموارد غير المتجددة.
لفت إلى أن مصر تشهد ندرة فى المياه، واستخداماتنا لها بالطرق والأساليب الحالية، يعتبر إهمالا للموارد المحدودة ما يؤثر سلبا على الأجيال القادمة؛ لأننا نترك لهم موارد فى طريقها للندرة، وعلينا الموازنة بين متطلبات الأجيال الحالية، واحتياجات الأجيال القادمة.
قال إن درجات الحرارة ترتفع نتيجة للاحتباس الحراري، والأنشطة الصناعية المبالغ فيها، والتغيرات التى تحدث على مستوى العالم، التى جعلت علماء البيئة غير قادرين على تحديد فصول السنة بدقة، وظهرت مقولة «الأرض تثور علينا».
لفت إلى أن النفايات التى تنتج من قطاع التشييد والبناء فى فرنسا تصل إلى 40 مليون طن، وهى تفوق مخلفات قطاع التصنيع نفسه، رغم أن مسألة التدوير ليست صعبة فعملية التدوير والاستدامة هى عملية وعي، ربما لا تحتاج إلى تكنولوجيا عالية.
تنفيذ «التنمية» لن يتحقق فى يوم وليلة.. وكان علينا البدء من الأمس قبل اليوم
أضاف أن الاستدامة بالنسبة للحكومة، هى استخدام الموارد والعناصر المتاحة بأقل الإمكانات وتقليل استخدامها حتى لا تسبب الأضرار السمعية والبصرية، مؤكدا أن تطبيق التنمية المستدامة فى مصر لن يتحقق فى يوم وليلة؛ لأن تطبيقها يحتاج إلى إدارك ووعى فكرى وثقافى وتعليمى لكل فئات المجتمع، وكان علينا البدء من الأمس وليس اليوم.
أكد أن من ضمن مهام الحكومة فى تحقيق التنمية المستدامة، العمل على تقليل النفايات والحد من التلوث للمحافظة على صحة المواطن، لأن استمرار الوضع الحالى يؤثر سلبا على صحة المواطنين، فبعد 10 أعوام نجد المواطنون غير قادرون على الإنتاج، موضحا أن الاستدامة بالنسبة لشركات العقارات هى الالتزام بالمعايير والمواصفات، لأن العميل من حقه أن يعيش فى بيئة نظيفة مع أسرته.
عن موضوع الطاقة الشمسية والمتجددة، قال إن الطاقة الجديدة والمتجددة تم طرحها فى مؤتمر بفرنسا، وعارضها خبير فرنسي، قائلا: «على مصر أن تقلل من استخداماتها للطاقة التقليدية أولا قبل الدخول فى مشروعات الطاقة الشمسية، مشيرا إلى أن الألواح الشمسية التى كانت تشتريها بعض شركات العقارات لم تكن بالجودة المناسبة. طالب مهنى من الحكومة تخفيض وترشيد استهلاكها من الطاقة التقليدية مثل البترول والكهرباء، من خلال رفع أسعارها حتى تجبر الأهالى على الترشيد ليتم تأهيل المجتمع ذهنيا وثقافيا على الترشيد، إضافة إلى استخدام اللمبات الليد والأجهزة الموفرة.
قال مهنى إن السوق العقارية كأى سوق أخرى تخضع لعوامل العرض والطلب، وهناك تقسيمات مختلفة منها أسواق منافسة كاملة، وهى التى تتميز بعدد منتجين ومستهلكين لا حصر لهم، وفيها لا يستطيع أحد التحكم فى السعر، وأخرى احتكارية كاملة، وأسواق توجد فيها منافسة احتكارية وتتراوح فى الأسعار بنسب متقاربة، والأسواق التى دون قيود.
أوضح مهنى أنه يمكن تصنيف السوق العقارية، خاصة المصرية على أنها من النوع ذات المنافسة الاحتكارية، بحكم أن الدولة هى التى تدخل وتتحكم فى بعض أسعار الوحدات، لا سيما الإسكان الاجتماعى والمتوسط، لافتا إلى أن البناء المستدام يبدأ من الدولة ثم القطاع الخاص؛ لأن لديها الإمكانات اللازمة وتستطيع وضع الشروط التى تريدها.
الطرق والأساليب فى مصر تتجاهل عوامل التهوية الجيدة
استغرب مهنى من طرق وأساليب البناء فى مصر، خاصة أنها تتجاهل عوامل التهوية الجيدة، مما يحتاج إلى عدد كبير من مكيفيات الهواء، مطالبا الدولة بالتدخل لإيجاد حلول لتقليل استخدام المكيفات فى المباني، مشددا على مراعاة هذا فى المبانى الجديدة التى تنشئها الدولة أو القطاع الخاص. بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تبناه رئيس الجمهورية، قال إن البرامج الإصلاحية فى مصر، لها ميزة عن البرامج السابقة التى تمت من قبل؛ لأنها كانت تعمل على تكييف الوضع الاقتصادى وتقليل عجز الموازنة دون الاقتراب من الدعم، وكان هناك برنامج ما يسمى برنامج الصدمة وهو إلغاء كل ما يضر الاقتصاد المصرى سواء كان دعما أو إعانات.
أضاف أن برامج الإصلاح تسير على نحوين، الأول إصلاحات نقدية وتمت فى 2016 بتحرير سعر الصرف، وكان له فائدة كبيرة، والجانب المالى من خلال تقليل نفقات الدولة، وهو ما نستفيد منه أيضا، موضحا أن الدولة استطاعت تلافى العيوب فى برامج الإصلاح السابقة.
ذكر أن هناك صعوبة فى إدماج فكرة التنمية المستدامة فى برنامج الإصلاح الاقتصادي؛ لأن التنمية المستدامة ذات طبيعة طويلة الأجل، بينما الإصلاح الاقتصادى قصير الأجل، ولا يمكن ربط التنمية المستدامة بالإصلاح الاقتصادي؛ لأن المواطن يريد إجراءات سريعة تعيد عليه وعلى حياته اليومية بالنفع.