قال أحمد صفوت رئيس لجنة التخطيط الاستراتيجي بالجمعية الأفريقية للرعاية الصحية و الدواء، ورئيس اللجنة الدولية للاعتماد والجودة بالجمعية الأمريكية للرعاية الصحية العاجلة لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، إن التقرير الأخير الصادر عن مؤسسة “ستاتيستا”، يقدم تحليلاً شاملاً لنمو قطاع المستشفيات في مصر، مستندًا إلى توقعات إيرادات مرتفعة ونمو مستدام.
وأضاف صفوت في تصريحات لـ”المال”، إلا أن هناك نقاطًا جوهرية يجب تسليط الضوء عليها لتعزيز دقة التقييم، وتحليل مدى واقعية هذه التوقعات، مع اقتراح عوامل إضافية لم يأخذها التقرير بعين الاعتبار.
أهمية التوسع في تحليل الاستثمارات الصحية
وأوضح، التقرير يركز على النمو في الإيرادات لكنه لا يناقش بشكل كافٍ مصادر هذا النمو، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات المحلية والدولية، مشيرا إلى أن الاستثمارات في القطاع الصحي المصري يعتمد على مدى جاذبية السوق، التي تتأثر بعدة عوامل مثل الحوافز الحكومية، الإطار التنظيمي، وضمانات المستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى العائد على الاستثمار (ROI) في ظل ارتفاع التكاليف التشغيلية.
إلى جانب ذلك، فإن تحقيق نمو سنوي قدره 9.52% حتى عام 2029 يتطلب إصلاحات أعمق في كفاءة الإنفاق الصحي، وآليات تمويل المستشفيات، واستدامة المشاريع الصحية، وهي عوامل لم يتم تناولها بشكل كافٍ في التقرير.
فجوة الإنفاق الصحي للفرد
بينما أشار التقرير إلى أن متوسط الإنفاق الصحي للفرد في مصر سيصل إلى 56.17 دولارًا أمريكيًا عام 2025، فإن هذا الرقم لا يزال منخفضًا مقارنةً بالمعايير العالمية، حيث يبلغ المتوسط في الدول ذات الدخل المتوسط إلى المرتفع أكثر من 500 – 1000 دولار سنويًا.
واعتبر أن هذه الفجوة تؤثر على مستوى الخدمات المقدمة، وتعكس تحديات مستمرة في تمويل النظام الصحي، لا سيما في ظل محدودية الميزانية العامة للصحة مقارنة بالنمو السكاني المتسارع.
توزيع الخدمات الصحية بين الحضر والريف
ولفت رئيس اللجنة الدولية للاعتماد والجودة بالجمعية الأمريكية للرعاية الصحية العاجلة لمنطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، إلى أن تقرير المؤسسة الدولية سلط الضوء على مشكلة “التوزيع غير المتكافئ للخدمات الصحية”، وهي قضية محورية في تحقيق العدالة الصحية، معتبرا أن الحلول لهذه الفجوة تتطلب استراتيجيات مستدامة تشمل:
تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) لإنشاء مستشفيات ومراكز طبية في المناطق النائية.
إعادة توزيع الموارد الصحية، عبر تحفيز الأطباء والكوادر الطبية للعمل خارج نطاق المدن الكبرى، من خلال تقديم مزايا مالية وإدارية.
توظيف التحول الرقمي بشكل أعمق عبر التوسع في الخدمات الصحية الإلكترونية والطب الاتصالي، وهو أمر أشار إليه التقرير لكنه لم يربطه بمشكلة نقص التوزيع الجغرافي للخدمات.
نقص الكوادر الطبية والهجرة
وحول التحديات التي يواجهها القطاع، قال صفوت، أحد التحديات الكبرى التي تواجه قطاع المستشفيات في مصر هو هجرة الأطباء، حيث يقدر عدد الأطباء المصريين العاملين في الخارج بأكثر من 110,000 طبيب، مما يترك نقصًا حادًا في المستشفيات المحلية.
بينما ذكر التقرير هذه المشكلة، ولم يناقش حلولًا عملية لتقليل الهجرة، مثل تحسين ظروف العمل، زيادة الأجور، وتقديم حوافز غير مالية لجذب الأطباء للبقاء داخل مصر.
مستقبل السياحة العلاجية في مصر
وانتقل الدكتور أحمد صفوت للحديث عن السياحة العلاجية، والتي اعتبرها التقرير تمثل ميزة تنافسية، معقبا، هناك عوامل رئيسية لم يتم ذكرها لضمان ازدهار هذا القطاع، مثل:
- الاعتراف الدولي بالشهادات الصحية المصرية لتعزيز الثقة لدى المرضى الوافدين.
- تحسين الخدمات اللوجستية مثل تسهيلات التأشيرات الطبية، وحزم الرعاية الصحية المتكاملة للمرضى الدوليين.
- تطوير مستشفيات متخصصة تستهدف المجالات الأكثر طلبًا في السياحة العلاجية، مثل جراحات العظام وزراعة الأعضاء وعلاج الأورام.
التحديات الاقتصادية وتأثيرها على التوسع الصحي
واعتبر، أنه وبالرغم من حالة التفاؤل التي يشير لها التقرير حول مستقبل القطاع الصحي، فإنه لم يناقش بشكل وافٍ تأثير التضخم، وأسعار الصرف، وارتفاع تكلفة المعدات الطبية المستوردة على خطط التوسع والاستثمار في المستشفيات، كما أن القطاع الصحي يتأثر بتقلبات الاقتصاد الكلي، مما قد يحدّ من قدرة بعض المستشفيات الخاصة على تحمل نفقات التطوير أو التوسع.
وأشار صفوت إلى أنه ورغم ما تؤكدة التقارير الدولية والتي تعكس نظرة متفائلة حول نمو قطاع المستشفيات في مصر، إلا أن هناك تحديات هيكلية واقتصادية لم يتم تناولها بعمق، مثل فجوة التمويل الصحي، نقص الكوادر الطبية، وتأثير التضخم على استثمارات المستشفيات.
واختتم بالتأكيد على ضرورة تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لجذب مزيد من الاستثمارات في المناطق الريفية والنائية، وإعادة هيكلة سياسات الأجور للأطباء والكوادر الصحية للحد من الهجرة وتحسين جودة الرعاية الصحية، بالإضافة إلى تبني نموذج مستدام للتمويل الصحي يعتمد على مصادر تمويل بديلة مثل التأمين الصحي الشامل.
كما طالب بضرورة زيادة الاستثمار في التحول الرقمي لتمكين تقديم الخدمات الطبية عن بُعد، وتقليل الفجوات الجغرافية في توزيع الخدمات الصحية، وكذلك تعزيز بيئة الاستثمار في السياحة العلاجية عبر تطوير بنية تحتية داعمة، وتحقيق معايير الاعتماد الدولي في المستشفيات المستهدفة لهذا القطاع.
كانت مؤسسة “ستاتيستا” المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، قد توقعت أن تشهد السوق المصرية للمستشفيات نموا كبيرا في الإيرادات، ليصل إلى 6.53 مليار دولار أمريكي عام 2025، بمعدل نمو سنوي قدره 9.52٪ حتى عام 2029، ليصل حجم السوق إلى 9.40 مليار دولار أمريكي.
وبحسب التقرير، هذه الأرقام تعكس توجها إيجابيا لمستقبل الاستثمار في القطاع الصحي بمصر، إلا أنها تطرح في الوقت ذاته تساؤلات حول كيفية تحقيق هذا النمو في ظل التحديات الاقتصادية والهيكلية التي تواجه النظام الصحي.