القراء الأعزاء، بدأت في المقالة قبل السابقة الحديث عن رفض السلطات Rejection Insurance وفي المقالة السابقة تناولت موضوع تأمين النقل البحري الخاص الخاص بالأغذية المجمدة ، و كنت أنوي الاستمرار في هذه السلسلة من تغطيات تأمين النقل البحري المتعلقة بأنواع معينة من البضائع ذات الطبيعة الخاصة إلا أنني رأيت أن الموضوع الملح في هذا الوقت هو قيام البنك المركزي بخفض معدلات الفائدة الأساسية على الجنيه المصري خلال العام الماضي عدة مرات، فرأيت أن أتناول هذا الموضوع من وجهة نظر علم الاقتصاد و لأن شركات التأمين بطبيعتها لديها استثمارات مالية ضخمة تتناسب طرديا مع حجم أقساطها و عمرها في السوق على أن أواصل الحديث عن تغطيات تأمين النقل للبحري للبضائع ذات الطبيعة الخاصة لاحقًا بمشيئة الله.
و هنا أود أن أشير أن جريدة المال قد قامت بعقد مؤتمر للرؤساء التنفيذيين يومي الثامن و التاسع من ديسمبر من عام 2019 تحت عنوان تحديات الاقتصاد منخفض الفائدة حضره وزراء الاستثمار والمالية وقطاع الأعمال العام.
و سوف أكتفي في هذه المقالة بتناول هذا الموضوع من خلال عنصرين و هما العلاقة بين سعر الفائدة وحجم الاستثمار و العلاقة بين سعر الفائدة و .
العلاقة بين حجم الاستثمار و سعر الفائدة
لقد حدد عالم الاقتصاد الإنجليزي الكبير كينز John Maynard Keynes أن حجم الاستثمار يتوقف على العلاقة بين الكفاءة الحدية لرأس المال Marginal Efficiency of Capital و سعر الفائدة Rate of Interest و يعرف كينز الكفاءة الحدية لرأس المال على أنها سعر الخصم Rate of discount الذي إذا خصمت به الإيرادات الصافية المتوقعة للأصل الرأسمالي لكانت قيمتها الحالية مساوية لثمن شراء هذا الأصل.
و إذا كانت الكفاءة الحدية لرأس المال أعلى من سعر السائد في السوق، فيمكن اتخاذ قرار الاستثمار، و فيما يلي أقدم مثال رقمي لتوضيح نظرية الكفاءة الحدية لرأس المال:
لنفترض أنه يوجد لدينا ماكينة جديدة ثمن شراءها مليون جنيه مصري عمرها الإنتاجي 10 سنوات و من المنتظر أن تدر إيراد سنوي صافي قدره 160 ألف جنيه و سعر الفائدة السائد في السوق 15% سنويًا و المطلوب حساب الكفاءة الحدية لرأس المال وفقًا لكينز
و دون الدخول في التفاصيل الرياضية نجد سعر الخصم الذي يجعل القيمة الحالية للإيرادات السنوية المتوقعة = مليون جنيه (ثمن شراء الأصل الآن) =9% و هو بالطبع أقل من سعر الفائدة السائد في السوق، و بالتالي لا يمكن اتخاذ قرار الاستثمار في هذا و من الأفضل في حالة توافر سعر هذا الأصل الجديد (مليون جنيه) أن يتم شراء شهادة استثمار بنكية به كاستثمار مالي Fiscal Investment، بدلا من الاستثمار العيني Physical Investment في الماكينة الجديدة و لكن إذا كان سعر السائد في السوق هو 8% فيمكن شراء هذه الماكينة على أساس أن سعر الخصم أكبر من سعر الفائدة السائد في السوق.
و لقد اعتبر كينز أن سعر الفائدة ظاهرة نقدية و يؤثر بشكل واضح في تكلفة الاستثمار إلى جانب العوامل الأخرة (الكفاية الحدية لرأس المال و تكلفة الأصل الرأسمالي) لذلك حذر كينز من ارتفاع هذا السعر بالدرجة التي تؤدي إلى زيادة تكلفة الاستثمار و انخفاض الكفاية الحدية لرأس المال عن سعر الفائدة السائد في السوق مما ينتج عنه تخفيض في حجم الاستثمارات عن المستوى المطلوب، و يمكن القول أن كينز اعتقد أن انخفاض سعر الفائدة يمكن أن يكون له دور هام في زيادة حجم الاستثمارات.
و لتوضيح فكرة كينز الخاصة بتأثير سعر الفائدة في تكلفة الاستثمار نفترض أنه في المثال السابق أنه تم الاتفاق على شراء الماكينة بالتقسيط على عشر سنوات على أن يدفع أول قسط فورًا و هذا هو الأقرب للواقع العملي و مرة أخرى دون الدخول في تفاصيل رياضية نجد أنه عند سعر فائدة 15% يصبح القسط السنوي المطلوب لسداد قيمة الماكينة 173263 جنيه مصري و عند سعر فائدة 12% يكون القسط السنوي 158022 جنيه مصري و عند سعر فائدة 10% يكون هذا القسط 147950 أي أنه كلما زاد سعر الفائدة زادت تكلفة الاستثمار في الماكينة الجديدة، و كلما انخفض سعر الفائدة قلت تكلفة الاستثمار في الماكينة الجديدة.
العلاقة بين الزيادة في الاستثمار و زيادة الدخل القومي
حدد كينز العلاقة بين الزيادة في الدخل القومي و الزيادة في الاستثمار بمعادلة مضاعف الاستثمار Investment Multiplier و هو يساوي الزيادة في الدخل القومي ÷ الزيادة في الاستثمار
و مؤدى هذه العلاقة أن الزيادة في الانفاق على الاستثمار تؤدي إلى زيادة الدخل القومي لا بمقدار هذه الزيادة الأولية في الاستثمار فحسب بل بكميات مضاعفة تقدر بالإضافة إلى هذه الزيادة الأولية في الاستثمار بما تؤدي هذه الزيادة من انفاقات متتالية على الاستهلاك.
كما أثبت أن مضاعف الاستثمار = 1 ÷ (1 – الميل الحدي للاستهلاك).
حيث أن الميل الحدي للاستهلاك Marginal Propensity to Consume = التغير في الاستهلاك ÷ التغير في الدخل
و لتوضيح فكرة مضاعف الاستثمار نفترض وجود زيادة في حجم الاستثمار قدرها 100 مليون جنيه و أن الميل الحدي للاستهلاك يبلغ 0.8 و بالتالي يكون مضاعف الاستثمار = 1 ÷ (1 – 0.8) = 1 ÷ 0.2 = 5 و بالتالي تكون مقدار الزيادة في الدخل القومي نتيجة الزيادة في الاستثمار = 5 × 100 = 500 مليون جنيه مصري.
و لزيادة التوضيح للقارئ فإن معنى أن الميل الحدي للاستهلاك = 0.80 أن الزيادة في الدخل بمقدار 100 جنيه يترتب عليها الزيادة في الاستهلاك بمقدار 80 جم و باقي الزيادة في الدخل و قدرها 20 جم يتم ادخارها.
و بالطبع تفترض المعادلة السابقة ضرورة وجود زيادة في الطلب على مخرجات هذا الاستثمار الجديد من سلع و خدمات
و هذا يوضح لنا لما تحرص حكومات الدول على تشجيع الاستثمارات الجديدة بما فيها الاستثمار الأجنبي بكل الطرق.
العلاقة بين أسعار الفائدة و دخل شركات التأمين.
تؤثر أسعار الفائدة على قيمة دخل شركات من الاستثمار ، فالمطالبات عن الحوادث تحدث بعد استلام شركات للأقساط و في ذلك الأثناء يتم استثمار أقساط في استثمارات مالية ، و بالتالي يتناسب دخل شركات من الاستثمار تناسباً طردياً مع أسعار الفائدة فزيادة أسعار الفائدة تؤدي إلى زيادة دخل من الاستثمار.
و لأن زيادة أسعار الفائدة قد تجعل العمليات التأمينية أكثر ربحية فإن شركات تتفاعل مع تلك الزيادة في سعر الفائدة عن طريق زيادة عرضها من وثائق التأمين عن طريق محاولة زيادة مبيعاتها من وثائق التأمين للحصول على المزيد من لاستثمارها عند معدلات مرتفعة من الفائدة لزيادة الدخل من الاستثمار.
و لأن الطلب على التأمين لا يزيد تلقائياً عند زيادة العرض فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض سعر التأمين في هذا السوق.
و لكن من ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار الفائدة يؤدي إلى زيادة الطلب على ا لأصول الرأسمالية العينية مثل الماكينات، و السيارات، مشروعات الفنادق و القرى السياحية مما يؤدي إلى زيادة الطلب على و بالتالي ارتفاع دخل شركات من الأقساط المباشرة.