من المفارقات الانتخابية فى الأعوام الأخيرة.. أن كلًّا من الديمقراطية الأميركية- النموذج القيمي- الذى تسعى الولايات المتحدة لأن يكون مثلًا ومنهاجًا لمختلف شعوب المعمورة، والديمقراطية الإسرائيلية التى تتباهى بواحديتها- كواحة للديمقراطية- وسط دكتاتوريات الشرق الأوسط، إذ تشهد هاتان الديمقراطيتان اللتان يتجمل بهما – نظاماهما .. معركتين انتخابيتين فى العام الأخير.. نحو رئاسة سدة الحكم فى الدولتين، لم يسبق وصمهما بتلك الحدة المتبادلة بين المتنافسين، أحزابًا ومرشحين، يتراشقون بأقذع الاتهامات فيما بينهم، ناهيك عن تعرضهما – كما لم يحدث من قبل – لتدخلات داخلية وخارجية تحاول التسلل بشكل أو آخر للتأثير فى النتائج الانتخابية، سواء بتغيير فى توازنات الائتلاف الحكومى فى إسرائيل، إما بإسقاطه أو إجراء انتخابات جديدة هى الرابعة خلال العام المنصرم، أو بتأثير اللوبى اليهودى المتجذر داخل الولايات المتحدة.. بهدف حصد أصوات الإنجيليين (المسيحية الصهيونية) لصالح «ترامب».. مقابل إعطائه الضوء الأخضر لإسرائيل فى ضم أراض من الضفة الغربية المحتلة إليها (بعد القدس والجولان)، وفى إطار من تواطؤ منظور بين اليمين «الشعبوى» الأميركى (ترامب) واليمين «التوراتى» فى إسرائيل (نتنياهو) لضمان معارك انتخابية تبدو قريبة، لصالحهما، حتى لو أدى الأمر إلى قيامهما بعمل عسكرى لا يبدو مستبعداً ضد النشاط الإيرانى فى سوريا، وفى العمل بشكل حثيث على منع طهران من إقامة فرع لحزب الله اللبنانى فى الجنوب السورى قرب الحدود مع إسرائيل، كذلك لمنع تثبيت وجودهما فى لبنان، ما قد يمثل «جواز مرور» لقوى اليمين فى واشنطن وتل أبيب، المفتقدين لأكثريتهم بحسب استطلاعات أخيرة للرأى العام، للتجديد لهما (ترامب- نتياهو) فى سدة الحكم فى بلديهما، حتى لو أتت رئاستهما، بالدهاء المكشوف، منافية لكل المبادئ الديمقراطية الأخلاقية التى يتباهيان بمسوحها، وعلى حساب حق الشعوب فى الاستقلال والحرية والتقدم، ما قد يتسبب فى مخاطر مترتبة عن رفض الوعى الإنسانى العالمى الجديد للغشم الإمبريالى المهدد للأمن والسلم الدوليين، من الصعب التنبؤ بمداها، إذ قد يتشكل فى هذا السياق تحالف مزمع- على سبيل المثال لا الحصر – بين بكين وطهران لمواجهة النواهى الأميركية – الإسرائيلية، خاصة مع ما أعلنه وزير الخارجية الأميركى مطلع يوليو 2020.. عن تشكيل حلف مضاد للصين «قد تنضم إليه روسيا»، وهو أمر ليس غير مستبعد حال التوافق بين واشنطن وموسكو على القضايا الساخنة فى الشرق الأوسط، خاصة حال فوز ترامب انتخابيًا، وهو ما لا يمانعه الكرملين، لأسبابهما، ولو أن ذلك لا يعنى انتهاء الأزمة داخل الائتلاف الحكومى – برأسين- فى إسرائيل، ولا يعنى سقوط فكرة التوجه إلى انتخابات جديدة، سوف يسعى «نتنياهو» إلى إجرائها حال فوز «ترامب» نوفمبر المقبل، بعد تأجيله الأزمة مع منافسه «جانتس» (حزب الجنرالات) نحو مائة يوم، إلى أن تنكشف نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية التى لا يمكن الجزم بما سوف تسفر فى ظل حدة الخلافات التى تبرز مع بزوغ ثقافات سياسية أميركية جديدة مغايرة، اجتماعيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، عما كانت قبل عشر سنوات، مثالًا، سواء فى إعادة تعريف «ترامب» للتيار المحافظ، أو فى قراءة الديمقراطيين الجدد لليبرالية السائدة، أو فى غيرهما، ما يعتبر فى مفهوم خبراء الأمن السيبراني سببًا لارتباك السياسة الخارجية الأميركية، لا تقتصر فى تغير تحركاتها على روسيا فقط، بل كذلك بالنسبة لدول وأطراف أخرى.. كالصين وإيران.. إلخ، ما يؤدى لمحاولة التأثير على نتائج الحدث الأميركى الأهم (انتخابيًّا) خلال العام الحالى، وبشكل أكثر انتهاكًا من سابقتها فى العام 2016، ما يدعو مؤسسات الدولة للعمل حينئذ للحفاظ على أمن الانتخابات الرئاسية، سواء لمواجهة استخدام روسيا مجموعة إجراءات لتشويه سمعة المرشح المنافس «بايدن»، كما أن هناك أدلة على عدم رغبة الصين وإيران لفوز «ترامب»، فى حين تحذر تقارير من أن جهات أجنبية معادية قد تسعى إلى تعريض البنية التحتية للانتخابات للخطر أو التدخل فى عملية التصويت أو التشكيك فى نتائجها، الأمر الذى كادت معه الولايات المتحدة أن تستعد بـ«غرف حرب» لصد اختراق انتخاباتها الديمقرطية المحصورة بين سطوة الحسابات الشخصية.. والحسابات الوطنية.
شريف عطية
6:42 ص, الخميس, 13 أغسطس 20
End of current post