خواطر 23

توفيق اكليمندوس

10:00 ص, الأحد, 26 يناير 20

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:00 ص, الأحد, 26 يناير 20

أواصل مشوارى مع كتاب روا « هل أوروبا مسيحية»٬ كما قلنا هو يرى أن المؤمنين – مسيحيين كانوا أو مسلمين- أصبحوا أقلية فى أوروبا، لا سيما إن قررنا أن الشخص الذى يعرف نفسه بأنه مسيحى (أو مسلم) ولا يعرف أبجديات دينه ولا يمارس عباداته لا يمكن أن يوصف بالمؤمن٬ لأنه يتحدث عن هوية لا عن إيمان.

ويشدد ويقول مثلا إن أغلب المتمسكين ببقاء رموز مسيحية فى الفضاء العام – على سبيل المثال بوجود صلبان فى المدارس وباحتفال البلديات بعيد الميلاد- لا يعرفون شيئا عن المسيحية ولا يمارسون عبادتها٬ ولكنهم يرونها «فولكلورا» وتراثا معبرا عن الهوية، وبالطبع يعكس هذا الموقف رفضا للإسلام أكثر مما يعبر عن تمسك بالمسيحية.

وفى حديث معى فى سبتمبر الماضى قال إن المسلمين الأوروبيين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات ٬ مجموعة تركت الدين٬ ومجموعة متدينة ومحافظة أو سلفية أو إخوانية الهوي، ومجموعة كبيرة تصلى وتمارس العبادات أحيانا وتتركها أحيانا. ولا أتذكر نسب كل مجموعة إلا أن الأخيرة هى الأكبر، واشتكى من صعوبة الحصول على تمويل لدراسة المجموعتين الأولى والثالثة٬ أو لدراسة الحياة اليومية لها، لأن الهواجس الأمنية المبررة طبعا تعطى أولوية لدراسة السلفية والسلفية الجهادية والإخوان. وبصفة عامة يمكن القول إن هناك موضوعات وقضايا بالغة الأهمية لا يوليها علماء الاجتماع الغربيون الاهتمام الكافى، نذكر منها أحوال الطبقات الوسطى الميسورة على اختلاف مشاربها.

نعود إلى الكتاب، يقول روا إن الكاثوليك كمجموعة متماسكة يحصرون اهتمامهم ونشاطهم السياسى فى مناهضة القوانين المشرعة للعائلة وللزواج وللسلوكيات الجنسية٬ ويقول إن أغلب تلك التشريعات سنها اليسار عندما حكم، ولكن اليمين المحافظ لم يلغيها عندما جاء دوره فى الحكم، وهذا يعنى وجود إجماع على إبعاد تلك التشريعات عن مظلة المسيحية.

ويقول روا أن موقف الكنيسة الكاثوليكية من تزايد الوجود الإسلامى فى أوروبا ملتبس٬ فمن ناحية هذا الوجود يقوى صفوف المؤمنين المستائين من تطور التشريعات٬ فعلى سبيل المثال تعاون المسيحيون المحافظون وكثير من المسلمين فى تنظيم المسيرات التى احتجت على زواج المثليين٬ وفى نفس المعنى يعطى الوجود الإسلامى المتزايد فرصة لإعادة طرح سؤال الصيغة العلمانية للنظم السياسية وقد سمحت الكنيسة بتحويل بعض الكنائس إلى مساجد فى بعض الأحوال (ورفضت إقامة مساجد فى أحوال أخرى)، وفى المقابل هناك مخاوف من أسلمة أوروبا – أن تكون ذات يوم ذات أغلبية مسلمة- واستياء مما يسميه البعض الكيل بمكيالين٬ حرص شديد من السلطات فى التعامل مع المسلمين خوفا من المتطرفين٬ مقابل صرامة حادة مع المسيحيين والتغاضى عن الاعتداءات ضدهم وهى فى تزايد٬ ويمكن إجمال موقف الكنيسة الكاثوليكية فيما يلي: تسامح كبير مع الإسلام والمسلمين مع رفض أن يكون الإسلام على قدم المساواة التامة مع الكنيسة فى أوروبا.

خلاصة القول٬ سمعت مرات أصدقاء مسلمين مصريين يتصورون أن الأوروبيين الغير متدينين أكثر قبولا لوجود الإسلام والمسلمين من غيرهم من أبناء شعبهم٬ وهذا القول غير دقيق٬ فلا المسيحيون ولا غير المتدينين على موقف واحد٬ فهناك من المسيحيين من يرحب بهذا الوجود لأسباب قد تزول- وهناك من يرفضه ويخشاه٬ وفى المقابل هناك غير متدينين يرحبون بهذا الوجود – إيمانا منهم بمزايا التعددية الثقافية أو رغبة منهم فى إزالة أثار المسيحية فى القارة٬ وهناك من يرفضه رفضا تاما انطلاقا من نفس الأسباب التى حثت على لفظ المسيحية٬ الرغبة فى تحرير المرأة كاملا٬ وفى تنظيم العلاقات والميول الجنسية والأسرة بعيدا عن تعاليم الدين…أى دين. ومنهم مثلا رؤساء أحزاب أقصى اليمين فى إيطاليا وهولندا.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية