خواطر مواطن مهموم

توفيق اكليمندوس

7:53 ص, الأثنين, 26 أغسطس 19

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:53 ص, الأثنين, 26 أغسطس 19

لا أعتقد أننى المواطن الوحيد الذى يتساءل.. ما هو مستقبل العالم وما هو مستقبل منطقتنا وما هو مستقبل وطننا والكل مقبل على عصر مضطرب، وما هو الطريق وما هى المحاذير وما هو شكل الفرص. وهل يمكن التنبؤ بالسيناريوهات ورسم استراتيجيات بناء عليها؟ أم علينا الاكتفاء بتنمية قدراتنا وباتباع سياسة مرنة تحافظ على شعرة معاوية مع الجميع؟ هل من حلول وسطي؟

أولا لا أزعم أننى أتكلم بعقلى فقط، وبعد دراسة متأنية جامعة، انطباعاتى ومشاعرى وخياراتى الفكرية وتصوراتى ومنظومة المدركات تلعب دورا، يكبر لأن الضباب سيد الموقف.

ثانيا نعانى من عدم تساوى فى المعلومات المتاحة، من الواضح مثلا أن ما نعرفه عن الولايات المتحدة وأوروبا أكثر وأعمق وأشمل مما نعرفه عن أفريقيا والصين وأسيا وأمريكا اللاتينية، ولا يفسر هذا الوضع فقط بالمركزية الغربية والهيمنة الغربية على الاعلام وعلى النظام الجامعى العالمي، ولكنه يفسر أيضا بظروف إنتاج المعرفة وآلياتها وبمصداقية الأرقام والإحصائيات المتاحة. وطبعا الإحصائيات لا تروى القصة كلها، ولا تكفى للحكم على الأمور.

ثالثا حتى فى حالة توافر الإحصائيات كاملة والأدوات التى تسمح بتحليلها تحليلا لا يحملها ما لا تحتمل، فإن المستقبل غامض، من الواضح مثلا أن القارة الأوروبية تعانى من أزمة ويتراجع دورها باستمرار يسمح بطرح سؤال احتمال الأفول والانهيار، والأفول غير الانهيار وتبعاتهما السياسية والاقتصادية مختلفة، ومن ناحية ثانية لا نعرف إن كانت الأزمة فرصة لإعادة تأسيس أوروبا ولمعالجة جذرية للأمراض ولانطلاقة جديدة، أم هى بدايات النهاية. وهل النهاية ستكون نهاية كل دول أوروبا وبعضها. وأريد أن أحدد: على فرض غير واقعى بالمرة أننا متأكدون أن أوروبا ستنهار فهناك فارق فيما يتعلق بخططنا بين نهاية تقع سنة 2025 وأخرى تقع سنة 2050.

هناك رأى يرى أن الأفضل تجاهل السؤال الذى لا يمكننا الرد عليه، ولكن السياسى لا يملك هذا الترف، لا سيما فى دولة منفتحة على العالم مرتبطة به معتمدة عليه، فدخل قناة السويس يعتمد على التجارة العالمية، السياحية تعتمد على وجود سياح، سعر الطاقة متغير وفقا لأحوال الاقتصاد العالمى الخ.

هناك مشكلة، الدولة المصرية تحب وتجيد التخطيط للمستقبل، واكتسبت خبرة فى تأسيس وإدارة المشروعات العملاقة التى تكلف أموالا طائلة ولكن عائدها أكبر بكثير ويستمر لسنوات، السد العالى وقناة السويس والعاصمة الإدارية وشبكات المترو أمثلة لما نقوله.

وهناك مجالات عديدة يكون ذلك مطلوبا وسيستمر كذلك، ولكن هناك مجالات لا يمكن فيها تبنى هذا المنهج، وأخرى يكون فيها هذا المنهج ضرورى وهى مجالات تستوجب الانفاق الكثيف ولكن النتائج فيها غير مضمونة وفيها تكلفة الخطأ فى التنبؤ بالمستقبل جسيمة.

ومواردنا محدودة، لا نملك ترف خسائر ضخمة، ولذلك نميل إلى ترك تلك المجالات لغيرنا ثم نقوم بشراء المنتج، ولا بأس من هذا فى بعض المجالات، ولكن فى مجالات أخرى نكرس تبعيتنا للعالم، أعلم أن هناك من يقول محقا أننا فى مصر نميل إلى عدم التمييز بين التبعية والاعتماد المتبادل، ولكنه، رغم الإقرار بذلك، علينا الاعتراف بأننا تابعون فى مجالات عديدة بعضها حيوي،. وهنا الواقع يفرض سؤالا، لو مصر خيرت بين التبعية للغرب والتبعية للصين والتبعية لروسيا، ما هو الطريق الأمثل، الرهان على طرف؟ الرهان على طرف فى مجال وعلى غيره فى مجال آخر؟ التعامل مع الكل؟

لا أخشى من قولها، الإكتفاء الذاتى لم يعد ممكنا، نحن مائة مليون فى مساحة ضيقة، علينا استيراد الطعام، وتحقيق نهضة علمية، تمكننا من إقامة مجتمع المعرفة، ما زال حلما بعيد المنال.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:53 ص, الأثنين, 26 أغسطس 19