ثورة يوليه وتنظيم الضباط الأحرار (1)
جاءت ذكرى ثورة يوليه ومعها الخناقات التقليدية حولها… ما علاقتها بالإخوان والشيوعيين… بالأمريكيين، هل هى ثورة أم انقلاب… كيف نقيّم فاعليها؛ وتحديدًا ناصر وعامر والسادات على المستويين الشخصى والسياسى… ما حصاد هذه الثورة… سلسلة من المغامرات العسكرية انتهت بهزيمة مدوّية وبتخريب مصر، أم أهم نهضة فى تاريخها الحديث وهى نهضة غيّرت وجه مصر إلى الأبد وللأحسن… هل السادات ونظامه استكمال للمسيرة بحلوها ومرِّها أم خيانة لها… هل مغادرة الجاليات الأجنبية ويهود مصر، وهى مغادرة تمّت بطريقة قسرية، تمصير محمود ومطلوب، أم إضعاف لقوة مصر ومكانتها؟ هل حصاد الثورة من إصلاحات هامة وهل السياق- صراع من أجل التحرر الوطني- يلغيان أو يبرران التراجع الكبير فى الحريات واللجوء إلى التعذيب وباقى «التجاوزات»؟ هل غيّرت ثورة يوليه الإنسان المصري؟ وإن كان الرد بـ«نعم» فهل التغيير إلى الأحسن أم إلى الأسوأ، أم أن القياس مستحيل؟
والقائمة السابقة للخناقات «المهمة»… هناك خناقات تافهة سبب ومصدر بعضها أكاذيب تافهة ردّدها بعض أعداء ناصر وهى تُدينهم وتُدين أخلاقهم قبل أن تدين ناصرًا… خناقات من نوع هل جند الإسرائيليون ناصرًا فى الفالوجة؟ هل أُم ناصر يهودية؟ هل مجانية التعليم اعتداء على شرع الله؛ شأنها شأن أغلب إصلاحات ناصر؟ هل الحقد هو دافع ناصر الوحيد؟ هل الضباط الأحرار مجموعة من المغامرين ومن اللصوص، أم طليعة الأمة؟ طبعًا كان من بين الضباط الأحرار ضباط فسادهم المالى معروف… ولكن هل كانت القيادة على شاكلتهم؟ ثم هناك الشجار حول مغزى بعض الفصول… السادات فى السينما… عبد الناصر وعامر لبسا ملابس مدنية فى أول الليلة… والخناقات حول دوافع من تخلّف عن المشاركة، ولا سيما إن لعب لاحقًا دورًا هامًّا فى الدولة الناصرية. وخناقات حول تقييم بعض رموز الناصرية… صلاح نصر مثلًا…
قد تكون الخناقات حول تقييم يوليه جزءًا من تاريخ مصر الاجتماعى والفكرى لأنها سادت على الساحة العامة فى فترة ما بين 75 و95. قد أكون متأثرًا بالأوساط التى كنت أتحرك فيها أيامها ولكننى أظنها تعكس حالة عامة. وهذه الخناقات تعلمنا الكثير عن ثورة يوليه… وعن المزاج العام فى السبعينيات والثمانينيات. أيامها لم نكن ننتظر أيام 5 يونيه و23 يوليه و28 سبتمبر لنخوض فى «معنى الأحداث»… النقاش كان دائمًا ويغذيه سيلُ المذكرات التى تُنشر… أغلبها لضباط وكوادر دولة ناصر وإخوان وصحفيين ومثقفين عاصروا الأحداث؛ أهمهم هيكل وموسى صبرى ووجيه أبو ذكرى وحمدى لطفى وجمال الغيطانى وفتحى غانم ومصطفى أمين وحلمى سلام. وهناك دراسات ذاع صيتها أيامها مثل تحطيم الآلهة لعبد العظيم رمضان وأعمال جمال حماد. وكان هناك أحيانًا «خناقات» من الصعب وصفها دون اللجوء إلى معانٍ وألفاظ سلبية… الجدل حول كتاب اعتماد خورشيد، والجدل حول كتاب هيكل بين الصحافة والسياسة العارض لقضية مصطفى أمين… طبعًا لا تجوز المقارنة بين الخناقتين، وبينها وغيرها.
هذا عن النقاشات التى تابعها الجمهور؛ أو على الأقل غالبية معارفى من غير المنتمين إلى الحقل الأكاديمى. أظن أن النقاش كان محتدمًا فى جماعات السياسة الخارجية فى العالم العربى حول دور مصر العربى والأفريقى، وحول مذكرات محمود رياض وفتحى الديب ومحمد فايق وحافظ إسماعيل… وأظن أن عددًا من المختصين تابَع ما صدر من مذكرات جادة حول حروب اليمن و67 والاستنزاف، وأن الشيوعيين والإخوان درسوا ما نُشر حول تجربة السجن. وبعضهم اختزل النظام الناصرى فى سجونه.
لا أزعم أن هذا العرض جامع مانع… ولكننى أزعم أن التنظيم الذى تحرَّك يوم 23 يوليه لم ينل ما يستحقه من اهتمام ودراسة رغم توفر الشهادات.
يتبع
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية