خواطر مواطن مهموم (90)

خواطر مواطن مهموم (90)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

7:44 ص, الأحد, 30 مايو 21

عن الدور المصرى

حققت مصر مؤخرًا عددًا من النجاحات الهامة جاءت ثمرة لمجهود شاق ومستمر بذله رجال وكوادر الدولة وأجهزتها، مجهود فى تقوية البناء الداخلى والقوات المسلحة، وفى التحرك فى جميع الاتجاهات وفى مخاطبة كل الأطراف. ومن هذه النجاحات إيقاف الزحف التركى الميليشياوى فى ليبيا، وإجبار تركيا على تغيير نهجها وعلى طلب الود، ومنها التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل والقوى الغزاوية بدون شروط، ومنها إقناع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن بأهمية الدور المصرى الإقليمى وأهمية الإقليم فى السياسة العالمية، مما دفع الرئيس الأمريكى إلى الاتصال برئيسنا، وعلى الاقتراب من وجهة نظرنا فيما يتعلق بملف سد النهضة.

ما ميّز الأداء المصرى تنمية القدرة على مخاطبة كل الأطراف والمحافظة عليها مع تفادى اللجوء إلى التراشق، والحرص على المحافظة على اعتبارات الأجل الطويل وعدم التضحية بها من أجل المصالح الحالّة وقصيرة الأجل، فتمّ الإبقاء على شَعرة معاوية مع كل الأطراف، ونجحت الدولة فى عدم التورط بمغامرات ولم تترك حليفًا أو عدوًّا يجرُّنا إلى المجهول، وأثبتت أنها أكثر حرصًا على استقرار الإقليم وعلى القضية الفلسطينية، من كل الأطراف الأخرى، ومنها مَن أدمن اتهامنا بالتقصير، ونجحت فى استخدام كل الأوراق التى تملكها.. من قوة عسكرية وقوة ناعمة.

وتميزت القيادة السياسية عندنا بهدوء الأعصاب وصلابة الإرادة، وبالقدرة على الجمع بين الرؤية الكلية والإلمام بالتفاصيل، وعلى استغلال الفرص، بل على خلقها، وعلى إدارة فريق، وأخيرًا وليس آخرًا على دفاع شرس وإن كان خفيض الصوت شديد الأدب عن مصالحنا.

ومع ذلك كله يظل الحرص واليقظة والنقد الذاتى من الضرورات الحالّة، فنجاحنا يعود إلى خصالنا الحميدة وجهدنا، ولكنه يعود أيضًا إلى رعونة وغباء خصومنا وأعدائنا، جمعوا بين التهور والجعجعة وموهبة نادرة فى كسب عداوات وافتتاح جبهات، دون حساب للعواقب، وعدم الالتفات إلى ضرورة وجود جبهة داخلية اقتصادها سليم ومجمعة على أهداف واقعية ولا يمزقها احتراب أهلي، وجاءت محاولات بعضهم إضعافنا أو استغلال تركيزنا على عملية البناء الداخلى بنتائج عكسية، فمحاولات إيذائنا خدمتنا.

طبعًا قصدى أنه لا يمكن استبعاد احتمال تبنّى أو عودة هؤلاء إلى سياسة رشيدة تسعى إلى إيذائنا، ولكنها تنفذ، هذه المرة، بمهارة. ما زال لخصومنا أوراق، وإن أحرقوا الكثير منها.

ومن ناحية أخرى فإن سرعة الأحداث وغياب الأطر الإقليمية تقصر عمر الفرص التى تنجح مصر فى خلقها، على سبيل المثال نجحت القاهرة فى إقناع واشنطن بضرورة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وبضرورة تحبيذ حل الدولتين، لكن الهمة الأمريكية لن تدوم، ولا تريد القاهرة ولا تستطيع إجبار الأطراف الفلسطينية على المصالحة وعلى الاتفاق على موقف واحد وعلى التقدم بأفكار من شأنها إحياء عملية السلام وحثّ الأمريكيين على مواجهة التعنت الإسرائيلى وعلى دحض الادعاء الإسرائيلى بأنه لا يوجد شريك فلسطينى.

وهناك مشكلة ثقافية تعرقل العمل الجماعى العربي؛ وهى الجمع بين التوجس من وجود دولة قائدة أو رائدة، وعدم قبول فكرة المساواة بين الدول.. أقصد أن عددًا من الدول لا تكتفى بمقعد الشريك المتساوى مع غيره، ولا تريد أن تعترف بأن هناك من هو أجدرُ منها بالقيادة.

وهناك أخيرًا أوجه نقص فى ترسانة أوراقنا رغم جهود الدولة فى النهوض.. من ناحية مثلًا إعلامنا دون المستوى ويشكل عبئًا، وهذا أمر مُحزن؛ لأسباب، منها تأثير هذا على صلابة الجبهة الداخلية، ومنها أن أداء الإعلام الدولى أصبح بالغ الرداءة، أى أن أداء متوسطًا لإعلامنا سيكفى للتأثير وللتفوق، ومنها أن الإعلام العالمى متربص بنا ونحتاج إلى إعلام قادر على الرد.

وطبعًا أوضاعنا المالية وضعف قواعدنا العلمية والتكنولوجية، لها تأثير.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية