خواطر مواطن مهموم 9

توفيق اكليمندوس

9:48 ص, الأحد, 20 أكتوبر 19

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

9:48 ص, الأحد, 20 أكتوبر 19

قال لى صحفى فرنسى زار القاهرة هذا الأسبوع إن التحليل الاستراتيجى والجغرافى السياسى أصبح مستحيلا فى عصر تقلبات الرئيس ترامب، ووافقته على رأيه مع تحفظ مهم، وهو أن المشكلة بدأت قبل الرئيس ترامب بكثير، وستستمر بعده.

وقال لى فيلسوف فرنسى بارز، فى نوفمبر الماضي، إن أدلجة النخب الغربية الحالية تجعلها عاجزة عن فهم مصالح بلادها وبالتالى عن الدفاع عنها، فيمكن القول دون إن السياسات الغربية بعد هزيمة الرئيس بوش الأب، خانها التوفيق فى أحسن الأحوال، وغبية ومدمرة فى عدد معتبر من الحالات.

وإننى شديد الإعجاب بجماعة السياسة الخارجية فى مصر، التى تعمل فى ظروف ليست مثالية، لأسباب تتعلق بالقدرات المالية والمادية وتوافر المعلومات ومشكلات أخرى لا يتسع المجال للخوض فيها. ولكنها تميل إلى الاعتقاد أن الدول الغربية عقلانية وتجيد فنون رسم وتنفيذ الاستراتيجيات، وتحديد مصالحها والدفاع عنها بدون أى رادع أخلاقى، ونخبنا لا تلجأ إلى نسب السياسات الغربية إلى غباء وأدلجة راسميها ومنفذيها، إلا لو ثبت عجز التفسيرات الأخرى عن شرح الواقع.

عندما نجد أنفسنا أمام سياسة غربية يقول صاحبها إنها ترمى إلى تحقيق هدف معين، ونرى نحن بوضوح أن هذه السياسة لن تحقق هدفها المعلن، نستنتج متسارعين أن هناك هدفا سريا، ومؤامرة نبحث عن خيوطها ومظاهرها، ولا نفكر إلا مضطرين فى احتمال بسيط: أن يكون راسمها حمارا.

لا نحب هذا الاحتمال ونستبعده بسرعة، لأننا نعلم أن الدول الغربية متقدمة عنا، ولأنها حكمت العالم، فنفترض أن هناك تراكم خبرات، ولا نحبه لأن نظامها السياسى يعتمد على مؤسسات عريقة، تجيد تجميع المعلومات وتحليلها، وتشرف على مناقشات معمقة حول مغزاها، ولا تتردد فى طلب مشورة أهل العلم، ونعتقد بصفة عامة أن الشورى تحصن ضد الأخطاء، وأن العلم والحكمة يقفان سداً منيعاً أمام التهور، وأمام تغليب الأهواء والعواطف، وأخيراً وليس آخراً نرى السياسة مجالاً لا يتسع للاعتبارات الأخلاقية، ونظن أن قيم الحضارة الغربية مادية بامتياز، إلخ.

وأظن وقد أكون مخطئًا أن كوادر وأعضاء جماعة السياسة الخارجية المصرية، التى يتسم مقاربتها للأمور بالانضباط الشديد والوطنية الصلبة، تفترض فى نظرائهم الغربيين انضباطاً مماثلاً.

أسوق أمثلة، فى مجالس سمعت من يقول إن الرهان الغربى على الإخوان يفسر كالآتي، فهم الغرب أنه لن يستطيع القضاء على الحركات المسماة بالجهادية، فرسم خططا ماكرة ترمى إلى دفع تلك الحركات إلى تغيير أهدافها، وإلى صرف أنظارها عن الدول الغربية، ليكون هجومها على الدول والأنظمة والشعوب فى البلاد العربية والإسلامية، أو على الدول مثل روسيا التى تعادى الغرب… وهناك تنويعات، مثلًا رأى البعض أن الرهان على الإخوان استهدف دفع الجهاديين إلى مغادرة أفغانستان وباكستان، والقتال ضد القوات الأمريكية والعودة إلى العالم العربى…

ويميل أغلبنا إلى عدم تصديق من يقول إن نخباً غربية اعتقدت فعلًا أن التأسلم تيار ديمقراطى سيشرف على تحول ديمقراطى فى العالم العربي. ويبحثون عن تفسير آخر كما أسلفنا.

قبل أن نمضى قدما، هناك تحديد واجب. لا توجد مدرسة غربية واحدة بل مدارس، والنقاش بينها محتدم، وهناك جماعات سياسة خارجية تضم بين أعضائها أناساً شديدى الكفاءة عميقى الفهم، وتتابع بجدية تطور العالم. قد يكونون أغلبية وقد يكونون أقلية، ولكن الجماعة ملزمة بطاعة الرئيس المنتخب، وهذا الرئيس ليس منها إلا نادرا، وتصوراته عن السياسة الخارجية ساذجة، والسياسة الداخلية عنده أهم.

ومع اختلاف الوضع من رئيس إلى آخر، يشترك الجميع فى تحديد سقف مرتفع لأهداف السياسة الخارجية مع تقليل الموارد المتاحة لتمويلها.