خواطر مواطن مهموم 65

توفيق اكليمندوس

10:04 ص, الأحد, 22 نوفمبر 20

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:04 ص, الأحد, 22 نوفمبر 20

نخب جاهلة؟ (1)

قلت، الأسبوع الماضى، إن الأنظمة الغربية أنظمة مختلطة تجمع بين مكونات «ملكية» و«نخبوية» أوليجاركية و«ديمقراطية»، وأن المكون النخبوى الأوليجاركى يتمدد على حساب الآخرين – فهو يقول إنه يفهم مقتضيات وأسس الاقتصاد الُمعولم، وأصول الإدارة العلمية والأخلاقية والقانونية للملفات، وأن أى خروج على قواعد العلم والاقتصاد والقانون يلقى عقابًا صارمًا من الهيئات الدولية ومن القوى المالية العالمية.

وبمعنى آخر فإن القرار السياسى – سواء صدر من الشعب أم من فرد أم من مجموعة صغيرة- أصبح مقيدًا. القيود ليست خيرًا كلها ولا شرًا كلها. كون الرئيس ترامب فشل فى تنفيذ بعض قراراته ووعوده ليس أمرًا سيئًا. المشكلة الرئيسة طبعًا هى أن قواعد الاقتصاد الرأسمالى أضرت ضررًا جسيمًا بقطاعات كبيرة جدا من الشعوب، وعمقت القطيعة بين المستفيدين من العولمة وغيرهم، وأن انطباع الخاسرين المبرر هو أن النخب لا تستمع إليهم.

وأقول مقتبسًا، بتصرف وتعديلات، أفكار غيرى (الفيلسوف الفرنسى مارسيل جوشيه وصديقى الصدوق جيل دولانوا) إن أعداد الخاسرين من العولمة أكبر بكثير مما تُظهره الأرقام. مثال سيوضح تلك النقطة. فلنقل إن ابناً من أبناء الطبقات الوسطى مخير بين 40 ساعة عمل فى الأسبوع، وثلاثة أسابيع إجازة سنوية مع راتب شهرى يساوى عشرين ألف جنيه من ناحية، و65 ساعة عمل فى الأسبوع، وأسبوع إجازة سنوية وراتب شهرى يساوى 23 ألف جنيه. لسنا متأكدين أنه سيختار الحل الثانى إن كان مخيراً. فى ظل العولمة لا خيار له. إن لم يقبل هذا الحل الثانى سيخسر وظيفته، وقد يتسبب فى قرار نقل المصنع إلى محافظة أو دولة أخرى. ومن ناحية أخرى قد يخسر وظيفته نتيجة التطور التكنولوجى. باختصار العولمة مصدر أرق وقلق وصدمات، حتى بالنسبة لأعداد كبيرة من المستفيدين منها «موضوعيا» والمتضررين منها نفسيا.

لن أطيل فالفكرة واضحة. أنتقل إلى نقطة أخرى. النخبة والطبقات الميسورة لا تستمع إلى أنين الخاسرين من العولمة. بعضهم مدرك لوجود قطاعات كبيرة متضررة. ولكنه يرى أن سنة الرأسمالية هى سنة الحياة، وأن العلم يفرض هذا الوضع. ويبرره أخلاقيا قائلًا إن العولمة انفتاح على الآخر وقبول له ولفكرة أن هذا الآخر قد يكون متفوقًا عليك فى مجالات كثيرة. وأن مصلحة الجميع تقتضى قبول هذه القواعد. وطبعًا لا يتساءل… كيف نقيم مصلحة عامة تتجاهل مصالح ثلث أو ثلثى الشعب؟ لا أقول إن المصلحة العامة لم تعد مصلحة عامة، بل أقول إنها تفقد شرعيتها عند الكثيرين، وأن الحجة الرئيسة – البديل أسوأ- لا تقنع من يعانى كثيرًا على المدى الطويل. وأقول إن «ديمقراطية» لا تعير اهتماما لمشكلات ثلث أو ثلثى شعبها وتتذرع فى ذلك بالعلم والأخلاق، ليست ديمقراطية. وكونها لا تعترف بذلك يزيد الاحتقان.

ناقشت كلام فصائل النخب التى تدرك أن هناك مشكلة. ولكن فصائل أخرى من النخب تعانى نرجسية قد تصل إلى حد التفاهة وتتميز عن غيرها بكون صوتها عالى ومضراًّ. فهى ترى وتقول إن الخاسر من العولمة يلقى مسئولية فشله على غيره لأنه كسول وعنصرى ومتعصب وفيه كل الخصال السيئة. ولا شك أن هناك من يستحق هذا الوصف. ولكن الخاسرين ليسوا كلهم كذلك. والسؤال الذى لا يخطر على بال أغبياء المستفيدين هو…. لماذا تفضل قطاعات شعبية واسعة انتخاباً شعبوياً «قذراً» على نخبوى «جميل»؟ لو رد أحدهم قائلًا لأن الشعب قذر سيضطر إلى قبول مقولة إن الديمقراطية لم تعد نظامًا صالحًا. ولن يفعلها لأنه ليبرالى. سيلجأ إلى رد آخر… لأن الشعب جاهل ويجب تلقينه… غير مدرك أن المستضعف لا يسمع للفرفور.

والمشكلة أن النخب جاهلة وأن معرفتها وفرضيات تفكيرها فاسدة.

يتبع

  • أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية