خواطر مواطن مهموم (60)

خواطر مواطن مهموم (60)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:45 ص, الأحد, 25 أكتوبر 20

عن مسئولية الباحث والخبير السياسى

انشغلت بملف علاقة فرنسا بالإسلام السياسى أى بالتطرف وبتداعيات جريمة ذبح مدرس تاريخ. لا أريد تقديم عرض شامل للموضوع بل بعض الخواطر حول جمل قالها الكثيرون من قادة الرأى وأصحاب الصوت المسموع والإعلاميين… لم نكن نعرف… كنا فى منتهى السذاجة…لم نر لأننا لم نكن نريد أن نرى ما كان واضحًا…

هذا التشخيص بعضه خطأ، وبعضه صواب، ظاهرة الإرهاب معروفة منذ عقود وتصدرت الأولويات منذ 11 سبتمبر وأصبحت واقعًا معيشا فى فرنسا العقد الماضى. ما هو جديد هذه المرة هو إدراك وجود بيئة حاضنة واكتشاف مسئولية دور بعض الجماعات التى تدعي الوسطية والاعتدال والسلمية فى إيجاد جو كراهية يكون فيه القتل مشروعًا بل مطلوبًا، واستعداد مراهقين لتقديم يد العون للقاتل. وطبعًا زاد الطين بلة كون الضحية من موظفى الدولة ومن المعلمين فى المدارس، أى أنه ينتمى إلى فئة تعمل فى ظروف صعبة وتؤدى مهمة مقدسة مقابل قروش.

عند أى عملية إرهابية تنتابنى مشاعر غضب غير عقلانية ضد عرابى الإرهاب فى الجامعات، وضد كبيرهم خاصة. وأكتم ما فى قلبى لأن الكراهية مستشارة سوء فى أغلب الأحوال. وأنتظر عودة النفس إلى الهدوء. قلت مرارًا رأيى فيه لطلاب وزملاء… كلام فلان تمجيد للجرائم وللعنف. وفى مؤلفاته جمل لا يمكن التسامح معها،

الجديد هذه المرة أننى فوجئت بهجوم كاسح عليه وعلى باقى عرابى الإرهاب فى مواقع الاتصال الاجتماعية، شارك فيه متخصصون وإعلاميون وأفراد عاديون. قبل أن أخوض فى موضوعى أشير إلى الضجة التى تسببت فيها عضوة بارزة فى قوة سياسية تحالفت مع التأسلم السياسي، هى أدانت الغضب الشعبى العارم ضد التأسلم وقالت «واضح أن الشعب فَقَد رأسه» أى رشده أو عقله… ورد عليها الآلاف… «يا (شتائم)… المدرس هو الذى فَقَد رأسه». أشير إلى هذه الواقعة قليلة الأهمية للتدليل على عصبية النقاش وانحطاط مستوى الجدل وعلى غياب المهارات السياسية للكوادر.

لا أريد أن أشترك فى الحملة ضد العراب الكبير ولا تقييم الاتهامات التى طالت شخصه وأخلاقه وطبيعة شبكة علاقاته. أكتفى بالقول إننى سىء الظن به وبأعماله لأسباب علمية وأخلاقية. سأتناول الموضوع من جانب واحد. فى ردوده وفى ما ينشره على صفحات التواصل يقول العراب كلاما مفاده إن كل من يعبر عن غضبه وكل من يبث خطاب كراهية ضد المتأسلمين، سواء كان الكلام علميا أو انطباعيا يمهد «موضوعيا» لجريمة أو مجزرة شنعاء ستستهدف المسلمين، ومن ثم سيكون مشاركا فيها لأنه أسهم فى خلق جو يسهل مهمة العنصريين… وأستطيع أن أضيف حجة يلجأ إليها غيره من فريقه… كل من يقول رأيه فى المتأسلمين يدعم بقصد أو دون قصد فرص اليمين المتطرف فى الانتخابات المقبلة.

نستطيع طبعًا أن نسخر من هذا الكلام ونقول أنه حيلة سخيفة عفا عليها الزمن وأنه لن يجدى هذه المرة… ولكنه يطرح قضية مهمة تتعلق بمسئولية الباحث والعالم السياسى، وقضية أخرى تتعلق بحرية التعبير. نعم فى شق منه هذا الكلام يثير الشفقة. باحث أمضى حياته فى تبرير جرائم شنعاء حدثت فعلًا والترويج للمشروع الذى تسبب فيها وفى تمجيد العنف مفترضا فيه الثورية ومصدقًا كل أكاذيب أصحاب هذا المشروع… هذا الباحث يريد إسكات خصومه لأن كلامهم «قد» يتسبب فى جريمة لم تحدث بعد ويتهمهم بعدم الإحساس بالمسئولية وبعدم العلمية وبالانحطاط الأخلاقى…

باختصار نستطيع أن نقول إن المعايير التى يلجأ إليها لشيطنة خصومه ولإسكاتهم تدينه وتجعله كبير المجرمين الأكاديميين وإمامهم. ولكن السؤال المطروح عن مسئولية من يتكلم يستحق معالجة جادة نحاول الخوض فيها الأسبوع المقبل.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية