خواطر مواطن مهموم 45

توفيق اكليمندوس

12:51 م, الأحد, 5 يوليو 20

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

12:51 م, الأحد, 5 يوليو 20

أترك مؤقتاً القضايا المتعلقة بمفهوم القيادة السياسية وأخصص هذه المقالة للأوضاع فى فرنسا

عين الرئيس ماكرون رئيساً جديدًا للوزارة وهو السيد كاستكس، وهو شخصية تحترمها دوائر النخبة ولا يعرفها الجمهور. وتعددت الاجتهادات لتفسير خروج إدوارد فيليب، أغلبها نسبه لشعبيته الكبيرة، ولا سيما إن قورنت بشعبية الرئيس التى تتراجع بشدة.

فيليب أدار أزمة الكوفيد بكفاءة، على عكس ما حدث أيام السترات الصفراء، ووفق فى كل ما قاله للرأى العام، على عكس رئيسه الذى بدا متخبطاً مكثرًا فى الكلام غير مقنع. قد يكون فى الأمر نوع من الظلم… الرئيس أصاب فى قرارات، وأخطأ فى غيرها، شأنه شأن فيليب، ولكن التوفيق خانه فى كل ما قاله للجمهور. وبدت شخصية فيليب قوية صلبة، واثقة وحذرة فى آن واحد، لا تجد حرجًا فى الاعتراف بالخطأ، مدققا فى كلامه لا ينتقل من شعار إلى آخر.

المقارنة بين أداء الرجلين مهمة، ومسألة مستقبل فيليب السياسى مهمة – هل يرشح نفسه للرئاسة أم لا – ، ولكننا سنقدم هنا رئيس الحكومة الجديد وبعض التحديات التى تنتظره…

الرجل آتٍ من صفوف اليمين، فهو كان من رجال الرئيس السابق ساركوزي، وبالمناسبة علاقات ماكرون وساركوزى ممتازة ويتشاورون دائماً فى كل القضايا، منها – تركيا- ومن معاونى وزير العمل السابق جزافيه برتراند الذى يفكر فى الترشح للرئاسة فى الانتخابات المقبلة، وعمله فى وزارة العمل مكّنه من بناء علاقات متينة مع النقابات العمالية، وستكون قدرته على الحوار معها ورقة مهمة ولكنها غير كافية لمواجهة الاحتجاجات المتوقعة فى الخريف المقبل عندما تبدأ مرحلة تسريح العمال إثر توابع الأزمة الاقتصادية العاصفة التى ستتعرض لها أوروبا وغيرها.

فاجأ اختيار رجل ينتمى إلى اليمين، الإعلام، الذى كان يتوقع من الرئيس مخاطبة ود حزب الخضر الذى حقق نجاحات فى الانتخابات البلدية، ولكننى لم أفاجأ، والفضل يعود إلى بعض الأصدقاء العالمين بما يجرى فى الكواليس تحدثت معهم، الأسبوع الماضى.

قالوا إن الإعلام يبالغ فى تقييم نجاح الخضر، فما زالوا يعتمدون على شباب الطبقات الوسطى والميسورة فى المدن الكبرى، المائلين إلى اليسار المعتدل… وعاجزين عن توسيع قاعدتهم الانتخابية… ونتائجهم تلفت النظر لأنها تتحقق فى المدن الكبرى، ولكنهم لا يخترقون المدن المتوسطة الحجم والريف الذين بقوا فى قبضة اليمين والاشتراكيين، والأهم من هذا أن عيب الخضر الرئيسى هو ضعفهم فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى وبآليات ومنطق ومقتضيات عمل الوزارات السيادية… لا يمنع الناخب من التصويت لهم فى انتخابات مثل الانتخابات الأوروبية أو المحلية… ولكن الوضع سيتغير جذريا فى الانتخابات الرئاسية.

وبناء على هذا ستكون استراتيجية الرئيس قائمة على «سرقة» أكبر عدد ممكن من أفكار الخضر التى لا تعرض أمن البلاد للخطر، مع التركيز على إبراز مساوئ «سذاجتهم» الأمنية والجيوسياسية. وبعد الهجمات الإرهابية وتدهور الوضع الأمنى الداخلى واحتقان الوضع مع تركيا، أصبح الأمن من القضايا الرئيسية التى تهم المواطن الفرنسى. سيولى الرئيس اهتمامًا بالقضايا البيئية ولكن هدف هذا سيكون إضعاف الخضر لا تقويتهم.

لكاستكس مميزات كبرى غير قدرته على الحوار ولهجته الريفية، وهى مميزات حُرم منها أغلب فريق ماكرون، هو موظف كبير من خريجى المدرسة القومية للإدارة، ملم إلمامًا نادرًا بأركان وكواليس الدولة وأساليب عملها ومنطقها… ماكرون خريج المدرسة نفسها ولكنه قضى حياته المهنية فى البنوك والقطاع الخاص لا فى الجهاز البيروقراطي، وكاستكس يجمع بين الرؤية الشاملة والحس العملى والإلمام بالملفات… وتخصصه الرئيسى المنظومة الصحية، وكيفية إصلاحها وهو موضوع الساعة… ومن ناحية أخرى هو ابن المدن الصغيرة والريف. لم ينتظر اندلاع أزمة السترات الصفراء ليكتشف حجم معاناتها.

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

12:51 م, الأحد, 5 يوليو 20