خواطر مواطن مهموم 37

توفيق اكليمندوس

9:54 ص, الأحد, 3 مايو 20

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

9:54 ص, الأحد, 3 مايو 20

عندما أتكلم عن بلد لم أعش فيها لا أقدم تحليلا سياسيا عنها إلا لو سمعت ما يشبهه على لسان أحد العارفين من ناحية، وكنت قارئا لإنتاجها الفكرى والدينى من ناحية أخرى. وطبعا هناك استثناءات أهمها الصين وتركيا. أتكلم عن الأولى لأهميتها ولأننى متابع أخبارها وعن الثانية لأننى أرى قائدها متأثرا جدا بالمقولات الإخوانية ومشتركا مع الإخوان فى العقلية والعواطف.

أواصل الآن كلامى عن ترامب متناولا رأى خصومه فيه، فهم يقولون أولا إنه كشخص غير مؤهل لتولى رئاسة الجمهورية، ويقولون ثانيا إن برنامجه السياسى غبى والتصورات الحاكمة لسياساته تافهة ومضرة للولايات المتحدة ولكل البشرية.

وبصفة عامة يميلون إلى التصور أنه لا مفر من الاختيار بين منهجين لا ثالث لهما، إما العمل فى إطار قواعد ومعايير نظام دولى له قوانين تحكم التفاعلات بين الدول والسعى إلى ترسيخ تلك القواعد… وإما البلطجة. ويقولون إن ترامب اختار طريق البلطجة.

ويضيفون أن الولايات المتحدة هى القائدة والقدوة، وهى التى بنت النظام العالمى بعد عام 1945 وإن اختارت طريق البلطجة كما يفعل ترامب فإنها ستشجع غيرها على انتهاج نفس الطريق وهذا سيضر قطعا بمصالح أمريكا.

ويعرف القارئ إننى لا أؤمن بعدم وجود طريق ثالث…وإننى لا أرى فى أطروحات الليبراليين روشتة صالحة فى كل مكان وزمان وملف. وإننى مستاء من عجزهم عن الاعتراف بأن قواعد النظام الدولى بها عوار وقدرا من الظلم، وبوجود مصالح وخطط عمل غير مصالحهم وخطط عملهم وبأن «الآخر» غير الليبرالى ليس دائما بلطجيا. وأراهم غير منتبهين إلى إمكان رد تهمة البلطجة إليهم نظرا لبعض سلوكياتهم.

نعود إلى ترامب، ما يقال عن كونه غير مؤهل ليكون رئيسا قد يكون صحيحا، فيبدو أنه فعلا شخصية نرجسية عدوانية، وأنه من السهل التأثير عليه بسيل من المديح، وأنه لا يعرف كيف يدير جهازا بيروقراطيا ولا دولة، وأن غضبه وتهوره وجهله تدفعه إلى ارتكاب أخطاء قاتلة، وأنه لا يقرأ ولا يستمع إلى الخبراء، ويعجز عن التركيز لفترات طويلة لا سيما إن كان الملف ليس فى قائمة أولوياته، وأنه بارع فى إطلاق الأكاذيب وفى تصديقها… وأن مقاربته للسياسة غير مهنية. علما طبعا بأن آخر تهمتين يمكن ردهما إلى الليبراليين وغيرهم، وأن النرجسية العدوانية قد تكون عونا فى السياسة.

لترامب خصال أخرى يراها خصومه عيوبا متأصلة فيه وقد لا تكون كذلك. بمعنى أنه قد يرى أن تصور الناس أنه سئ إلى هذه الدرجة يساعده على تحقيق أهدافه. أنا متأكد مثلا أن الرئيس ماكرون غير قادر على ضبط لسانه وتصريحاته وعلى إخفاء احتقاره لناس ويبدو ترامب كذلك وقد لا يكون ، هو يحب امتلاك زمام المبادرة فيدمن مفاجأة الناس، والحرص على أن يكون دائما متصدرا الأخبار قد يكون معبرا عن نرجسيته وقد يكون تكتيكا يحقق نتائج، من الواضح أنه يستمتع بتأثير تقلباته غير المتوقعة على الفرقاء ويرى فيها زرعا للخوف يضعف قدراتهم التفاوضية.

وطبعا المشكلة ليست فى قدرته المفترضة على تخويف الأعداء رغم مخاطر هذا المنهج… الجبن سيد الأخلاق ولكنه أيضا زارع للكراهية… المشكلة أن سلوكه يخيف قادة الدول الحليفة ورجال إدارته خوفا يؤدى إلى الشلل وإلى ذيوع النفاق الذليل وأحيانا أخرى إلى البحث عن بدائل غير التعاون مع الولايات المتحدة.

وعلى أى حال، حتى لو افترضنا أن شخص ترامب لا يصلح، هل يعنى هذا أن تصوراته السياسية خطأ كلها وأن نقده للمقاربة الليبرالية غير مبرر؟ وهل لترامب مشروع محدد أم هو يكتفى بمحاولة هدم ما صنعه الليبراليون؟ نحاول الرد فى المقالة التالية

أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية