لا أزعم أننى مطلع على كل ما تنتجه الصحافة ومراكز الفكر فيما يتعلق بالرئيس ترامب وإدارته. فعلى سبيل المثال لم اعد مطلعا على صحيفة الوول ستريت جورنال وهى من أكبر الصحف الأمريكية، بل هى مع النيويورك تايمز والواشنطن بوست والفايننشال تايمز الجرائد التى تضمن للإعلام الأنجلو ساكسوني-تفوقا ونفوذا وهيمنة مستمرين. ولم أقرأ كل الكتب التى تدرس شخصيته وأسلوبه وبرنامجه.
ولكن الواضح أن الخطاب الإعلامى الغالب يعاديه ويحاربه ويراه خطرا بالغا على بلده وعلى النظام العالمى، وينتقد كل خطواته أو أغلبها. طبعا هناك اختلافات فى تحليلات هذا الجمع، هناك من يرى أنه حادثة ستمر، ومن يرى على العكس أنه يمثل تيارا قويا داخل المجتمع الأمريكى، تيارا موجودا ولن يختفى ويمثل أقلية قوية تجمعت حول ترامب وستتجمع مجددا تحت قيادة شخصية أخرى إن اختفى هو من على الساحة، بينما أعداء تلك الأقلية منقسمين وسيظلون كذلك… بين وسطيين – جمهوريين وديمقراطيين- ومتطرفين. ولم يظهر إلى الآن فى صفوفهم شخصية لها كاريزما ترامب وقدرته على فرض نفسه.
ومن الجدير بالذكر أن ترامب انتخب رئيسا لأنه فاز بأكبر عدد من المندوبين… رغم أن كلينتون تفوقت عليه تفوقا واضحا فيما يتعلق بعدد أصوات الناخبين.
باختصار معسكر ترامب لا يشكل أغلبية فى الولايات المتحدة، بل هو أقلية قوية ومتماسكة. وقبل اندلاع أزمة اوباء كان الجدل يدور حول هذا التشخيص.
هل ما زال معسكر ترامب كذلك؟ من ناحية كان هناك من يرى أن حسن أدائه الاقتصادى سيدفع الكثير من الوسطيين الكارهين لشخصه لانتخابه مجددا، وكانوا يضيفون أن إدارة ترامب لم تواجه محنة كارثية كـ 11 سبتمبر أو كأزمة 2008… مع اختلاف حول دور الحظ ودور سياسة البلطجة فى هذا الوضع الخالى من المحن الكبرى. ونشير إلى أن أغلب من أرجع غياب الأزمات الكبرى إلى سياسة البلطجة التى أثارت الخوف قال أن فاتورة تلك السياسة ستظهر إن آجلا أم عاجلا.
ومن ناحية أخرى كان هناك من يرى أن وضع معسكر ترامب ليس جيدا كما يبدو…أولا قاعدته مكونة من تحالف هش وغير طبيعى جمع بين أنصار البيزنس والناخبين البيض المنتمين للشرائح الدنيا للطبقات الوسطى والفقيرة الكارهين للأجانب وللسود وللنخب وللمنظومة الأخلاقية السائدة فى المدن الكبرى التى يرونها منحلة وأخيرا لسخافات بعض أجنحة اليسار المتطرف المهيمن على فروع العلوم الاجتماعية فى الجامعات… ثانيا قد يخسر هذا المعسكر بعض أعضائه… قد تكون الخسارة صغيرة نسبيا ولكنها تكفى لقلب الموازين… فهناك ناخبين بيض يرون أن ترامب لم يحقق وعوده ولا يصدقون أن سبب فشله إفساد النخب لخططه… وهناك رجال أعمال يخشون تبعات سياسة الحروب التجارية.
وكان هناك جدل حول استراتيجية التصدى لترامب وحول قدرة الديمقراطيين على التقدم بمرشح يلم الشمل ويحوز على رضا الوسطيين واليساريين فى آن واحد. هل الحل هو التقدم بمرشح قادم من صفوف الوسط قادر على الحصول على أصوات من لا يحبون ترامب ولكنهم يرونه ناجحا فى الاقتصاد؟ الخطر فى هذا الخيار أنه قد يدفع ناخبى يسار الحزب إلى عدم المشاركة أو حتى إلى دعم ترامب…بمنطق أن النخب تكرهه. أما التقدم بمرشح قادم من صفوف اليسار فقد يدفع الوسطيين إلى عدم الانتخاب أو إلى تفضيل ترامب.
لا أستطيع حاليا أن أتحدث عن الأثار المحتملة للوباء. من الواضح أن الرئيس لم يدير الأزمة بكفاءة ولم يفهم خطورتها فى أول الأمر… ولكنه يقول أن التخبط كان سيد الموقف فى الأشهر الأولى فى كل دول العالم المتقدم. هذا ليس صحيحا على إطلاقه وليس كذبا مفضوحا.
توفيق اكليمندوس
أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية