طلب عضوية فى محور الشر
معالى الشيطان، تحية طيبة وبعد، أتشرف أنا، فلان، رئيس الدولة التى تعرفون مقامها، بالتقدم بطلب الالتحاق إلى محوركم الموقر، محور الشر العظيم الأصيل، وأعلن أننى على استعداد كامل لوضع إمكانياتى، وإمكانيات دولتى، وهى ليست قليلة، فى خدمة مشروعكم الخسيس العظيم، الذى لا أعلم عنه شيئًا، وأقسم يمين الولاء لكم وله، وأركع وأسجد لكم.
وأرجو بحث طلبى هذا وسِجلى فى الشر لتعرفوا أن انضمامى يقوى رصيدكم وقدرات محوركم. وإننى على استعداد تام للرد على أى استفسار، وعلى خوض أى اختبار، وعلى الالتحاق بأى معهد أو أى دورة تدريبية، رغم أننى أعرف أننى سأكون أكثر كفاءة من المدربين.
تأملوا مهاراتى وأفعالى، لا أحترم سوى أعضاء فريقكم، وإن تظاهرتُ أحيانًا بعكس هذا، وأتقن فنون النصب والخسة والخيانة، ونشاطى التخريبيّ مشهود له، لم أتدخل فى مجال إلا ونجحت فى إفساده، ولا توجد منظومة لم أسهم فى انهيارها، ولا يوجد قانون لم أنتهكه، ولا عِرض لم أقم بهتكه، ولا مقدَّس لم أتاجر به لأنزع عنه أى مصداقية، ولا أى نص دينى لم أخالفه. وأستأذنكم فى التفاخر بعفوى عن مجرمين، وبدعمى غزاة متوحشين، أزعم أن ظهور اليوميّ على وسائل الإعلام سبّب تدهورًا حادًّا فى الأحوال الصحية فى العالم، وأن إجراءاتى لعرقلة وإيقاف الجهود الإنسانية والمساعدات التنموية، ولإخصاء مؤسسات المعرفة، مِن شأنها تمكين فريقكم.
الكمال لكم يا معالى الشيطان، أعترف بأننى لم أنجح فى تمكين كل الحمير، ولا فى مكافأة كل المنافقين، ولا فى التغلب على كل متمسك بالمبادئ، وأن سِجلى فى القتل لم يرْقَ بعدُ إلى المستوى المطلوب، وأتوسل تسامحكم؛ لأننى أدّعى العمل من أجل السلام، لإفساد مفهومه، وليصبح استسلامًا، وهذا الادعاء يحد نوعًا ما من قدرتى على الإنجاز. ورغم هذا نجحت فى قصف أبرياء، وفى دعم من يستحسن هذا.
تعرفون كم أحتقر البشر، وكم أحب الجريمة وعالمها، ومهاراتى فى إذلال الناس، وفرحتى عندما تنتصرون.
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام
قرأ الشيطان الرسالة، ابتسم، لكن الابتسامة ذهبت وجاءت الحيرة. واستدعى أعوانه وقرأ الرسالة، وأعرب عن اغتباطه وعن مخاوفه.
هذا المرشح، له من الإنجازات ما يستحق التقدير والثناء، وسرعة أدائه مثيرة للإعجاب، وموارد وقدرات بلاده حجة قوية لقبول عضويته فى فريقنا، لكننى غير متحمس للفكرة. حدْسى يقول لى إنه يريد الانخراط معنا للإطاحة بى، وسيقول إننى لم أُخضع البشرية إخضاعًا كاملًا إلى الآن، طبعًا أستطيع ضمه، آملًا أن يدفعه طموحه اللانهائى إلى الإجادة، وأقتله وأقوم بترحيله إلى جهنم عندما يقترب من هدفه.
لكن هناك مشكلة أخرى، هذا الرجل شديد الغباء، جهله شامل، تفاهته واضحة، الشر الفعال يجب أن يكون ذكيًّا، جذابًا، مذيبًا لعزيمة البشر، طيبين كانوا أم عاديين، معتمدًا على الترغيب قبل الترهيب. الشر يجب أن يكون جذابًا إلى أن يتمكن، لا يظهر منذ أول لحظة وجهنا القبيح. وعليه أن يحقق نجاحات مبهرة تقنع مَن لم يحسم موقفه بالانضواء تحت لواء كتائبي. هذا المرشح فاشل ومنفّر، وأيقظ الجميع، ويقوم دون قصد بتنبيههم إلى خطر خططى، حتى تجارتُه بالدين غير مقنعة، فهو عاجز عن ضبط سلوكه الشخصى ليبدو تقيًّا، هو عاجز عن إخفاء فساده الخلقي.
قال أحد معاونيه: لكنه نجح فى إقناع متدينين بالانضمام إليه، وفى تزييف وعى قطاعات كبيرة من العامة.
وقال آخر: وفى المقابل، قد ينجح فى دفع الأخيار إلى الوحدة والتكتل ضده وضدنا.
وقال الشيطان: هذا حقيقى، لكن للصورة وجهًا آخر، ضرورات مقاومة هذا الغبى ستُنسى الناس أنهم حاملو الشر فى أعماقهم، كما هم حاملون أيضًا للخير. والعمل على تحييد شره ستُنسى الناس ضرورة ترويض الذات وتنقيتها، الشر الأوضح يُنسى الشر الخفى، الذى نراهن عليه.
واستمر النقاش.
* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية