خواطر مواطن مهموم 279 تأملات فى السياسة الخارجية للرئيس بايدن

خواطر مواطن مهموم 279 تأملات فى السياسة الخارجية للرئيس بايدن
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:31 ص, الأحد, 2 فبراير 25

أنهيت المقال السابق بالإشارة إلى تحليل يرى أن الرئيس بايدن ظل أسير تصوراته ومدركاته التى تشكلت فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وأن هذا يفسر فشله فى التعامل مع ملفات أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. وصاحبة التحليل قالت تحديدا إن تصوراته عن إسرائيل وعن الاتحاد السوفيتي/ روسيا وعن كيفية التعامل معهما لم تعد تطابق الواقع.

أى صاحب حد أدنى من الثقافة التاريخية يعرف أن المجتمعات وثقافتها السياسية تتغير، ومدركات أى منا نتاج محيطه وتراكم تجارب وقراءات واحتكاكات، ونعم يبقى أغلبنا وربما كلنا أسرى مسلمات وفرضيات تشكلت فى يوم ما من مشوارنا فى الدنيا، وقدرتنا على نقدها وعلى تطويرها وتعديلها تختلف من شخص إلى آخر.

نعم روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، ويرى أغلب المحللين أنها أضعف بكثير من سلفها، لأسباب منها أن عدد سكانها أقل بكثير بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ومعدلات إنجابها كارثية، وفقدت وما زالت تفقد عددا كبيرا من الكفاءات، ولم تعد تتمتع بحلفاء أو أتباع مثل حلف وارسو، ولا بجيش كالجيش السوفيتي، واقتصادها أصغر من الاقتصاد الإيطالى (على سبيل المثال). الاتحاد السوفيتى كان قائدا وحاميا لمعسكر يضم عدة دول، أو يحتلها، ولم تعد روسيا تملك مثل هذا النفوذ، وهى فى طريقها لأن تتحول إلى تابع للصين. ونعلم كلنا أن الرئيس أوباما – فى تصريح من أغبى تصريحاته- قال إن روسيا “قوة إقليمية”. وهناك من يقول إنها مجرد محطة بنزين تملك جيشا.

هذا الكلام يستحق وقفة، لا شك أنه يشكل جانبا مهما من الصورة، ولكن هناك جانب آخر. من ناحية نجح الرئيس بوتين فى حل “المسألة الزراعية”، الاتحاد السوفيتى كان فاشلا فشلا ذريعا فى الزراعة، روسيا بوتين من كبار المصدرين، فى عدد من المجالات الإستراتيجية شديدة الأهمية ما زالت روسيا قوة عظمي، لها تأثير حاسم، منها الغاز والبترول والسلاح والسلع الغذائية والطاقة النووية. وأتصور أيضا أن الكلام عن ضعف جيشها يحتاج إلى تدقيق، الجيش السوفيتى لم يختبر بعد 1945 إلا فى أفغانستان – وفشل، شأنه شأن الجيش الأمريكى فى مرحلة لاحقة، الجيش الروسى ما زال صاحب ترسانة نووية هائلة، واكتسب خبرة قتالية عظيمة فى الحرب الجارية، وأثبت قدرة مثيرة للإعجاب على تطوير أدائه وعلى التعلم من أخطائه. نعم ما زال يعانى من نقاط ضعف مهمة، ونعم لم يستطع تحقيق أهدافه إلى الآن، ولكن هذا يعود إلى جنون أهداف القيادة السياسية وإلى مقاومة الأوكرانيين الباسلة. وأتصور أن الحديث عن خسارة روسيا لما يسمى “المعركة من أجل القلوب” سابق لأوانه على أحسن تقدير.

ويجب أن يضاف فى هذا الصدد أن الإستراتيجية الروسية وعقيدتها قبل حرب أوكرانيا قامت على تحاشى المواجهة العسكرية السافرة وعلى إتقان فنون الحروب الهجينة، وأن الاتحاد السوفيتى لم يتمتع أبدا بعلاقة وثيقة مع قوة عظمى كعلاقة روسيا مع الصين، نعم موازين القوة فى هذه العلاقة ليست فى صالح موسكو ولكن الصين صديق لا يمكن التقليل من وزنه وأهميته.

فيما يتعلق بموضوعنا اليوم السؤالان هما.. على فرض أن روسيا أضعف من الاتحاد السوفيتي، هل هذا يعنى أنها أقل خطرا على المصالح الأمريكية والغربية؟ كلنا نعلم أن الوحش الجريح شديد الخطورة، وعلى فرض قبول – شخصيا أقبل- مقولة سوء إدارة بايدن للملف، هل تعود أخطاؤه إلى تصورات ومدركات عفا عنها الزمن؟

أميل فيما يخص السؤال الأول إلى الرد بالإيجاب، روسيا أكثر عدوانية من الاتحاد السوفيتى فى مراحله الأخيرة، ومهما قيل فى الشيوعية وتصوراتها عن عالمية رسالتها وفى زعماء الاتحاد السوفيتى إلا أنه يجب الاعتراف بأن القيادة السوفيتية بعد ستالين كانت تعرف جسامة ويلات الحرب، ولا تريد تكرار تجربة الحروب الكبرى، وكان القرار السوفيتى جماعيا وليس فى يد شخص واحد.

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

10:31 ص, الأحد, 2 فبراير 25