خواطر مواطن مهموم 211

توفيق اكليمندوس

8:34 ص, الأحد, 8 أكتوبر 23

توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

8:34 ص, الأحد, 8 أكتوبر 23

إدارة الرئيس بوش وحرب البوسنة

على عكس ما روّجه البعض هنا وهناك ولقى قبولًا كبيرًا فى بلدنا ومنطقتنا، موقف الولايات المتحدة من حرب البوسنة لا يفسَّر بعدم الاكتراث بمصير شعب مسلم ولا بكراهية للإسلام ولا بانحياز لمسيحيين.

بدأ انهيار يوغسلافيا فى نهاية النصف الأول من سنة 91، أى بضعة أشهر بعد حرب تحرير الكويت، وهى حرب استوجبت حشد مئات الآلاف من الجنود، وفى بداية موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو ليس التوقيت المثالى لإرسال مئات الآلاف لشنّ حرب جديدة، مهما كانت عدالتها وضرورتها. ويلاحَظ أن المسرح العسكرى اليوغسلافى مختلف عن المسرح الكويتى العراقى وأَشبه بالمسرح اللبنانى – جبال تسهِّل مهمة الصرب.

وعلينا ألا ننسى الوضع الدولى والرعب من انهيار محتمل لروسيا يلى انهيارًا متوقعًا للاتحاد السوفيتى ومن اندلاع حروب بالغة الضراوة إن سعى شعب من الشعوب المكوِّنة للنسيج الروسى إلى الانفصال والاستقلال، ولم تكن المخاوف غير مبرَّرة – تذكّروا ما حدث بعد ذلك فى إقليم الشيشان. كان الرئيس بوش ومساعدوه مرعوبين من أن يؤدى تشجيع حركات انفصالية فى شرق أوروبا إلى انتشار عدوى الانفصالية وعودة تناحر شعوب ومِلل أوروبا الشرقية وروسيا، وهو «داء» تسبَّب فى الحرب العالمية الأولى.

وكان الرئيس بوش يخشى سقوط جورباتشوف، ولذلك كان حريصًا على عدم إضعافه وعلى تقديم أكبر قدر من المساعدات لحاكم موسكو، وكان الاتحاد السوفيتى يعترض بشدة على أى تدخل ضد الصرب ويحذّر منه. وصوّرت موسكو الأمر وكأن هذا التدخل سيشجع الانفصاليين عندها، وسيكون إهانة كبرى لها تدعم داخليًّا المتطرفين الشيوعيين والأرثوذكس المعارضين لتوجهات جورباشوف.

وكانت هناك معوقات أخرى، منها موقف رئيس الأركان كولين باول وقيادات الجيش. كانت ذكريات فيتنام ما زالت حاكمة لتصوراتهم، الكابوس بالنسبة لهم تسرع القيادة السياسية المدنية فى اتخاذ قرار الحرب، وإرسال فِرق كاملة، ثم التنصل من المسئولية، ولوم القيادات العسكرية إنْ تدهور الوضع وعجز الجيش عن حسم سريع للأمور. وكان باول يتعمد المبالغة فى تقدير حجم القوات المطلوبة لخوض حرب أو أخرى، وكان منطقه ضرورة اختبار صلابة عزيمة القائد السياسى. وهل يرى هذا القائد أن الحرب فعلًا ضرورية، وكان باول يرى أن واجبه الاعتراض على حرب إن لم تكن هناك إستراتيجية واضحة للانسحاب منها دون إهانات، إنْ ساء الوضع.

وكان هناك نقاش محتدم فى صفوف قيادات الجيش محوره… مَن حسم حرب تحرير الكويت… هل هو السلاح الجوى الذى دكّ بشراسة المواقع العراقية وشلّ الجيش العراقى، أم القوات البرية الموجودة على الأرض، وكان الرأى الغالب أيامها ويتفق وعقائد أغلب الجيوش أيامها أن لا نصر ممكن دون انخراط كثيف للقوات البرية، وكان هناك رأى آخر يطرحه بعض ضباط القوات الجوية؛ منهم جورج واردن مهندس قصف العراق، يذهب إلى إمكان إيقاف الصرب عند حدّهم بالقصف الجوى فقط، وكان أغلب القادة معترضين عليه ويقولون… ماذا لو لم يرتدع الصرب وارتكبوا مجازر فظيعة؟

فى الدوائر العليا الإدارة، كان هناك فاعلان على دراية ومعرفة عميقة بأحوال البلقان وبالشخصيات السياسية النافذة هناك. مستشار الرئيس للأمن القومى، الفريق برنت سكاوكروفت، ونائب وزير الخارجية لورانس إيجلبرجر، كلاهما خدم فى يوغسلافيا، وكان الثانى يتواصل منذ نهاية السبعينات مع سلوبودان ميلوزفيتش، وجد فيه أيامها شابًّا واعدًا لا تُعميه الأيديولوجيا الماركسية ويتمتع بقدر مذهل من الواقعية، لكن الواقعية تحولت فى الثمانينات إلى انتهازية والمحسوب على الماركسية بات ممثلًا لأبغض التيارات القومية. ورصد إيجلبرجر هذا، ودفعه مسار الزعيم الصربى وغيره من القادة فى مختلف الفصائل والملل إلى تشاؤم يائس مستسلم… الكارثة قادمة ولا سبيل لمنعها.

كان وزير الخارجية جيمس بيكر مشغولًا بإدارة ومتابعة ملفات أخرى، وزار مرة يوغسلافيا وحاول دفع الكل إلى التفاوض والتفاهم، وفشل.

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية