خواطر مواطن مهموم (131)

خواطر مواطن مهموم (131)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:24 ص, الأحد, 13 مارس 22

نحن، الرئيس بوتين، الغرب، أوكرانيا

كنت ناصريًّا، وما زلتُ أشعر بحنين واحترام عميقين للرئيس ناصر، وإن كنت بعدت عن المشروع الناصرى، فما زلت متمسكًا بالحُلم المؤسس لهذا المشروع، مجتمع لا فقراء فيه، نظام دولى لا إمبريالية فيه ولا ظلم.وما زلت مؤمنًا بأن الدولة المصرية- رغم عيوبها التى لا تُحصى- أكثر الفاعلين المصريين رشادة، وأن المؤسسة العسكرية أكثر الفاعلين إدراكًا لتبِعات تأخرنا وعجزنا عن الخروج من مثلث الفقر والجهل والمرض.

وأزعم أننى أعرف أوروبا وتراثها جيدًا، لا أقدِّسها ولا أُشَيطنها، أكنُّ احترامًا لبعض نخبها، وأحتقر البعض الآخر، أحب تنوعها وحيويتها الفكرية، مع استياء من خطابها ومن بعض ممارساتها ومن حالتها السياسية والعسكرية الحالية. وأعرف ماضيها الاستعمارى وضيق أفق أغلب نخبها السياسية الحالى. وإننى شديد الإعجاب بالمعجزة الروسية العلمية والفكرية والأدبية… إنجازاتها ما بين 1700 ويومنا. لا يمكن تخيل عالم دون مساهمة عمالقتها فى الأدب والموسيقى والاقتصاد والعلوم. هذا لا يمنع كون روسيا الحالية دولة تهدد الأمن العالمى وظالمة بامتياز.

انهالت على صفحاتى فى مواقع التواصل انتقاداتٌ مفادها الإعلام الغربى كاذب، الولايات المتحدة ارتكبت جرائم أكثر بشاعة، ولا سيما فى منطقتنا، لا تنس فلسطين والعراق، أوكرانيا دولة عميلة رئيسها يهودى، أو عملاء أمريكا أقنعوا أوكرانيا بانتهاج مسلك كارثى، أو أوكرانيا كانت تضطهد الأقلية الروسية وتستعد لنشر صواريخ نووية ولاستقبال جيوش الناتو وتصنع أسلحة بيولوجية وما إلى ذلك من تُهم منقولة من مقولات الدعاية الروسية. وهناك من يمجّد «معلمة» الرئيس بوتين ومهاراته السياسية المنسوبة إلى خلفيته المخابراتية.

للرئيس بوتين عدة خلفيات، وأزعم أنها تلعب دورًا أهمّ فى شخصيته من خلفيته المخابراتية، هو آتٍ من وسط تُقاس فيه الرجولة بالقدرة على الافتراء فى الظلم وإهانة الآخرين دون أية كلفة. ولن أزيد. كانت له مهارات سياسية تكتيكية، ولا سيما فى القدرة على انتهاز الفرص، وقد تكون ضعفت مع العزلة التى فرضها الكوفيد ومع رعب معاونيه الواضح من النقاش معه، أشك فى قدراته الإستراتيجية، وعلى العموم كان معروفًا أن أوكرانيا والبيلاروس ملفّان يتعامل معهما بوتين بالعاطفة والعصبية، وليس بالحساب.

لستُ من الذين يعتقدون أن تعريف الرئيس بوتين لأمن روسيا القومى هو التعريف المناسب، وطبعًا لا أعير اهتمامًا لتصورات الغربيين عن هذا الأمن القومى، ولكن دعُونا نسلّم جدلًا بسلامته، ونقارن بين السلوك الذى انتهجه الزعيم الروسى وبديل هو استمرار ممارسة الضغط على الغرب لانتزاع تنازلات وصيغة للأمن الجماعى أفضل لروسيا،

القادة الأوروبيون الذين تفاوضوا مع الزعيم الروسى يقولون إن مطالبه كانت عقد إذعان؛ إما تقبل كل شروطه أو ترفضها كلها، ومن بين شروطه العودة إلى وضع ما قبل 1997؛ أى طرد كل دول أوروبا الشرقية من الناتو… وهو طلبٌ لا يتقدم به إلا منتصر ظافر يريد إهانة المهزوم.

جملة اعتراضية، هناك من يكرر كلام الدعاية الروسية، ويبدى تعجبه من موقف دول أوروبا الشرقية من روسيا رغم «دورها فى تحريرهم من النازية»، ينسون أن الاتحاد السوفيتى احتلّ تلك الدول 35 سنة، وفرض عليها نظامًا شموليًّا من أبشع الأنظمة التى عرفتها البشرية، وقمعت ثورات الشعوب مرات ومرات، وفيما يتعلق ببولندا أكبر دول أوروبا الشرقية مع أوكرانيا، اتفق ستالين مع هتلر على اقتسامها فيما بينهما، وهذا الاتفاق هو الذى مكَّن النازية أو سهَّل حربها على بولندا، وفى ربيع 1940 ذبحت المخابرات السوفيتية أكثر من ستة آلاف ضابط بولندى، وستة عشر ألفًا من أعضاء النخبة المدنية البولندية، كانوا أسرى عندها؛ لأن أصولهم الطبقية كانت دليلًا دامغًا على معارضتهم للشيوعية. وظل الاتحاد السوفيتى عقودًا يحاول نسب هذه الجريمة إلى شريكها فى الإجرام ألمانيا النازية، إلى أن اعترف جورباتشوف بالحقيقة.

يتبع

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية