خواطر مواطن مهموم (130)

خواطر مواطن مهموم (130)
توفيق اكليمندوس

توفيق اكليمندوس

6:42 ص, الأحد, 6 مارس 22

دلالات الإعجاب بالرئيس بوتين

من الواضح أن نسبة المعجبين بالرئيس بوتين مرتفعة جدًّا فى أوساط المهتمين بالشأن العام فى مصر، ونظرًا لسجل الرئيس الروسى فإن الموضوع يحتاج إلى وقفة مراجعة؛ لأن هذا الإعجاب كاشف عن أساليب تفكير لها ما لها وهو قليل، وعليها ما عليها وهو كثير.

من ناحيةٍ هناك رفض للهيمنة الغربية، ورفض للنموذج الحضارى الغربى، وهذان الرفضان يمتزجان عند الكثير. وهناك من يرفض الهيمنة ويقبل النموذج٬ ومن يقبل الأولى بمنطق أنها حماية، ويرفض الثانى. وهناك من سيقول إننى أقيم تمييزًا بين الهيمنة والنموذج لا يمكن قبوله؛ لأن الاثنين توأمان لا ينفصلان، ولأن الحضارة الغربية- وفقًا لهم- عدوانية بالسليقة ولا يمكن فهمها إذا تجاهلنا عدوانيتها.

كل هذه المواقف تحتاج إلى تحليل عميق قد أكون عاجزًا عن القيام به٬ رغم خبرتى الطويلة نسبيًّا٬ ولكننى أود التركيز على بعض النقاط٬ أولاها أننى أؤمن بضرورة التصدى لهذه الهيمنة٬ ولكننى أرفض ذبح شعب بالكامل من أجل تحقيق هذا الهدف، ولا سيما أن هذا الشعب لم يكن من الظالمين. وعندما أتكلم عن التصدى لهذه الهيمنة، عليّ التفرقة بين القضاء عليها وترشيدها. لا أعرف إن كان قيامنا بترشيدها ممكنًا، ولكننى أعرف أن القضاء عليها حاليًّا هو تمكين ما هو فى الواقع أبشع منها. وهناك مفارقة فى الموقف الذى يقدّس حقنا فى مقاومة الهيمنة الغربية ويرفض مطلقًا حق أوكرانيا فى مقاومة هيمنةٍ تعانى هى منها وقتلت الملايين من أبناء شعبها فى القرن الماضى. يقول أصحاب هذا المذهب إن مقاومة أوكرانيا تقوِّى الهيمنة الغربية، ومن ثم (!!!) هى عميلة لهذه الهيمنة٬ ولا يرى أن مقاومته للهيمنة الغربية قد تكون ضحية اتهام من العيِّنة نفسها٬ وأضيف حجة من نوع آخر… آخِر فعلة للرئيس بوتين ستكون غالبًا إضعافًا كبيرًا للقوى المناوئة للهيمنة الغربية. فهى تُضعف الصين وتُعرقل خططها.

وعلى العموم، ما أعرفه أننا إنْ أردنا تقليل أو إلغاء الآثار الضارة للهيمنة الغربية علينا وعلى أشقائنا العرب٬ فعلينا تقوية أنفسنا٬ ويقتضى هذا فيما يقتضى ضبط الزيادة السكانية٬ وإصلاحًا شاملًا لمنظومة التعليم، وإحداث ثورة فى طريقة تفكيرنا٬ وتحقيق استقلال تكنولوجي٬ والمفارقة طبعًا أن الهدف الأخير يتطلب التعاون مع الغير. باختصار لا استقلال ممكنًا دون بناء وتقوية وتنمية٬ ما يتصوره المعجَبون بالرئيس الروسى هو أنه لا خلاص لنا إلا بتخريب الغرب، أو بتخريب الشرق والغرب٬ وأن عدد الضحايا لهذا الهدف «النبيل» لا يهمّ. بصراحة أعتقد أننا أكثر سموًّا ولا يصح أن ننحدر وننحطّ ونتمنى الخراب والفناء.

للإعجاب بالرئيس بوتين شِق آخر؛ وهو عبادة الرجل القوي٬ أو على الأقل الإعجاب به٬ وتصور ما لمقومات القوة٬ فى هذا التصور الرجل القوى هو الذى يُرعب من لا نحبهم٬ وهو الذى يدافع عن مصالح بلده دون أى اعتبار للقانون والأخلاق والقيود التى تفرضها الاعتبارات الإنسانية٬ وهو الذى يقود حملات عسكرية شرسة وناجحة٬ وتضمن خلفيته المخابراتية فهمًا ووعيًا بحقائق القوة.

أسارع وأشدد على إيمانى بأهمية وقدسية عمل المخابرات٬ ولا سيما فى ظل عولمة تنوع من مصادر التهديد وتعطى مزايا للقوى التى تسعى إلى الربح الرأسمالى دون أية مراعاة للصالح والأمن الوطنيين٬ مع توحش هذه العولمة ازدادت الحاجة إلى العمل المخابراتي٬ وأشدد أيضًا على أن أجهزة ورجال المخابرات ليسوا على شاكلة واحدة٬ لكل جهاز عقيدته وأساليب عمله٬ وأضيف أننى لا أظن أن الرئيس بوتين خير ممثل لمدرسة المخابرات الروسية٬ وعلى العموم ودون نفاق أفضِّل الرجل القوى الذى يركز على بناء بلده ويلتزم بضبط النفس فى أحْلك الظروف ولا يترك عواطفه تُعميه، بل يحسب بدقة ويدرك جسامة التخريب الذى تتسبب فيه الحروب.

أواصل معكم الأسبوع المقبل

* أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية