خماسية ثورية (2)

11:24 ص, الثلاثاء, 26 يناير 16

جريدة المال

المال - خاص

11:24 ص, الثلاثاء, 26 يناير 16

مثلت ثورة المصريين قبل خمسة أعوام.. لحظة تاريخية، فرض توقيتها.. تفاعلات معقدة، محلية وخارجية، إلا أنها سرعان ما باتت رمية من غير رام.. كون الجماهير «وقود الثورة» ومكوك أزماتها.. لا تؤسس للأوضاع الجديدة.. التى هى مهمة من يتحدثون باسمها.. لو أن لديهم ما يقولونه أو رتبوا إليه مبكرًا، ولينتقل المصريون مجدداً عبر متوالية زمنية طويلة.. من إحباط إلى إحباط آخر، يعجز التعبير اللغوى عن استحداث المصطلح المناسب لهذه الحالة من الإحباط المزمن، إذ من بعد عزل «الرئيس».. فرغت الميادين من شبابها.. ليخلو وجه الثورة لسياسيين من الهواة.. تناوبتهم حسابات خاطئة.. صورت لكل فريق منهم أنه صاحب الحق فى الثورة، وأن بإمكانه تحريض المصريين- متى شاء- للاحتشاد من جديد فى الشوارع والميادين، سعياً لإدراك أسباب الفشل والقصور التى صححته الموجة الثورية الثانية منتصف 2013.. وحيث شكلت فى ظل منظومة سياسية ومؤسساتية محكمة.. نقطة تحول فى تاريخ مصر الحديث، إيذاناً بتجديد حراك شباب وجماهير النضال التحررى ضد الشمولية، والرأسمالية الأوليجاركية المعاصرة، بحسب التحليل الماركسى الغربى لثورة يناير «الممتدة»، وهى التى استطاعت خلال عامين.. وفى ظل شعارها «سلمية سلمية».. أن تسقط اثنين من أعتى النظم السلطوية فى العالم العربى، ولتصبح أحياناً نموذجاً تستوحى بعض الدول الأخرى، بما فيها أميركا، أساليبها خصوصاً ضد «وول ستريت».. رمز الرأسمالية العالمية العاتية.

لقد أحدثت ثورة يناير التى لم تستكمل مقوماتها الرئيسية إلا بعد عامين من اندلاعها فى 2011، قطيعة تاريخية بين نظام تصدره منذ الخمسينيات.. عسكريون ليسوا بالقطع أفضل المدنيين، إلا فيما ندر، وبين بداية الانتقال إلى نظام ديمقراطى.. «لا ينضج بين عشية وضحاها»، بحسب الرئيس عند الاحتفال أمس الأول بذكرى «ثورة يناير».. التى ليس من الصحى بقاء الخلاف بشأنها قائماً بين كل من يقدسها- كونه اعتكف فحسب لأيام فى الميدان، ولا بأس بطبيعة الحال، وبين من يعتبرها مؤامرة حيكت بليل.. استدرجت إليها الجماهير فى غياب قيادات على مستوى تضحياتها، ربما لإسقاط الدولة على غرار ما سبقها أو لحق بها من دول أخرى فى العالم العربى، لا تزال تعانى إلى اليوم من الفوضى والدمار.

إلى ذلك، يذهب البعض إلى أن ثورة 2011 2013-.. تمثل- بلا مبالغة- تاريخاً فاصلاً بين عصرين ونظامين دوليين، على مستوى العالم، ما قبل الحرب الباردة وفيما أعقبها من اجتياح رياح الحرية لدول شمولية فى شرق أوروبا والعالم.. باستثناء الشرق الأوسط التى لحق بها بعد نحو عقدين مما يطلق عليه «الزمن العالمى»، أو سواء بالنسبة للتعاقب السريع فى أحداثها (..) أو بالنسبة للأدوار المختلفة للأطراف الفاعلة فيها سياسياً (..)، بحسب باحث الاجتماع الأبرز «سيد ياسين»، ذلك باعتبارها ثورة سياسية تعنى- ضمناً- بالانتقال من الشمولية إلى الديمقراطية، ومن الحداثة إلى ما بعد الحداثة (بما فى ذلك الفكر الديني)، وبالتوازى مع عصر السماوات المفتوحة وتدفق المعلومات والأفكار.. إلخ، وصولاً إلى قياس أصداء ثورة يناير على المستويين الإقليمى والعالمى.

خلاصة القول، إن تكرر عثرات ثورة يناير منذ 2011، إلى الآن.. يفضى إلى نشوء أزمة ليست غير مستحكمة.. إذ يتمثل الخروج منها.. التحدى الاستراتيجى فى المشهد السياسى المصرى.. للانطلاق من ثم إلى آفاق المستقبل الرحبة، حاملة شعلة الثورة التى ترمز إلى جسارة الشعوب فى تحطيم أغلال الشمولية.

جريدة المال

المال - خاص

11:24 ص, الثلاثاء, 26 يناير 16