استنادًا لتراجع معدلات التضخم وموجة «التيسير» العالمية
أبو باشا: كل المؤشرات تدفع فى اتجاه تقليص العائد بين 1 و%2
أيمن أبوهند: 65 % من محللى الشركة يتوقعون التخفيض مقابل %35 للتثبيت
رضوى السويفي: قراءة التضخم تعزز النزول فى اجتماع أغسطس أو سبتمبر
طارق متولي: خطوة ضرورية لتنشيط الاقتصاد وتخفيف أعباء الدين العام
مصدر بقطاع الخزانة: اضطرابات الأوضاع العالمية وعدم وضوحها يعززان قرار التثبيت
تترقب الأسواق المحلية بلهفٍ الاجتماعَ المقبل للجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى، المقرر انعقاده الخميس المقبل؛ لحسم توجهات أسعار الفائدة المحلية، وذلك نظرًا لعدد من المتغيرات المهمة؛ يتصدرها تسجيل معدلات التضخم بمصر أقل مستوياتها منذ 4 سنوات، وظهور موجة عالمية للتيسير النقدى بقيادة الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى الذى قرر، نهاية الشهر الماضي، تقليص الفائدة على الدولار بنحو 0.25 نقطة مئوية لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008، بالإضافة لاتخاذ القرار نفسه من جانب بعض الأسواق الناشئة، مثل المكسيك وتركيا.
ويحافظ البنك المركزى المصرى على أسعار الفائدة دون تغير منذ فبراير 2019 عند مستوى %15.75 للإيداع، و%16.75 للإقراض، وكان قد خفّضها 200 نقطة أساس خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة لذلك، مع السيطرة على معدلات التضخم التى تفاقمت عقب تعويم سعر الصرف.
ورغم التباين فى توقعات المحللين وخبراء الخزانة بالبنوك المحلية، فإن أغلب الآراء ترجح خفضًا بنحو %1 فى أسعار الفائدة، خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية، استنادًا لبعض المؤشرات التى يتصدرها هبوط معدلات التضخم لأقل مستوى منذ أغسطس 2015، وموجة التيسير النقدى العالمية.
أكد أصحاب هذا الاتجاه أن الوقت مناسب للهبوط بمعدلات الفائدة المستقبلية، لتشجيع النمو الاقتصادى والاستثمار وخفض عبء الدَّين المحلى الذى يكبِّد الموازنة العامة للدولة أكثر من 500 مليار جنيه، خلال العام المالى الحالي، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
بينما يرى المؤيدون لقرار تثبيت أسعار الفائدة أن مصر باتت متأثرة بالظروف العالمية أكثر من أى وقتٍ مضى، والوضع الحالى غير واضح بالمرة فى ظل الحرب التجارية الأمريكية الصينية، والاضطرابات فى هونج كونج، والتأثيرات السلبية المرتقبة على حركة التجارة العالمية.
وأشاروا إلى أن خفض الفائدة فى هذا التوقيت قد يُحدث موجة خروج لأموال الأجانب المستثمرة فى أدوات الدين الحكومية، وهو ما قد ينعكس بالسلب على سعر صرف الدولار فى ظل اعتماد مصر بشكل كبير على هذه الاستثمارات لدعم سوق صرف العملة، الفترة الماضية، موضحين أن سعر الدولار ارتفع بنحو قرشين ونصف القرش يومى الأربعاء والخميس الماضين، بعد خروج جزء من أموال الأجانب نتيجة التطورات العالمية السلبية.
وكشفت بيانات التضخم بنهاية يوليو الماضي، تراجع المعدل السنوى للتضخم الأساسي، الذى يصدره البنك المركزي، ليسجل %5.9 بنهاية يوليو الماضي، مقابل %6.4 بنهاية يونيو السابق عليه، وهو أقل مستوى منذ سبتمبر 2015 حيث سجل نحو %5.548 وهذه المؤشرات جاءت على عكس توقعات المحللين التى رأت أن التضخم العام والتضخم الأساسى سيرتفعان خلال يوليو بضغط من قرارات رفع أسعار الوقود والخدمات العامة.
وأشار البنك المركزى إلى أن الرقم القياسى الأساسى لأسعار المستهلكين سجل نحو %0.1 خلال يوليو 2019، مقابل %0.3 فى يونيو.
فى السياق نفسه أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن معدل التضخم السنوى لأسعار المستهلكين بالمدن المصرية هبط إلى %8.7 فى يوليو، مخالفًا لتوقعات المحللين ومسجلًا أدنى مستوياته منذ أغسطس 2015 عندما بلغ %7.9 نزولًا من %9.4 فى يونيو، بينما ارتفعت وتيرة ارتفاع أسعار المستهلكين فى المدن المصرية %1.1 فى يوليو، من %0.8 فى يونيو.
وتوقّع محمد أبو باشا، المحلل الاقتصادى لأسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقطاع البحوث بالمجموعة المالية هيرميس، قيام لجنة السياسة النقدية بخفض أسعار الفائدة بنسبة بين 1 و%2 مستفيدة من القراءة الأخيرة لأرقام معدلات التضخم، والتى هبطت لأقل مستوى منذ سبتمبر 2015، بالإضافة إلى موجة التيسير النقدى العالمية التى بدأها الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى من خلال خفض الفائدة على الدولار بنحو 0.25 نقطة مئوية، وتبِعه عدد من الأسواق الناشئة، منها المكسيك وتركيا وغيرهما.
وأشار البنك المركزى المصري، فى تحليله الشهري، إلى انخفاض المعدل السنوى للتضخم العام فى الحضر إلى %8.7 فى يوليو 2019، من %9.4 فى يونيو 2019، ليسجل أدنى معدل له منذ أغسطس 2015. وقد جاء ذلك الانخفاض مدعومًا باحتواء الضغوط التضخمية والتأثير الإيجابى لسنة الأساس، حيث إن إجراءات ضبط المالية العامة للدولة فى عام 2019 كانت أضعفَ من مثيلها فى عام 2018، فقد ارتفعت أسعار الوقود والكهرباء بمعدل بلغ %20.7 و%19.8 فى عام 2019، مقابل %42.7 و%26.9 فى عام 2018 على الترتيب. ومن ثم سجل المعدل الشهرى للتضخم العام %1.8 فى يوليو 2019، مقابل %2.4 فى يوليو 2018 .
وقال أبو باشا إن البنك المركزى يمتلك الآن مساحة كبيرة لخفض الفائدة، فالتضخم أقل من التوقعات، وهناك موجة عالمية لخفض الفائدة، وأسعار البترول مناسبة، مشيرًا إلى أن المخاوف بشأن خروج استثمارات الأجانب من أدوات الدين قد لا تكون حقيقية، خاصة مع قيام الأسواق الناشئة والمنافِسة لمصر بخفض الفائدة فعليًّا، كما أن تقليص العائد بنحو %1 لن يمثل أى قلق للمستثمر الأجنبي.
وأوضح نائب رئيس قسم البحوث الكلية لدى هيرميس، أن الحرب التجارية بين الصين وأمريكا وما قد يتبعها من ركود عالمى وتباطؤ لمعدلات النمو، يمكن أن تخلق نوعًا من المخاطر بشأن الاتجاهات المستقبلية لمعدلات التضخم المحلية فى المدى المتوسط، ومن ثم وتيرة خفض أسعار الفائدة والتى قد لا تتجاوز 100 إلى 200 نقطة أساس خلال الفترة المتبقية من العام الحالي.
وقال أيمن أبو هند، الخبير الاقتصادى والشريك المؤسس بشركة أدفيسبل ويلث إنجينز للاستثمارات المالية، إن %65 من محللى الشركة يرون أن البنك المركزى سيقوم بتخفيض أسعار الفائدة، خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل، مستندين إلى هبوط معدلات التضخم خلال يوليو المقبل، ونجاح البنك المركزى فى احتواء الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع أسعار المحروقات خلال يوليو الماضي.
وأيد المحللون رأيهم بأن البنك المركزى الأمريكى خفّض الفائدة بنحو %0.25 مؤخرًا، تبِعه فى ذلك العديد من الأسواق الناشئة، وهو ما يدفع البنك المركزى لاستئناف دورة التيسير النقدي، موضحين أن خفض الفائدة سيدعم خطة الدولة لتقليل معدلات عجز الموازنة وخفض عبء الدين العام الذى وصل لمعدلات قياسية.
ولفت إلى أن القائلين بخفض الفائدة يرون حاجة الدولة لضرورة دفع معدلات النمو الاقتصادى وتشجيع الاستثمار عقب نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي، مشيرًا إلى أن خفض الفائدة قد لا يؤثر على استثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومية.
بينما قال أبو هند إن %35 من المحللين يرون أن الأوضاع الاقتصادية العالمية والحرب التجارية الأمريكية الصينية تلقى بضبابية على الرؤية المستقبلية، ومن ثم من الضرورى تثبيت أسعار الفائدة فى مصر؛ تحسبًا لأى تقلبات مستقبلية.
وتابع: البنك المركزى الأمريكى أعلن أنه سيراجع أسعار الفائدة المستقبلية ولن يتردد فى زيادتها مرة أخرى فى حال اقتضت الظروف الاقتصادية، وهو ما يشير إلى احتمالية العودة مجددًا عن قرارات خفض الفائدة، وهذا الأمر دفع البعض لتأكيد ضرورة تثبيت أسعار الفائدة من قِبل البنك المركزى المصري؛ لأن الأمور فى مصر لا تتحمل خفض الفائدة ثم زيادتها مع حدوث أى متغيرات عالمية.
ونوّه بأن حلول موعد اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل وسط شهر أغسطس قبل أيام من دخول الربع الثالث من العام، وكذلك عدم وضوح الرؤية العالمية، دفع بعض المحللين للنزوع نحو التثبيت انتظارًا لما ستسفر عنه المتغيرات العالمية فى الربع الثالث من العام.
وقالت رضوى السويفي، رئيس قسم البحوث بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية، إن أرقام التضخم التى سجلت بنهاية يوليو الماضى أقلّ من التوقعات، وتدعم احتمالية خفض أسعار الفائدة الأساسية فى الربع الثالث من العام الحالي، إن لم يكن فى اجتماع لجنة السياسات النقدية الخميس المقبل.
وأشارت إلى أن معدل التضخم فى المدن سجل %1.8 خلال يوليو على أساس شهري، و%8.7 على أساس سنوي، وهو ما يقل عن التوقعات السابقة التى حددته عند %3.5 و%10 لافتة إلى أن سنة الأساس أحد أسباب هبوط التضخم عن التوقعات خلال الشهر الماضي.
ورجّحت السويفى أن يخفض البنك المركزى أسعار الفائدة بواقع %1 خلال الاجتماع المقبل أو الذى يليه يوم 26 سبتمبر.
وقال طارق متولي، نائب رئيس بنك بلوم السابق والخبير المصرفى، إن الأوضاع الحالية مهيّأة فى الوقت الحالى لخفض أسعار الفائدة، مشددًا على أن الخفض كان لا بد أن يأتى منذ شهور لتشجيع النمو الاقتصادي، فى ظل سيطرة البنك المركزى على معدلات التضخم.
وأشار إلى أن استمرار الفائدة المرتفعة يضر بالوضع الاقتصادى من خلال ارتفاع فوائد الدين وتكلفة الدين العام، موضحًا أن الأمر أصبح ضرورة فى ظل تراجع أسعار الفائدة الأمريكية واتجاه العديد من الأسواق الناشئة لخفض الفائدة.
وتوقّع مصدر بقطاع الخزانة لدى أحد البنوك الأجنبية أن يلجأ البنك المركزى لتثبيت أسعار الفائدة، خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية المقبل، رغم وجود مؤشرات عديدة تشير إلى احتمالية الخفض، موضحًا أن الظروف الاقتصادية العالمية ضبابية لأقصى درجة، وهو ما يستلزم من البنوك المركزية اتباع سياسات نقدية مستقرة.
ولفت إلى أن البورصات العالمية انخفضت بشكل كبير خلال الأيام الماضية، كما أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة لا تشير إلى انفراجة قريبة، بجانب التوترات فى هونج كونج، وتوقعات ركود حركة التجارة العالمية، لافتًا إلى أن كل هذه المؤشرات قد تدفع المستثمرين الأجانب للانسحاب من الأسواق الناشئة، ومنها مصر.
وأكد أنه عقب العودة من عطلة عيد الأضحى المبارك سحب الأجانب جزءًا من استثماراتهم فى أدوات الدين المحلية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الدولار بنحو 2.5 قرش خلال يومين فقط، وهذا الأمر يعطى مؤشرًا لاحتمالية حدوث موجة خروج من الأجانب من أدوات الدين المحلية إذا قرر البنك المركزى الهبوط بأسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل.
وتابع: رغم أن البنك المركزى الأمريكى خفّض الفائدة بواقع 0.25 نقطة مؤخرًا، تبِعه أسواق أخرى، منها تركيا، فإن الفائدة فى عدد من الأسواق الناشئة، ومنها تركيا، لا تزال أعلى من مصر، حيث تصل هناك لنحو %20 وهو ما يجعل الميزة التنافسية لصالح دول أخرى قد تدفع الأجانب للخروج من مصر بعد العودة التى بدأت منذ يناير الماضى.
وقال إن الأمر يتوقف على مدى استعداد مصر لتعويض مليارات الدولارات التى تشكل استثمارات الأجانب فى أدوات الدين من مصادر أخرى؛ حتى لا تؤثر على سعر صرف الدولار إذا تم سحبها.
وحول هبوط التضخم بنهاية يوليو الماضى وكونه أحد المؤشرات المهمة لتحديد سعر الفائدة، أشار المصدر إلى أن التضخم انخفض بدعم سنة الأساس، بجانب ارتفاع سعر الجنيه الذى حدّ من الزيادة فى أسعار السلع، لكن هناك احتمالًا أن يرتفع مرة أخرى مع نهاية العام الحالى بدعم سنة الأساس أيضًا، وإذا ما ارتفع سعر الدولار فى حالة خفض البنك المركزى لأسعار الفائدة.
وتطرَّق إلى عامل آخر قد ينظر له البنك المركزي؛ وهو شهادات قناة السويس التى يحين أجل استردادها بداية سبتمبر المقبل، ويرغب أصحابها فى استثمارها بأوعية أخرى ذات فائدة مرتفعة، بدلًا من خروجها للسوق وزيادة السيولة.
وحول ضرورة خفض الفائدة لتشجيع النمو الاقتصادى والسيطرة على عبء الدين المرتفع، أشار المصدر إلى أن عبء الدين سينخفض آجلًا أو عاجلًا مع انخفاض الفائدة لكن اختيار التوقيت المناسب سيكون له عامل كبير فى عدم الإضرار بالاقتصاد فى ظل وجود استثمارات أجانب بأدوات الدين بنحو 19 مليار دولار قد تهرب إذا تم خفض الفائدة فى الاجتماع المقبل.
وشدد على ضرورة سعى الدولة لتشجيع التصنيع المحلى وجذب المستثمرين الأجانب وتهيئة المناخ لهم لتقليل فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الأجنبية داخل الدولة ليقل الاعتماد على أموال الأجانب فى أدوات الدين.