فى سابقة كانت الأولى من نوعها تمكنت هيئة قناة السويس من تنفيذ أول عملية «إرشاد عن بعد» للسفينة الإيطالية «كوستا دياديما»أصاب فيروس كورونا عددا من طاقمها البحرى..«المال» تتبعت رحلة السفينة وكواليس تطبيق عملية الإرشاد الفريدة من نوعها بين الممرات البحرية منذ أول نداء لربانها للموانئ المصرية وحتى عبورها بسلام ممر القناة. إعداد – نادية سلام
محررة «المال» أجرت لقاءات حصرية مع كل من مدير إدارة التحركات وكبير المرشدين ورئيس مكتب الحركة لمعرفة ماذا حدث.. وإلى نص الحوارات.
فى البداية قال المهندس عصام ضبش، مدير إدارة التحركات: وصلت إشارة من مركز البحث والإنقاذ التابع للقوات المسلحة موجهة إلى هيئة قناة السويس ووزارة الصحة وهيئة موانئ البحر الأحمر تبلغ بأن هناك سفينة ركاب إيطالية قادمة من الإمارات ومتجهة إلى إيطاليا وستعبر قناة السويس وعليها ثلاث حالات مصابة بفيروس «كورونا المستجد بين طاقمها».
مدير إدارة التحركات: موانئ البحر الأحمر رفضت دخولها وتعاملنا معها كحالة إنسانية
وأوضح «ضبش» أن السفينة كانت متجهة إلى ميناء شرم الشيخ ولكن هيئة موانئ البحر الأحمر رفضت دخولها أى ميناء من موانئها تخوفا من انتقال العدوى، مشيرا إلى أن السفينة كانت خالية من ركابها الذين تم إنزالهم بدبى بالإمارات، وتبقى أفراد طاقمها وعددهم 1256 فردا.
وتابع «ضبش»: قبطان السفينة الإيطالى أرسل إشارة أخرى إلى هيئة قناه السويس يخاطبها بأن عدد المصابين ارتفع إلى 65 حالة “كورونا” وألحق بإشارته بيانا بأسماء المصابين وأعمارهم وحالتهم الصحية ودرجات الحرارة، وأنه تم عزلهم فى مستشفى السفينة.
وأضاف أن الهيئة تعاملت مع السفينة كحالة إنسانية وتمت مخاطبة الحجر الصحى بالسويس، لأن السفينة قادمة من جنوب القناة وطالبناه بالكشف عن السفينة وبيان حالتها تفصيليا، ولكنه أوصى الهيئة بعدم صعود أحد على متن السفينة أو النزول من طاقمها لمنع انتقال العدوى”.
عبور السفينة أمر ضروري
واستكمل “ضبش” أنه تمت دراسة حالة السفينة مع مكتب الحركة حيث أصبح عبورها أمراً ضرورياً، لأن بقاءها فى الغاطس لفترة سيؤدى إلى اضطرار ربانها إلى طلب وقود ومياه، مما يؤدى إلى التعامل مع الأفراد، بجانب الخوف من التعرض لحالات وفاة، مما استوجب عرض الأمر على رئيس قناة السويس.
وتابع أنه بعد مناقشات تمت الموافقة على اختيار سيناريو “إرشاد السفينة عن بعد” واتُخذ قرار بدخولها القناة فى اليوم التالى، وهو الموافق 23 مارس الساعة الرابعة فجرا من السويس قبل قافلة الجنوب بساعة واحدة.
وقال مدير إدارة التحركات: إن ربان المركب الإيطالية طالب بأدوية وأسطوانات أكسجين وبالفعل قام الحجر الصحى بنقلها للسفينة عن طريق إنزال سلة معقمة منها إلى لانش خاص بالحجر مرابط بجوار السفينة وتم وضع الاحتياجات الطبية فى تلك السلة التى أحضرها التوكيل الملاحى.
وأوضح أنه تقرر تطبيق الإرشاد عن بعد، مشيرا إلى أن تلك التجربة من الصعب تكرارها فى حالات مشابهة، لأن نسبة الأمان فى وجود المرشد أفضل كثيرا من التعامل عن بعد.
وتابع أن إدارة التحركات من أهم الإدارات فى قناة السويس وتضم المراقبة الملاحية وقسم “القياس” الذى يحدد العائدات بناء على الحمولات بجانب المراقبة الإلكترونية والمساعدات اللاسلكية والملاحية بنظام vtms المسؤول عن مراقبة وتأمين الملاحة بالقناة وهناك مركز”المحاكاة” المتخصص فى تدريب المرشدين على قيادة السفن العملاقة فى الظروف الجوية المختلفة .
تمت دراسة 3 سيناريوهات للتعامل مع السفينة
وعن تهيئة المجرى الملاحى للعملية أوضح القبطان عمرو فايز رئيس المراقبة: أنه تمت دراسة 3 سيناريوهات للتعامل مع السفينة، الأول نظام الإرشاد عن بعد، والثانى هو قطر وشد السفينة من خلال قاطرات الهيئة وذلك تم رفضه بسبب مناولة حبال الشد والتعامل مع أفرادها مما يمثل خطورة أخرى، لأنها سفينة كبيرة وأدوارها عديدة، بينما السيناريو الثالث وهو صعود المرشد بالملابس الواقية، وكان حلا مرفوضا تماما.
وقال مدير إدارة التحركات: بعد الموافقة على السيناريو الأول، تم تعيين ثلاثة من أكفأ المرشدين لقيادة ثلاث قاطرات وهى واحدة أمامية “بركة1” والثانية خلفية “مساعد 3” لمهمة الإرشاد، بينما الثالثة “مساعد5” تقدم الخدمات الملاحية ورباط السفن.
وأضاف أن السفينة كانت خارج حدود الميناء فى السويس والقاطرات صاحبتها فى رحلة عبور بلغت تسع ساعات دون توقف.
وتابع “فايز” إن الهيئة بحثت فى أكثر من اجتماع هل سيتم دخول السفينة أول قافلة الجنوب ولا آخر سفينة فى القافلة، ووقتها درسنا أنه لو حدث عطل مفاجئ فى أية مركب سيؤدى ذلك لربط “كوستا” على الضفة، مما سيتسبب فى الاحتكاك مع عمال الرباط، لذلك قررنا عمل برنامج عبور خاص لها ودخولها بفاصل زمنى “ساعة” يسبق موعد قافلة الجنوب.
وعن اختيار القاطرات أوضح “فايز” أنه تم اختيار القاطرة “بركة1” لما تتميز به من إمكانيات كالزجاج الذى يسمح برؤية السفينة الإيطالية من الخلف.
هناك فواصل زمنية بين السفن تختلف طبقا لنوعياتها
ولفت إلى أن هناك فواصل زمنية بين السفن تختلف طبقا لنوعياتها فلابد أن يكون هناك فاصل بنحو 10 دقائق بين السفينة والأخرى بينما الشاحنات العملاقة الوقت الزمنى بينها 18 دقيقة ، والتى تحمل شحنات خطرة أو ناقلات الوقود، ذات الغواطس الكبيرة يصل الفاصل الزمنى إلى 20 دقيقة .
وأوضح أن تلك الأوقات تحدد بناء على مواجهة الأعطال المفاجئة فى إحدى السفن بالقافلة، مما يعطى فرصة لها بأن تفرمل وتقف، مضيفا أن الفرملة تجذبها للخلف، وأن التوقف فى القناة يأخذ وقتا بعكس البحار المفتوحة.
وأشار إلى أن قناة السويس يعمل بها 330 مرشدا وأن هناك صعوبة فى تكرار نفس العملية، لأن الأمر استلزم تغيير برامج القوافل وكان استثنائيا .
كبير المرشدين: كانت مهمتى أن أشعره بأنه فى بحر مفتوح
وعن قيادة القاطرة “بركة” والتعامل مع قبطان “كوستا” عن بعد قال القبطان جلال غنيم، كبيرالمرشدين، لأول مرة تأخذ القناة هذا الإجراء، خاصة أن الربان الإيطالى اعتاد العمل فى المياه المفتوحة، وعبور الممرات الضيقة دون مرشد يمثل صعوبة عليه وكانت مهمتى أن أشعره بأنه فى بحر مفتوح.
وسرد غنيم حواره مع ربان “كوستا” قائلا: إنه قبيل بدء العملية، أكدت له أن هناك أساسيات لابد من التعامل بها قبل الإبحار أولا تنفيذ التعليمات دون تردد وبكل دقة، وثانيا الاتصال فورا فى حالة وجود أيه مشكلة، حتى لو استوجب الأمر الصعود إليه .
واستكمل حواره بسؤال الربان الإيطالى عن الأجهزة الملاحية بالمركب خاصة الرادار والبوصلة والتأكد أن قراءاتها صحيحة ودقيقة، سرعة المكاينات وعمل جهاز DPS ، حيث طالبته بأنه فى حالة حدوث مشكلة يصعب التعامل معها، وعليه تشغيل هذا الجهاز وسيتم الصعود له بالملابس الواقية.
وقال “غنيم”: بعد الاطمئنان على جميع الأجهزة الملاحية لديه التى تتواجد جميعها على نفس القاطرة “بركة” ، تم الاتفاق مع الربان الإيطالى على قناة أتصال لاسلكية واحدة للتواصل دون تدخل من أى محطة أخرى.
وشرح غنيم أن عملية الإرشاد بدأت منذ توجيه الربان بتعليمات وضع مركز السفينة فى وسط القناة بين الشمندورات- علامات إرشادية- وهو الوضع الصحيح للإبحار داخل القناة ومعه يظهر تأثير الرياح والتيارات المائية أثناء وجودها فى المنتصف.
وقال إن الخرائط سابقا كانت ورقية أما حاليا فهى إلكترونية حيث تم الاتفاق على خط سير إلكترونى للسفينة فى وسط القناة على شاشة الجهاز ECDIS بكابينتى القيادة للسفينة والقاطرة معا وبالفعل تم تحريكها على ذلك الخط المتفق عليه بينى وبين الربان الإيطالى.
كبير المرشدين: هدفنا الأول كان طمأنة الربان الإيطالى لأنه لم يعتد على الإبحار فى الممرات الضيقة
وتابع كبير المرشدين: “استطعنا أن نشعر الربان بأنه يبحر فى المياه المفتوحة كما اعتاد فى عمله، مضيفا أن وظيفتى فى تلك اللحظة هو مراقبة إبحار السفينة فى مسارها ومتابعة وجود أى انحراف للمركب من عدمه حتى أوجهها للمسار الصحيح”.
وقال غنيم: “منذ البداية كان يتم بث روح الطمأنينة فى الربان حتى تم الوصول بسلام خارج القناة إلى البحر المتوسط، وعند نهاية الرحلة قلت له مداعبا: المرة القادمة تبحر فى القناة وأنت مرشد، لأن قناة السويس منحتك رخصة الإرشاد، وضحك وشكرنى وواصل إبحاره إلى إيطاليا”.
وأضاف “غنيم” أن “الإرشاد عن بعد” يحدث لأول مرة فى قناه السويس، لافتا إلى أن الرياح كانت أكبر الصعاب التى واجهتنا، لأنه فى حالة زيادتها ستتحرك المركب بعيدا عن مسارها، مما يدفع الربان لمحاولة الرجوع إلى نقطة المنتصف وبالتالى سيزيد من سرعته أو يأخذ قرارا صعبا للغاية بالنسبة لقبطان اعتاد العمل فى بحار مفتوحة وهو أن يتحرك نحو جانب القناة ويجنح بالسفينة” .
وكشف غنيم أنه بالفعل زدات الرياح فى الكيلو 61 و51 ترقيم القناة وهى مناطق دورانات مما سهل حركة المركب دون مشاكل، ومر الأمر بسلام.
وعن وظيفة القاطرة “مساعد3” قال كبير المرشدين إنها خلفية للسفينة عملها هو التأكد من سير المركب فى منتصف القناة، بجانب أن السفينة بها حبل عريض ضخم متدلى منها، وفى الطورائ تقوم بشده كأنه “الدفة” وترجع المركب إلى خط السير الأساسى.
وكشف القبطان “غنيم” أنه لم يتردد لحظة عن الموافقة على مهمة الإرشاد عن بعد، لأنها مجازفة محسوبة -على حد تعبيره – موضحا أن السفينة “كوستا “ حديثة وأجهزتها الملاحية كاملة وذات غاطس أقل من 10 أمتار وعرض 37 مترا مما يسهل التعامل معها فى حالة الجنوج مثلا، ويسهل سحبها فى دقائق معدودة، بعكس ناقلات غاطسها أكثر من 18 مترا وعرض 60 مترا يصعب جدا التعامل معها بنظام “الإرشاد عن بعد” لأن أى غلطة تؤدى إلى الجنوح مما يستغرق ما يقرب من أسبوع لسحبها.
رئيس المراقبة: الصعود بالملابس الواقية كان أحد البدائل.. ورفضنا قطرها لمنع التعامل
وعن محطات الإرشاد، قال رئيس المراقبة إن هناك محطات مزودة بشاشات تعطى معلومات عن السفينة وقت عبور المركب عليها ويوجد 16 محطة مراقبة و15 كاميرا بطول المجرى الملاحى لتتبع حركه السفن.
وكشف عن الانتهاء من تحديث المنظومة الإلكترونية بخبرة فرنسية نهاية العام الحالى، بهدف تحقيق الأمان للسفن المارة عبر قناة السويس طبقا للتعليمات التى أصدرتها منظمة الملاحة الدولية .
ورصدت “المال” عمل مكتب الحركة بمبنى الإرشاد المركز الرئيسى لهيئة القناة، حيث كشف حازم يوسف: رئيس مراقبة الحركة أن مكتب مراقبة الحركة يضم 5 أفراد ورئيس الحركة وتعمل بنظام الورديات، وتتم متابعة كل السفن عن طريق شاشات مدون عليها جميع البيانات والسرعات والحمولات.
المرور بالقناة وفق خطة يومية لها شقان إدارى وتنظيمى وآخر ملاحى يحددها رئيس المراقبة
وقال “يوسف” إن المكتب ينظم المرور بالقناة وفق خطة يومية لها شقان إدارى وتنظيمى وآخر ملاحى يحددها رئيس المراقبة ومن خلال بيانات السفن القادمة من مكتبى السويس وبورسعيد وبالتالى يتم ترتيب قافلتى الشمال والجنوب طبقا للائحة العبور.
وأوضح أنه فى حال تأخر سفينة عن القافلة ساعة وتريد اللحاق بها تسدد %5 رسوما إضافية وساعتين تسدد %10 بينما أكثر من ذلك تغرم %12 بحد أقصى 42 ألف دولار.
وقال إن مكتب الحركة يخطط لقافلتى العبور قبلها بيوم، حيث يتم تحديد مواعيد الدخول واضعا فى الاعتبار المناطق المزدوجة بالقناة بطول 72 كيلومترا بدءا من منطقة «كبريت» حتى ”الكيلو 51” والتى تسمح بمرور المراكب فى الاتجاهين دون توقف وتحتاج عددا معينا من السفن.
وأضاف رئيس مراقبة الحركة أنه بعد تحديد أعداد السفن المتاحة والمواعيد يتم دخول قافلة الشمال إلى القناة فى الساعة الخامسة فجرا وبعدها قافلة الجنوب الخامسة والنصف صباحا حتى لا تتقابل القافلتان فى منطقة واحدة.
وقال إن السرعات الآمنة المسموح بها للسفن تصل إلى 16 كم/ ساعة للسفن العادية، بينما سرعة الناقلات العملاقة تصل إلى 14 كم / الساعة، مشيرا إلى أن تنظيم القوافل يتم بناء على أعداد المرشدين، لأن هناك مراكب تأخد مرشدا واحدا وأخرى تحتاج اثنين، والتى تصل حمولاتها فوق الـ60 ألف طن طبقا للائحة.
وقال يوسف إن هناك مراكب تحتاج قاطرات مصاحبة يقوم مكتب الحركة قبلها بيوم بالتنسيق مع رئيس المراقبة بوضع الخطة الملاحية، مشيرا إلى أن وظيفه الحركه الأخيرة هى متابعة السفن بعد عبورها لتقييم الخطة الموضوعة والتنفيذ الفعلى لها لتحديد أى انحرافات فى السرعات ويتم إصدار تقرير يومى بها.
فى حالة إبحار سفن بسرعة أبطأ من المحددة يتم تغريمها رسوما إضافية
وأوضح أنه فى حالة إبحار سفن بسرعة أبطأ من المحددة يتم تغريمها رسوما إضافية لأنها أربكت الخطة الموضوعة سلفا.
وقال يوسف إنه خلال الظروف الاستثنائية يصبح مكتب الحركة مقرا لإدارة الأزمات واتخاذ القرارات ويتم توفير فرق الإنقاذ والقاطرات المطلوبة وفقا لحجم المشكلة، بجانب تنظيم قوافل العبور حتى لا تتعطل فى اليوم التالى.
وقال إن القبطان محمد السيد كان متواجدا فى “وردية” أثناء عبور السفينة الإيطالية وكان يتم متابعتها من خلال متابعة المرشدين بالقاطرات، تحسبا لأى موقف من خلال أربعة أنظمة وهى: اتصالات لاسلكية مغلقة على هيئة القناة وحدها، ومتابعة رادارية ونظام AIS والكاميرات اللايف.
تعريف السفينة
هى «كوستا دياديما» سفينة سياحية إيطالية من فئة «الأحلام» تعمل بين البحر المتوسط /الخليج الفارسى، تكلفة بنائها بلغت 550 مليون يورو، بطول 306 أمتار وعرض 37 مترا وغاطس يبلغ 8 أمتار، بسعة 4000 راكب بجانب نحو 1253 عدد أفراد الطاقم وتبحر من دبى إلى سافونا بإيطاليا.
ما هو الإرشاد
الإرشاد فى قناة السويس يطبق إجباريا وفقا للائحة الملاحة، ويتم من خلال تعيين ثلاثة مرشدين لكل سفينة عابرة، حيث إن المرشد الأول يصعد السفينة من غاطس بورسعيد حتى وصولها أول القناة ثم يصعد الثانى لإرشادها من بداية القناة حتى الإسماعيلية، يليه الثالث من منطقة الإسماعيلية حتى السويس وخروجها من القناة والعكس.