اتخذت الحكومة خطوات جادة لتنمية قطاع التعدين، وتعظيم مساهمته فى الناتج القومى، لتصل إلى 7 مليارات دولار بحلول عام 2030.
وتسعى وزارة البترول والثروة المعدنية لاستغلال الثروات التعدينية بأفضل الطرق التكنولوجية العالمية، عبر جذب الشركات الأجنبية المتخصصة فى هذا المجال.
ومن هذا المنطلق بدأت الوزارة إعداد استراتيجية طموحة لتطوير وتحديث القطاع التعدينى بالتعاون مع بيت خبرة عالمى متخصص «وودماكينزى» لرفع مساهمته فى الناتج القومى، والتى لا تتعدى %0.5 رغم الإمكانيات التعدينية الكبيرة.
وأعلنت الوزارة أن استراتيجيتها تشمل عدة محاور، أبرزها تعديل قانون التعدين، وتحديث النظام المالى لجذب المستثمرين مع حفظ حقوق الدولة، وتعديل نظام التراخيص وتيسير الإجراءات، وإعادة تنظيم الاختصاصات بهيئة الثروة المعدنية، ووضع استراتيجيات تفصيلية لاستغلال الخامات المختلفة تراعى تعظيم القيمة المضافة، ورفع كفاءة الكوادر البشرية من خلال برنامج تدريبى متطور للعناصر الشابة، وتنفيذ استراتيجية للترويج للفرص الاستثمارية.
ووافقت اللجان المتخصصة بمجلس النواب، ومجلس الوزراء مؤخرًا، على تعديلات قانون الثروة المعدنية الجديد رقم 198 لسنة 2014.
وتستهدف التعديلات الجديدة جعل قطاع التعدين أكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية، ومواكبة التطورات التى شهدتها الممارسات الدولية فى مجال الاستثمار التعدينى، بما يضمن المساهمة فى جذب أفضل الشركات التعدينية إلى مصر.
وتركزت تعديلات القانون بشكل أساسى على تطوير النظام المالى وآلية منح تراخيص العمل التعدينى وتنظيم الاختصاصات ويشمل ذلك، تيسير الإجراءات وفصل تراخيص البحث عن الثروات المعدنية عن تراخيص استغلالها لإعطاء مزيد من المرونة فى جذب استثمارات للبحث والاستكشاف.
وبحسب التعديلات تم وضع حد أقصى للإتاوة التى تقوم الدولة بتحصيلها بنسبة %20 وبحد أدنى %5 وزيادة نسبة حصيلة المحافظات من الإتاوة من %1 إلى %6 للمساهمة فى التنمية المجتمعية.
فى البداية، أكد مصدر حكومى بقطاع الثروة المعدنية أن الحكومة بدأت تنفيذ حزمة إجراءات وخطوات جادة لجعل قطاع الثروة المعدنية أكثر جذبًا للاستثمارات المحلية والأجنبية، فى مجال البحث والاستكشاف عن الثروات التعدينية، خلال الفترة المقبلة.
700 مليون دولار استثمارات أجنبية مستهدفة
وتستهدف وزارة البترول الوصول بإسهامات قطاع التعدين فى الناتج القومى إلى 7 مليارات دولار بحلول 2030، وتوفير 110 آلاف فرصة عمل جديدة، وجذب استثمارات بقيمة 700 مليون دولار.
ولفت إلى أن غالبية دول العالم طورت مناخها التعدينى بما حفز أكبر الشركات على التوجه والاستثمار فيها، وهذا ما تعكف الحكومة المصرية على تنفيذه حاليا، فى إطار رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
وشدد على أن تعديلات قانون التعدين الأخيرة ستعمل على جذب أكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية والعربية للقطاع، وستعمل على تيسير كل الإجراءات اللازمة للبدء فى تنفيذ أى مشروع تعدينى.
ولفت المصدر إلى أن مصر تمتلك مقومات وثروات تعدينية تنافس بها أكبر الدول العالمية، فضلًا عن أن قطاع التعدين فى مصر يمتلك مزايا نسبية تشمل البنية التحتية والعمالة المدربة وشركات المقاولات المتخصصة وشبكات الطرق وانخفاض مصروفات التنفيذ والتشغيل مقارنة بدول أخرى أجنبية.
وأشار إلى أن مصر تزخر بثروات تعدينية متنوعة، ومن ضمنها خامات الذهب والفوسفات والحديد والمنجنيز، وأحجار الزينة كالجرانيت والرخام، بالإضافة إلى الأحجار الجيرية التى تمثل خامات أساسية لصناعة الأسمنت ومواد البناء.
غرف تجارية وشركات ومستثمرين يشاركون فى التعديلات الأخيرة
وعلى صعيد متصل، قال الدكتور تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات، إن التعديلات الأخيرة فى قانون التعدين تم وضعها بمشاركة كل الجهات المعنية والمستثمرين والغرف التجارية مع اللجنة الوزارية المختصة التى شكلها الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء.
ولفت إلى أن برنامج تطوير قطاع التعدين الذى تنفذه وزارة البترول حاليا، مستعينة ببيت الخبرة العالمى «وود ماكينزى» سابقة فى حد ذاتها ستحدث انتعاشة مرتقبة وملحوظة بمعدلات الاستثمارات بالقطاع خلال الفترة المقبلة.
وأكد أن البرنامج الذى تتبناه وزارة البترول وبدأت تنفيذه لتدريب العاملين بقطاع الثروة المعدنية وتطوير أدائهم للعمل فى ظل المنظومة الجديدة سيكون له بالغ الأثر فى تحقيق مستهدفات الحكومة فى تطوير قطاع التعدين.
وشدد أبو بكر على أن تعديلات القانون الأخيرة سترفع من قيمة العوائد التى يتم توريدها لخزانة الدولة من العمل فى المحاجر، واستغلال الخامات المعدنية.
وأضاف أن الأهم من القانون أو تعديلاته هو تطبيقه وتعميمه بمساواة وتنفيذ لائحته التنفيذية بكل حزم، مشيرًا إلى أن مصر محرومة من الاستثمارات العالمية للبحث فى المناجم، وآن الأوان لتستفيد من تلك الفرصة.
250 مليار دولار حجم الاستثمار التعدينى العالمى سنويا
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قانون الثروة المعدنية فى ديسمبر من 2014، إلا أنه واجه العديد من الاعتراضات من قبل المستثمرين فى البحث عن المعادن والخامات التعدينية، لذلك جارٍ تعديل أغلب مواده حاليا.
ولفت أبو بكر إلى أن إجمالى استثمارات الشركات الأجنبية فى قطاع التعدين على المستوى العالمى تبلغ فى المتوسط حوالى 250 مليار دولار سنويا، ونصيب مصر منها لا شىء، مقارنة بإمكانياتها وثرواتها الهائلة.
ويتم تنفيذ استراتيجية تطوير قطاع التعدين حاليا، بتكليفات وتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وافتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى المؤتمر والمعرض العربى الدولى الخامس عشر للثروة المعدنية نهاية العام الماضى، بحضور الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، والسفير أحمد أبوالغيط أمين عام جامعة الدول العربية، والدكتور على عبدالعال رئيس مجلس النواب، وعدد من الوزراء، بجانب وزراء الثروة المعدنية بالدول العربية المشاركة فى فعاليات المؤتمر، والمهندس عادل الصقر مدير المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين.
دعوة «السيسى» المستثمريين للقطاع تكتمل بسرعة تعديل التشريعات
وشهد المؤتمر التعرف على واقع وآفاق قطاع التعدين فى مصر والدول العربية، وتأثير الصناعات التعدينية على اقتصاديات هذه الدول، فضلاً عن الترويج عربيًّا ودوليًّا للفرص الاستثمارية فى مجال التعدين، بما يؤدى إلى تعزيز الاستثمارات العربية البينية، وتحقيق التنمية المستدامة فى هذا القطاع الحيوى.
ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسى الشركات إلى الاستثمار بقطاع التعدين المصرى، لاسيما مع كبر وعظم حجم الموارد والثروات التعدينية التى يزخر بها ذلك القطاع.
وفى هذا السياق، أكد الدكتور رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول والتعدين، ونائب رئيس جامعة فاروس، أن التشريعات الحالية للتعدين لا تواكب التشريعات العالمية، وذلك يحجم من معدلات جذب الشركات الكبرى للعمل فى استكشاف واستغلال الخامات التعدينية فى مصر.
وأيد أبوالعلا دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للشركات، ولكنه أكد أن تلك الدعوة يلزمها سرعة تنفيذ الإجراءات والقرارات الحكومية التى من شأنها تحفيز المستثمرين فعليًّا، وتشجيعهم على ضخ المليارات فى الاستثمار بقطاع التعدين.
وطالب بالعمل وفقًا لقوانين وتشريعات رئيسية يتم من خلالها النهوض بقطاع التعدين، وتصنيع الخامات التعدينية، بما يُسهم فى تعظيم القيمة المضافة منها.
خطوات جادة لتعظيم القيمة المضافة من الفوسفات
وبالفعل بدأت وزارة البترول خطوات جادة لاستغلال الخامات المعدنية، وخلق قيمة مضافة لها، وعلى رأسها الفوسفات، وذلك من خلال إنشاء كيان موحد لتسويق الفوسفات، وتعظيم العائد للدولة تحت مسمى الشركة المصرية لتسويق الفوسفات والأسمدة الفوسفاتية.
وتم البدء فى مشروع تصنيع الفوسفات التابع لشركة فوسفات مصر لإنتاج حمض الفوسفوريك، والأسمدة الفوسفاتية، وإنشاء شركة جديدة لهذا الغرض.
إنشاء وزارة مستقلة للتعدين يدعم مستهدفات تطوير القطاع
وطالب أبوالعلا على الجانب الآخر، بإنشاء وزارة متخصصة ومستقلة للتعدين، منفصلة عن وزارة البترول، مؤكدًا أن السياسات التى لابد أن يتم تطبيقها وتعميمها على قطاع التعدين تختلف كلية عن «البترول».
وقال «خلق المناخ الملائم وتحديث القوانين والتشريعات مفتاح جذب الشركات والاستثمارات الأجنبية لقطاع التعدين الفترة المقبلة».
وتابع: قطاع التعدين له طبيعة خاصة، ويتسم بدرجات عالية من المخاطرة فى الاستثمار به، لذلك لن تقبل الشركات على ضخ المليارات فى هذا القطاع، إلا بعد تأكدها من العمل فى ظل مناخ تشريعى، واتفاقيات مرضية تحفزه على ذلك، وتلائم مثيلاتها العالمية.
الدول العربية تمتلك %30 من ثروات العالم التعدينية وبحسب وزير البترول والثروة المعدنية فإن تطوير صناعة التعدين فى مصر والعالم العربى يستلزم حدوث تكامل بين الدول العربية، فى ظل توافر الخامات التعدينية التى تزخر بها الصحارى العربية.
وأشار إلى أن الدول العربية تمتلك العديد من الثروات المعدنية تصل إلى ما يقرب من %30 من معادن العالم، لافتًا إلى أن الجهود المبذولة فى مجال التعدين فى العالم العربى لاتزال متواضعة؛ خاصة أن هناك مجالات عديدة لزيادة فرص استثمارها.
وشدد الملا على أن المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود بين الدول العربية للاستفادة من الخبرات، وبذل أقصى جهد فى مجال نقل واستيعاب التكنولوجيا وتطويرها فى جميع أوجه الصناعات التعدينية؛ لمواجهة المنافسة العالمية فى هذا المجال، وهو ما يستلزم تطبيق التكنولوجيا الحديثة المتطورة التى تقدم حلولاً واقعية لصناعة التعدين.
وعلى صعيد متصل، أكد المهندس يوسف الراجحى، المدير التنفيذى لشركة الفرعونية للذهب، أن مصر تزخر بإمكانيات وثروات تعدينية ضخمة لم تستغل بالشكل الأمثل حتى الآن.
ورفض فكرة استمرار العمل بنظام الإتاوة، خاصة بمجال البحث والتنقيب فى المناجم وعلى رأسها الذهب، مؤكدًا أن أغلب الدول المتقدمة فى الاستثمار التعدينى تعمل بنظام الضرائب والإيجار.
وأوضح الراجحى أنه كمستثمر لا يستطيع التوسع فى امتيازات جديدة فى ظل القانون والتشريعات الحالية، فالعمل فى ظروف تساوى بين قوانين التنقيب عن البترول والتعدين صعب للغاية.
ويعتبر «السكرى» من أكبر 25 منجمًا فى العالم من خلال حجم الإنتاج، ويبلغ متوسط احتياطى المشروع من الذهب حوالى 13 مليون أوقية، ومن المقدر إنتاجها خلال 30 عامًا من بداية المشروع، الأمر الذى يُصنف معه منجم السكرى ضمن الكشوف العالمية الرئيسية للذهب.
وليست «سانتامين» فقط التى أعلنت انتظارها تشريعات وقوانين متطورة تواكب التغيرات العالمية، لزيادة استثماراتها بقطاع التعدين المصرى؛ إذ إن أخبارًا تداولتها العديد من المواقع الإلكترونية مؤخرًا أكدت أن رجل الأعمال المصرى نجيب ساويرس يعتزم الاستثمار فى استخراج الذهب والنحاس فى مصر، لكنه ينتظر الاطلاع على تفاصيل قانون تعدين جديد يستهدف جذب مزيد من الاستثمار.
ويرأس ساويرس، مجموعة لامانشا الخاصة لاستخراج الذهب التى لها استثمارات فى إنديفور للتعدين، ومقرها تورونتو الكندية، وإيفوليوشن للتعدين الأسترالية، وجولدن ستار ريسورسز التى تتركز أعمالها فى غانا.
وقال ساويرس فى تصريحاته «ندرس الاستثمار فى التعدين فى مصر»، متابعًا: يغيرون قانون التعدين هنا ونأمل أن نصبح مستثمرين هنا أيضًا، ننتظر تفاصيل القانون، وفور الانتهاء من ذلك، نعتزم البحث عن الذهب والنحاس.