Find Out More

Is your organization one of the Best Places to work in Egypt

workL

خريف الإسكندرية اللعوب

شهر أكتوبر فى الإسكندرية بداية الطراوة المنعشة والبحر الذى استعاد زرقته وهدوئه، إنها تلك الأيام المسروقة ما بين الحر والرطوبة وبين هطول الأمطار، اختفى الكثير من مدينة التنوير المتماهية أبدا مع الجمال الربانى، الذى- وبحمد الله- لن يصله هذا المد السلفى، الذى لم يغير فقط فى بعض النفوس، ولكنه ويا للأسف

خريف الإسكندرية اللعوب
جريدة المال

المال - خاص

9:14 ص, الخميس, 3 نوفمبر 16

شهر أكتوبر فى الإسكندرية بداية الطراوة المنعشة والبحر الذى استعاد زرقته وهدوئه، إنها تلك الأيام المسروقة ما بين الحر والرطوبة وبين هطول الأمطار، اختفى الكثير من مدينة التنوير المتماهية أبدا مع الجمال الربانى، الذى- وبحمد الله- لن يصله هذا المد السلفى، الذى لم يغير فقط فى بعض النفوس، ولكنه ويا للأسف غيّر فى العادات والتقاليد الفريدة، حين سكنت المدينة طبقة بدقن وستات متغطية من الرأس إلى أخمص القدم، هؤلاء هم من فرضوا على هذا البلد اقتصادًا لم تتعوده تلك المدينة، إذ يتحايلون فى محل تجارتهم على نهبك بلا خجل، أو تجدهم مع نسوانهم يلتهمون الجنبرى أبو 350 جنيهًا للكيلو، والكابوريا بـ160 جنيهًا للكيلو، بجانب كيلو السمك اللى بـ250 جنيهًا، طبقة جديدة بنظراتهم النهمة للأكل والنساء.. بجانبها طبقة أخرى من الإسكندرانية يحتفلون بأفراحهم عند محل حلوانى شعبى فى حى بحرى بالإسكندرية مشهور ببيع المهلبية بالآيس كريم والكسكسى بالسكر، وتقف أمامه السيارات بالعشرات، تخترق العروس والمدعوين السيارات المتراصة فى انتظار الطلبات، العروس فى فستان طويل زى «سندريللا» وطرحة، يجرجر ذيله الطويل زبالة الشارع، هى والمدعوون فى فساتين عارية الأكتاف، شعورهن فى لون غروب الإسكندرية من الأصفر إلى الأحمر القانى، ولا أى حجاب على الرؤوس، يحتفل فى هذا المقهى فى اليوم بأربعة أفراح، رأيت منهم اثنين بنفس الوتيرة، وهو الدخول وأكل الحلويات والخروج فى هدوء فى سيارات تملأها الورود، تذكرك ببنات بحرى اللى الحرية والانطلاق فى دمهم.

زيارة الإسكندرية زمان فى الخريف معناها أن تجد الشباك منصوبة على الشواطئ لصيد طائر السمان، ولتعرف طريقك للمطاعم المتخصصة فى عمل السمان على الفحم فى حى العطارين، وهو أيضا الحى المتخصص فى بيع أثاث البيوت النادر، الذى يعتبر ذا أصول تاريخية محددة مثل اللوى سيز والباروك والآرنوفو والكريستال، إنه عالم الأنتيكات بكل فخامته، وهو ما يزال حتى الآن مع رحيل الندرة التاريخية فى الأثاث ومعها آباء المهنة العارفين بتقييمها تاريخيا وماديا، كما اندثر الكثير مما ميز هذا البلد الفريد منذ عشرينيات القرن الماضى، حيث تدفق صوب الإسكندرية الآلاف من الجاليات الأجنبية، من جزيرة كريت، واليونان، وطليان، وأرمن، وفرنسيين، وإنجليز ممن استوطنوا الإسكندرية، أصبحت تجمعا مميزا للجنسيات التى عاشت فى سلام وهدوء وحفاوة المصريين، وما يميزهم من امتصاص للحضارات المجاورة بل وانصهار تلك الجاليات فى عادات مصرية صميمة مع اندماج كامل فيما يسمى الكوزموبوليتانية بجنسياته المتعددة، مدينة كان لها ألق خاص فى نظافة متبادلة بين أمطارها وشبكة عفية لصرف مياه الأمطار لتختفى فى غمضة عين وتتحول إلى شوارع ملساء براقة يعكسها نور شمس تتبدى خجلة ما بعد الغيم، الإسكندرية بكل سحرها فى مقاهيها المتناثرة ما بين شاطئ البحر ونصف البلد على أرصفة ممتدة عريضة لتجلس فى عرس شمس المغيب الكاسى، تتناول أشهى مأكولات الإسكندرية من فواكه البحر والأسماك إلى أشهى الحلوى التى تشتهر بها الجرانيتا والمهلبية بالجيلاتى واللوكوماديس وبها حتى الآن المطعم الوحيد فى القطر المشهور بتقديم وجبة الأرانب بالزيتون الأخضر المطهو.
اشتهرت هذه المدينة آنذاك بكثرة الفنادق الصغيرة المكونة من ست حجرات على الأكثر، وكانت تديرها سيدات من مختلف الجنسيات، كانت هذه النزل الصغيرة تتسم بنظافة فائقة، إذ كان يحرص الكاتب نجيب محفوظ على أن يحجز فى أحد هذه البانسيونات ولم يغير المكان حتى آخر حياته،.. ومنذ زمن غير بعيد أخذ أولاد الإسكندرية إدارة تلك الفنادق، ولكن للأسف القليل منهم الذى احتفظ بنظافته وأثاثه القيم القديم، خاصة الإهمال الكامل لنظافة الحمامات..؟!.. ذاقت الإسكندرية النكهات العالمية وتعود أهلها على الذائقة عالية الجودة، بدليل محل مميز يبيع الطعمية والفول قصدته ملكة اليونان ألكسندرا لتتناول وجبة شهية على أصولها اكتسب الإسكندرانية هذا الحس الأوروبى العملى، تجد الإسكندرانى حتى اليوم أكثر ليونة وذوقا فى تعامله اليومى، ولكن يبقى أبدا جلوس العشاق على طول كورنيش الإسكندرية، يتماهون مع ألوان غروب خلاب لعوب رغم أنف هجمة سلفية تمحو آثار نهضة حضارية كانت فيها الإسكندرية درة الشرق بلا منافس.

جريدة المال

المال - خاص

9:14 ص, الخميس, 3 نوفمبر 16