تواجه صناعة التأمين في مصر، كغيرها من القطاعات الاقتصادية، مرحلة جديدة من التحولات العميقة مدفوعة بتطورات التكنولوجيا الرقمية والتشريعات الجديدة، مثل قانون التأمين الموحد لعام 2024، وتمثل هذه التحولات فرصة نادرة لتحسين القطاع، من خلال تحسين تجربة العملاء وزيادة الشفافية وتعزيز كفاءة العمليات، ورغم أن صناعة التأمين في مصر تعد من القطاعات الراسخة منذ عقود، إلا أنها بحاجة إلى مواكبة التحول الرقمي لتحقيق المزيد من النمو والابتكار.
ويعد التحول الرقمي عاملا رئيسا في تحسين كفاءة العمليات وتأثيرها في قطاع التأمين، بينما تعمل شركات التأمين على تبني التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والبلوكشين، لتحسين أداء الخدمات.
وللحديث عن ذلك الموضوع، تواصلت “المال” مع إيهاب خضر، عضو مجلس الإدارة المعتمد وخبير الإدارة الإستراتيجية، وبين لـ”المال” بعض الفوائد المتوقعة للتحول الرقمي في هذا المجال التأميني.
وأشار إلى أن المنصات الرقمية تمكّن العملاء من شراء وثائق التأمين وتقديم المطالبات وتتبعها بكل سهولة عبر الإنترنت، وتقدم هذه الخدمات الذاتية مستوى أعلى من الراحة مقارنة بالطريقة التقليدية، بينما يعزز التحول الرقمي الشفافية في العمليات التأمينية، حيث يمكن للعملاء الوصول إلى معلومات وثائقهم وتفاصيل التغطية بسهولة، ومن خلال التقنيات، مثل البلوكشين، يمكن تعزيز الثقة في المعلومات وحفظ السجلات بشكل آمن وغير قابل للتلاعب.
وذكر أن التكنولوجيا الرقمية تقلل من التكاليف التشغيلية، من خلال الأتمتة وتحسين معالجة المطالبات والحد من الاحتيال، فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل المطالبات بشكل أسرع وأدق، ما يسرع في تسويتها، بينما توفر البيانات الضخمة رؤى أعمق حول سلوك العملاء، ما يسمح لشركات التأمين بتصميم منتجات مبتكرة ومخصصة بشكل أكبر لتلبية احتياجات العملاء الفردية.
قانون التأمين الموحد لعام 2024
وأوضح خضر أن قانون التأمين الموحد لعام 2024 يعد خطوة تنظيمية مهمة في تطوير سوق التأمين المصرية، ويهدف القانون إلى توحيد القواعد واللوائح المتعلقة بجميع أنواع التأمين تحت مظلة تنظيمية واحدة، ما يحقق توحيدا قانونيا يعزز من تنافسية السوق.
وأشار إلى بعض الجوانب الرئيسة التي يغطيها القانون، بينما يشدد القانون على ضمان حقوق حملة الوثائق، ويضع ضوابط لعمليات البيع والتسويق، فعلى سبيل المثال، يتم إلزام شركات التأمين بتوفير معلومات شفافة حول المنتجات المقدمة وتوضيح شروط وأحكام الوثائق بشكل واضح ومبسط.
وبين أن القانون يشجع شركات التأمين على الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية لتحسين جودة خدماتها، ويدعم التحول الرقمي من خلال تقديم حوافز للتبني السريع للتقنيات الجديدة، ما يساهم في تقليل التكلفة وزيادة الكفاءة، بينما تمثل هذه النقطة أحد أبرز محاور القانون، حيث يضع ضوابط خاصة لشركات التأمين الرقمي والمنصات الإلكترونية التي تقدم خدمات التأمين عبر الإنترنت، وهذا يفتح الباب أمام دخول لاعبين جدد في السوق، مثل شركات التأمين الناشئة التي تعتمد بشكل كامل على التكنولوجيا الرقمية.
وذكر أن القانون يعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية من خلال فرض لوائح جديدة للتدقيق المالي وضمان استخدام أفضل للمصادر المالية، ويسعى القانون إلى تحسين مستوى الشفافية والنزاهة في القطاع.
والجراف التالي يبين معدلات نمو سوق التأمين الإلكتروني في الفترة من 2020 إلى المتوقع في 2030، وفق بيانات “سويس ري” العالمية لإعادة التأمين:
التحديات التي تواجه التحول الرقمي في قطاع التأمين
وأوضح خضر أن الفرص الكبيرة التي يقدمها التحول الرقمي وقانون التأمين الموحد، تواجهها تحديات عديدة يجب التعامل معها لضمان نجاح هذا التحول، حيث ما تزال بعض الشركات التقليدية يعاني من ضعف في البنية التحتية التكنولوجية، وهو ما قد يعوق القدرة على تبني الابتكارات الرقمية بشكل فعال.
ولفت إلى أن العديد من العملاء في مصر ما يزالون يفضلون التعاملات التقليدية مع شركات التأمين، وقد يحتاجون إلى وقت لإدراك مزايا الحلول الرقمية، ومع التوسع في تقديم الخدمات عبر الإنترنت يصبح الأمن السيبراني من أهم التحديات التي تواجه الشركات لحماية بيانات العملاء والحفاظ على ثقتهم.
مستقبل صناعة التأمين في مصر
ووضح خضر أن، مع دخول مصر في حقبة جديدة من الرقمنة والتنظيم الحديث بفضل قانون التأمين الموحد لعام 2024، يبدو أن مستقبل صناعة التأمين مشرق، وتشير التوقعات إلى أن الرقمنة ستعزز من كفاءة السوق وتساعد في زيادة عدد المؤمّنين من خلال توفير خدمات أكثر سرعة وسهولة وشفافية.
وذكر أن التقدم في استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي سيمكن الشركات من تقديم عروض أكثر تخصصا وابتكارا، ما سيساعد في جذب شريحة أوسع من الجمهور، خاصة الشباب الذين يعتمدون بشكل كبير على التكنولوجيا في حياتهم اليومية.
ختاما، يجب أن تواصل شركات التأمين التقليدية تبني الابتكارات الرقمية لمواكبة التغيرات في السوق، وتحقيق التوازن بين التكنولوجيا واللمسة الإنسانية التي تبقى مهمة في التعاملات التأمينية.
بينما يعد قانون التأمين الموحد لعام 2024 والتحول الرقمي محوريين في إحداث نقلة نوعية في قطاع التأمين بمصر، وبفضل هذه التحولات، سيتعزز الابتكار وتتوسع التغطية التأمينية لتشمل شرائح جديدة من المجتمع، ومع التحديات التي قد تواجه هذا التطور يبقى المستقبل واعدا لصناعة التأمين في مصر إذا تم تنفيذ التحولات بطريقة مدروسة ومتكاملة.