قال روبرتو تشانج أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز أن تقرير الوظائف الأمريكية لشهر يوليو يؤكد أن البنك الاحتياطي الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة جدًا ضمن جهوده للحد من التضخم، مما أدى إلى انخفاض السوق في اغسطس، موضحًا أن الرقم الذي لفت انتباه الجميع كان عدد نمو التوظيف الذي أظهر تباطؤًا كبيرًا مقارنة بالأشهر السابقة.
يشار إلي أن معدل البطالة في أمريكا قد ارتفع من 4.1% إلى 4.3% وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2021، كما تباطأ التوظيف في الولايات المتحدة حيث أضاف أصحاب العمل نحو 114 ألف وظيفة فقط، وبلغ متوسط مكسب الوظائف الشهري في الولايات المتحدة 215 ألف وظيفة شهريًا على مدار الأشهر الـ 12 الماضية.
ويرى “تشانج” أن التضخم بدأ الآن في الانخفاض حيث تراجع إلى أقل من 3% على أساس سنوي وهو قريب جدًا من هدف طويل الآجل البالغ 2%، وبالتالي فإن التضخم موجود تقريبًا لكنه ليس موجود بشكل كبير، وبالتالي فإن البعض يقول إن الاحتياطي الفيدرالي كان حذرًا للغاية وبطيئًا للغاية في خفض أسعار الفائدة، لهذا يعتقد تشانج أن هذا النوع من الشعور هاجم الأسواق بشكل أساسي في يوم الاثنين.
وذكر “تشانج” إن الأسهم في باقية العالم قد انخفضت بشكل غير عادي حيث انخفض في السوق اليابانية (نيكاي 225) بنسبة 12.4% يوم الاثنين وهو أكبر انخفاض له منذ عام 1987، يعتقد “ليوجين وايت” أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز أن الانخفاض في السوق اليابانية كافٍ لتخويف العديد من المستثمرين لأنه كبير جدًا.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز إن بعض القوى الدافعة وراء انهيار سوق تداول الاسهم تشمل الانخفاضات الحادة في أسهم التكنولوجيا بما في ذلك Nvidia وApple وAmazon وتقرير الوظائف المخيب للآمال الذي أصدرته وزارة العمل يوم الجمعة (2 أغسطس).
يذكر أنه في يوم الاثنين الخامس من أغسطس حدث تحول مفاجئ وعنيف في الأسواق العالمية حيث تم محو 6.5 تريليون دولار، وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 8.6% وخسر مؤشر ناسداك 100 بنحو 5.4% وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بمقدار 1000 نقطة قبل أن يتعافى قليلاً وسط مخاوف من ركود الاقتصاد الأمريكي بالإضافة إلى سلسلة من المخاوف الأخرى مجتمعة التي أدخلت المستثمرين في جميع أنحاء العالم في حالة من الذعر.
هل أخطأ البنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى
وذكر “تشانج” أن اجتماع البنك الاحتياطي الشهري الأخير قد اختار البنك إبقاء أسعار الفائدة ثابتة عند حوالي 5.3%، كان القرار متوقعًا وترك المستثمرين مقتنعين بشكل عام بأن البنك المركزي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة في سبتمبر، وهو ما يمثل إشارة رئيسية من البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن معركته ضد التضخم قد انتهت تقريبًا، (وتميل أسعار الفائدة المنخفضة إلى تحفيز الاقتصاد والاستثمار.)
لكن الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية المرتفعة نسبيًا تسبب في بعض القلق أيضًا، حيث أصبح من الواضح أن الاقتصاد يضعف بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعًا خاصة مع استمرار توالي البيانات الاقتصادية الضعيفة، وأخرها كان تقرير الوظائف الشهرية، بحسب أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز.
قال “تشانج” أن قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي بعدم الخفض لم يكن ليسبب الكثير من القلق، إلا أن الاقتران بتقرير البطالة السيئ ترك الأسواق في حالة من الفزع، ثم كانت هناك بعض الأخبار المفاجئة من بنك اليابان، فلم تعد اليابان تريد أن تكون مصدرًا عالميًا للأموال الرخيصة، فمعظم البنوك المركزية الكبرى في العالم في عملية خفض أسعار الفائدة أو الاستعداد لخفضها، والتي أبقت عليها عالية لتجنب التضخم.
ولفت الي أن الأمر لم يكن كذلك مع اليابان، في الأسبوع الماضي رفع بنك اليابان سعر الفائدة القياسي بنسبة 0.25% وأشار إلى أنه سيستمر في القيام بذلك من أجل مكافحة مشاكله الخاصة مع التضخم، لقد عانت اليابان من مشاكل عاجزة عن حلها مع اقتصادها منذ تسعينيات القرن العشرين بما في ذلك سنوات الانكماش التي أخافت الاستثمار، ومؤخراً، إن المشكلة التي تواجه الاقتصاد العالمي الآن تتلخص في عملته الانهيار المفرط للين الياباني.
أضاف: “إن إحدى السمات المعروفة للاقتصاد العالمي هي أنه من الممكن اقتراض مبالغ ضخمة من المال بثمن قليل (أي بأسعار فائدة منخفضة للغاية) بالعملة اليابانية، وهذا يسمح للمتداول بأخذ الين ثم استثماره في مكان آخر من العالم (على سبيل المثال: في الأسواق الأميركية) بعائد متوقع أعلى، وما دام هناك فارق كبير بين الين ذي أسعار الفائدة المنخفضة والعائدات الأعلى للاستثمار فإن هذا أقرب ما يكون إلى المال المجاني، وهذا ما يسمى بصفقات الكاري تريد، وفي الأسبوع الماضي، وبعد سنوات عديدة فجر بنك اليابان هذه الصفقات ليهبط الين من 160 إلى 143 يناً للدولار الأميركي، وهو تحول عنيف للغاية بالنسبة لسوق يميل إلى التحرك في أجزاء من السنت، وعلى هذا فقد بدأ المتداولون في بيع الأصول التي اشتروها بتلك الينات المقترضة مما أشعل شرارة بيع ناري عالمي”.
هل تتجه الولايات المتحدة نحو الركود؟
قال “تشانج” أنه خلال مدة كبيرة من عام 2023 ظل الكثيرين يقولون إن الركود وشيك، ثم عندما لم يتحقق ذلك وأدى الاقتصاد أداءً أفضل من المتوقع، استقرت المشاعر حول فكرة “الهبوط الناعم” الذي من شأنه أن يحافظ على نمو الاقتصاد وإسعاد الأسواق وإنقاذ البلاد من الركود، ولا يزال هذا هو الرأي السائد، على الرغم من أن جولدمان ساكس رفعت خلال عطلة نهاية الأسبوع احتمالات حدوث ركود في غضون 12 شهرًا إلى 25%، لا يزال هذا رأيًا متفائلًا جدًا بشأن الاقتصاد.
ولفت أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز إلي أنه غالبًا ما يسبق التباطؤ في سوق العمل الإعلان رسميًا عن الركود، لكن معدل البطالة لا يزال عند 4.3% فقط وقد عانى تقرير الوظائف لشهر يوليو بسبب إعصار بيريل الذي حدث خلال الجزء الأول من الشهر.
أضاف: “من عجيب المفارقات أن الانهيار في السوق أدى إلى تزايد احتمالات انخفاض أسعار الفائدة، ولكن من غير المرجح أن يتخذ الاحتياطي الفيدرالي أي إجراء قبل شهر سبتمبر، حيث ستُقرأ أي تحركات ذعر بين الاجتماعات على أنها سلبية للغاية من قبل الأسواق”.
قال “تشانج” انه ربما، تعد التصحيحات بنسبة 10% أو حتى سوق هبوطية أحداثًا شائعة وقد مرت أربع سنوات منذ انهيار السوق في عام 2020 الذي حدث نتيجة كوفيد 19، لقد كانت سوق الأوراق المالية تشهد ارتفاعًا في عدد قليل من الأسهم ولا سيما أسهم التكنولوجيا السبع الرائعة التي دفعت معظم المكاسب في الأشهر الأخيرة، كان هذا رهانًا على القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي لتغيير الاقتصاد.
وبين أنه بعد مكاسب النمو والتكنولوجيا التي يقودها الذكاء الاصطناعي في النصف الأول من هذا العام، شهد هذا الصيف انتقالًا في قيادة السوق إلى المستفيدين من أسعار الفائدة المنخفضة بما في ذلك الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة والقيمة والأداء المتفوق للمؤشرات ذات الأوزان المتساوية.
وأكد “تشانج” أن مخاوف التقييم تضخمت بسبب موسم الأرباح المختلط حتى الآن، حيث تسبب الإنفاق الهائل على الذكاء الاصطناعي من قبل شركات التكنولوجيا ذات القيمة السوقية الكبيرة في دفع المستثمرين إلى التساؤل عن العائد المحتمل، كما كان شعور المستثمرين رماديًا نظرًا للوضع السياسي المحلي غير المؤكد، فضلاً عن التطورات الجيوسياسية المزعجة بشكل متزايد.
ويعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة روتجرز أن تقرير الوظائف الصادر يوم الجمعة وعمليات البيع المكثفة التي تلتها في السوق كانت بمثابة عاصفة مثالية من التقلبات في بداية أيام الصيف الضعيفة الموسمية.
المخاطر لا تزال قائمة
وذكر “تشانج” أنه في يوم الاثنين، وصل مؤشر التقلبات (وهو ما يسمى “مقياس الخوف”) في وول ستريت إلى مستوى غير مسبوق منذ الأيام الأولى لجائحة كوفيد 19 عام 2020، وانخفضت عملة البيتكوين بنحو 18% ودخلت العديد من أسهم التكنولوجيا في السقوط الحر، وانخفض مؤشر ناسداك (حيث تميل أسهم التكنولوجيا إلى التداول) بنسبة 20% عن أعلى مستوياته في يوليو، كان هناك ذعر وراء الكثير من عمليات البيع ولكن كانت هناك أيضًا أسباب عقلانية للمتداولين للركض نحو الخروج.
ويري “تشانج” أن جزء من هذا الانخفاض الأكبر كان مدفوعًا بإعادة التفكير الهائلة في سوق الثيران الثقيلة التي تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتي دفعت أسواق رأس المال للارتفاع خلال هذا العام، لقد خسرت شركة إنفيديا (الشركة المصنعة للرقائق التي تدعم صناعة الذكاء الاصطناعي) أكثر من 1.2 تريليون دولار من قيمتها السوقية في الأسابيع الستة الماضية، عندما بلغت ذروتها عند 3.5 تريليون دولار، (كما ورد أن الشركة المصنعة للرقائق تواجه تحقيقات مكافحة الاحتكار في هيمنتها على الصناعة، وواجهت مؤخرا عقبات في إنتاج شريحة من الجيل التالي).
أضاف: لكن الأمر لا يقتصر على عالم التكنولوجيا المتطورة الذي يسوده المضاربة الشديدة، ففي نهاية الأسبوع الماضي كشفت شركة بيركشاير هاثاواي التابعة للمليادير “وران بافيت” أنها خفضت حصتها في شركة أبل إلى النصف وهي الشركة الأكثر ربحية في العالم تقريبًا، وبافيت بالطبع هو المستثمر الأكثر احترامًا في العالم وهو شخص تدرس قراراته ويقلدها الكثير من معجبيه، والمعنى الضمني هنا هو أنه إذا اعتقد بافيت أن هناك شيئًا يستحق الاستثمار فيه، فإنه سيستخدم تلك الأموال لكسب المزيد من المال”.
حالات الركود التي تسبب القلق
وحدد “تشانج” الحالات التي يمكن أن يشعر بها المحلل بالقلق إزاء الركود مع تقلب السوق في جميع أنحاء العالم وتصدر تقرير الوظائف لشهر يوليو عناوين الأخبار.
يتم تعريف الركود بأنه تراجع كبير فى النشاط الاقتصادى الذي ينتشر فى جميع أنحاء الاقتصاد ويبقي لأكثر من عدة أشهر، ولكن هناك قاعدة جيدة تقول أن الركود الاقتصادي هو ربعان متتاليان من النمو السلبي.
تتضمن بعض العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى الركود ما يلي:
1 .صدمة اقتصادية مفاجئة: مشكلة اقتصادية مفاجئة تخلق أضرارًا مالية خطيرة، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك تفشي فيروس كورونا.
2 .الديون المفرطة: عندما تتحمل الشركات أو الأفراد ديونًا كثيرة جدًا، يمكن أن تنمو تكلفة خدمة الدين إلى الحد الذي لا يمكنهم فيه سداد فواتيرهم، كما تقول مجلة فوربس.
3 .فقاعات الأصول: عندما تكون قرارات الاستثمار مدفوعة بالعاطفة، فإن النتائج الاقتصادية السيئة لا تتأخر كثيرًا.
4 .التضخم المفرط: يعرف فوربس التضخم بأنه الاتجاه الثابت التصاعدي في الأسعار على مدار العام.
5 .الانكماش المفرط: يوصف الانكماش بأنه انخفاض الأسعار بمرور الوقت، مما يتسبب في انكماش الأجور والذي يؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل أكبر.
6 .التغيير التكنولوجي: على الرغم من أن الاختراعات الجديدة التي يمكن أن تزيد الإنتاجية وتكون مفيدة للاقتصاد في الأمد البعيد، إلا أنه قد تكون هناك فترات قصيرة الأجل للتكيف مع الاختراقات الجديدة في التكنولوجيا.