تعد إعادة التأمين إحدى الركائز الأساسية في صناعة التأمين العالمية، بينما تمثل دورا حيويا في إدارة المخاطر وتعزيز الاستقرار المالي لشركات التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد شهدت هذه الصناعة تطورات ملحوظة على مر العقود، بدءا من نشأتها وصولا إلى التحديات التي تواجهها اليوم وحلولها المستقبلية.
وبدأت صناعة إعادة التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مراحلها الأولى خلال القرن العشرين، ولكنها نمت بشكل متسارع وملحوظ منذ تسعينات القرن الماضي، بينما ساهمت عدة عوامل في تسريع هذا النمو، منها النمو الاقتصادي السريع، والتوسع في البنية التحتية، وزيادة الوعي بمخاطر الأعمال.
وكانت شركات التأمين المحلية تعتمد بشكل كبير على شركات إعادة التأمين الدولية لتوفير التغطية اللازمة للمخاطر، ومع مرور الوقت، بدأت الشركات الإقليمية في تأسيس كيانات إعادة تأمين خاصة بها، ما ساعد في تقوية سوق إعادة التأمين المحلية وتعزيز قدرتها على التعامل مع المخاطر الإقليمية.
إلا أن السوق لا تخلو من تحديات، منها الاقتصادية والسياسية التي تقف أمام نمو السوق، ومن ثم، تواصلت “المال” مع أماني الماحي، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوي لللتحكيم الدولي.
وقالت إن الأزمات السياسية والنزاعات الإقليمية قد تؤدي إلى زيادة المخاطر وعدم الاستقرار، ما يؤثر سلبا على قطاع إعادة التأمين، وكذلك فإن التقلبات الاقتصادية العالمية والمحلية تؤثر على أسعار التأمين وإعادة التأمين، ما يتطلب إستراتيجيات مرنة.
وأشارت إلى أن زيادة الحوادث الطبيعية والتغيرات المناخية ترفع من مستوى المخاطر، ما يستدعي تعديلات في إستراتيجيات إعادة التأمين، إضافة إلى أن دخول التكنولوجيا الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة يشكل تحديا وفرصة في ذات الوقت، حيث يتطلب من شركات إعادة التأمين التكيف مع هذه التغيرات بسرعة.
حلول ممكنة
وطالبت أماني الماحي بضرورة التعاون بين شركات إعادة التأمين المحلية والإقليمية، لتعزيز القدرة على التعامل مع المخاطر المشتركة وتوفير فرص للابتكار، مع تطوير حلول تأمينية متخصصة للتعامل مع الكوارث الطبيعية، مثل التوسع في منتجات التأمين ضد الفيضانات والزلازل، والاستثمار في التكنولوجيا لتحسين جمع البيانات وتحليلها، ما يمكّن شركات إعادة التأمين من تقديم حلول أكثر فعالية وتخصيصا.
وبينت أن الاتجاهات الحالية تشير إلى أن قطاع إعادة التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيواصل نموه في المستقبل، مدفوعا بتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والابتكار التكنولوجي، بينما هناك فرص كبيرة لنمو السوق إذا ما تم التعامل بفعالية مع التحديات الحالية والمستقبلية.
والجراف التالي يبين حجم خسائر سوق التأمين بسبب الكوارث العالمية منذ 2005 وحتة 2022، وفق بيانات “سويس ري” العالمية لإعادة التأمين:
توسع الأسواق
وتوقعت أماني الماحي أن تشهد المنطقة توسعا في أسواق إعادة التأمين، خاصة في البلدان التي تشهد نموا اقتصاديا سريعا، بينما سيكون التركيز على استدامة البيئات الاقتصادية والاجتماعية جزءا أساسيا من إستراتيجيات إعادة التأمين المستقبلية، رغم التحديات العديدة التي تواجهها صناعة إعادة التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتابعت أن هناك فرصا هائلة للنمو والتطور من خلال تبني إستراتيجيات مبتكرة واستثمار في التكنولوجيا والتعاون الإقليمي، بينما يمكن للقطاع أن يحقق استدامة ونجاحا على المدى الطويل، من خلال توطين إعادة التأمين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأشارت إلى أن إعادة التأمين تلعب دورا حاسما في صناعة التأمين من خلال توزيع المخاطر وتعزيز الاستقرار المالي لشركات التأمين، ففي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت عملية توطين صناعة إعادة التأمين قضية محورية لتحقيق التنمية المستدامة وتلبية احتياجات السوق الإقليمية المتنامية.
وأوضحت أن توطين صناعة إعادة التأمين يعزز من الاستقلال المالي، إذ يمكن للدول تقليل اعتمادها على الشركات العالمية، ما يساهم في تعزيز الاستقلال المالي واستقرار القطاع المحلية، ويمكن للشركات المحلية أن تكون أكثر دراية بالمخاطر الخاصة بالسوق الإقليمية، ما يساعد في تقديم حلول تأمينية تتناسب مع خصوصيات المنطقة.
وأضافت أن توطين الصناعة يساهم في خلق وظائف جديدة ويعزز التنمية الاقتصادية من خلال استثمارات محلية، كا أن تطوير صناعة إعادة التأمين محليا يعزز من جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويعزز من ثقة المستثمرين في السوق الإقليمة.
وتابعت أن شركات إعادة التأمين المحلية يمكنها تطوير منتجات تأمينية تتناسب بشكل أفضل مع احتياجات السوق المحلية، كما أن التواجد المحلي يسهم في تحسين سرعة وفعالية تقديم الخدمات وتلبية احتياجات العملاء بشكل أكثر مباشرة.