مع اقتراب تجديدات إعادة التأمين لعام 2025، تتشكل عدة قوى معقدة تمثل تحديات وفرصا جديدة لشركات التأمين وإعادة التأمين على حد سواء، وتتداخل هذه العوامل من الاقتصاد العالمي إلى تغير المناخ وصولا إلى التكنولوجيا الحديثة، ما يتطلب من اللاعبين في السوق التكيف بمرونة لضمان استمرارية النمو والربحية.
وتوقعت أماني الماحي، رئيس قطاع بشركة مصر للتأمين وعضو الاتحاد الأفروأسيوي للتحكيم الدولي، أن يستمر التضخم الاقتصادي في التأثير على أسعار إعادة التأمين في 2025، حيث يساهم في زيادة تكاليف المطالبات، بينما تعاني شركات التأمين من صعوبة تقدير مطالبات المستقبل نتيجة التضخم، لا سيما في قطاعات التأمين على الممتلكات والتأمين الطبي، حيث أدت الزيادة في أسعار المواد الخام والبناء إلى رفع تكلفة إصلاح الممتلكات المتضررة، كما أن ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية يزيد من الضغوط على شركات التأمين الصحي، وبالتالي على أسعار إعادة التأمين.
وبينت أن 2025 ستشهد -من المرجح- تعديل شركات إعادة التأمين أسعارها استجابة لتغيرات الاقتصاد العالمي، مع التركيز على مرونة الشروط والحدود القصوى للتغطية، كما أن زيادة أسعار الفائدة قد تساعد شركات إعادة التأمين على تحقيق عائدات أفضل على استثماراتها، لكن التحدي يكمن في ضرورة موازنة الأسعار مع طلب السوق المتزايد على التغطيات الواسعة.
تصاعد المخاطر الناجمة عن التغير المناخي
وبينت “الماحي” أن المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، مثل الأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات، أصبحت أكثر تعقيدا واستمرارية، إذ إنها تسهم في زيادة المطالبات، وقد تكون هناك حاجة ماسة في 2025 إلى إعادة تقييم نماذج الخسائر التي تستخدمها شركات إعادة التأمين، بينما غدت الأحداث المناخية غير المتوقعة، مثل العواصف الشديدة والفيضانات العنيفة أصبحت أكثر تكرارا، ما يفرض ضغوطا أكبر على شركات التأمين للتنبؤ والتأهب لها.
ووضحت أن عام 2025 سيشهد اهتماما متزايدا بالتقنيات الجديدة لتحليل وتقييم المخاطر المناخية، وقد تعتمد الشركات بشكل أكبر على الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي والنماذج الحاسوبية المتقدمة لتحسين دقة تقييم المخاطر، وستؤدي هذه الابتكارات إلى تغييرات في شروط التغطية والأسعار، حيث سيطلب من الشركات تقديم تقديرات أكثر تفصيلا لتقليل مخاطر الخسائر الكارثية.
والجراف التالي يبين التصنيف المناخي لسنة 2022، وفقا لوكالة (DW) الألمانية:
التحول الرقمي في إعادة التأمين
وأوضحت “الماحي” أن بحلول عام 2025، سيكون التحول الرقمي قد حقق تقدما كبيرا في قطاع التأمين وإعادة التأمين، بينما سيصبح الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الكبيرة (Big Data) الأدوات الرئيسة التي تعتمد عليها شركات إعادة التأمين لتحسين عمليات الاكتتاب وتقييم المخاطر وإدارة المطالبات.
وذكرت أن التحول الرقمي سيساهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف، لكنه سيفتح الباب أيضا أمام مخاطر جديدة، خاصة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، بينما ستحتاج الشركات في 2025 إلى تطوير إستراتيجيات تأمين سيبراني قوية لحماية بياناتها وأنظمتها، وهو ما قد يشكل تحديا إضافيا من حيث التسعير وإدارة المخاطر.
تشديد شروط العقود والمرونة في التصميم
وتوقعت “الماحي” أن يشهد عام 2025 تشديدا في شروط عقود إعادة التأمين، حيث قد تفرض شركات إعادة التأمين حدودا قصوى أقل على التغطيات، وتضع شروطا أكثر صرامة للتعويضات، وهذا التشدد في الشروط سينعكس بشكل خاص على الصناعات ذات المخاطر العالية، مثل النفط والغاز والبنية التحتية والقطاعات المرتبطة بالكوارث الطبيعية.
وأشارت إلى أن التجديدات سيصحبها توجها نحو تقديم حلول مرنة ومخصصة للعملاء، وستتجه شركات إعادة التأمين إلى تقديم عقود تعتمد على احتياجات العملاء الفردية، مع التركيز على تصميم حلول تأمين تجمع بين تقليل المخاطر وتعزيز الربحية، وستشتمل هذه العقود المرنة على مزيج من التغطيات التقليدية والابتكارية التي تواكب التطورات التكنولوجية والمخاطر الجديدة.
المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)
وذكرت “الماحي” أن المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ستظل تشكل جزءا رئيسا من إستراتيجية شركات إعادة التأمين في 2025، مع تصاعد الاهتمام العالمي بالاستدامة، وسيكون هناك ضغط متزايد على شركات التأمين لتبني سياسات تتماشى مع معايير “ESG”، ومن المتوقع أن يتزايد الطلب على منتجات إعادة التأمين التي تغطي الطاقة المتجددة والمشاريع البيئية.
كما بينت أن التوجه نحو إزالة الكربون سيجبر شركات إعادة التأمين على إعادة تقييم محفظة المخاطر الخاصة بها، وستبحث الشركات عن فرص جديدة لتغطية المشروعات المستدامة والخضراء، وهو ما سيخلق سوقا جديدة لمنتجات إعادة التأمين البيئية، مع توفير حلول مبتكرة لدعم الشركات التي تسعى لتحقيق أهداف الحياد الكربوني.
الضغوط التنظيمية والتشريعية
وأكدت “الماحي” أن التشريعات الجديدة المتعلقة بإعادة التأمين في 2025 ستكون أكثر صرامة، خاصة فيما يتعلق بالإفصاح عن المخاطر وتطبيق معايير الشفافية، فالحكومات والهيئات التنظيمية ستفرض على شركات إعادة التأمين تقديم تقارير دقيقة حول قدرتها على تحمل المخاطر الكبيرة، خاصة المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي والمخاطر السيبرانية.
كما توقعت أن تركز التشريعات أيضا على الحوكمة المؤسسية، ما يفرض على شركات التأمين الالتزام بمعايير أخلاقية وبيئية محددة، وستكون هذه الضغوط التنظيمية عاملا مهما في تشكيل إستراتيجية شركات إعادة التأمين، خاصة في الأسواق الناشئة التي تتطلب نهجا أكثر شفافية ومرونة في تطبيق المعايير الدولية.
التغيرات في هيكل رأس المال وإستراتيجية الاستثمار
وأضافت ” الماحي” أن شركات إعادة التأمين في 2025 ستضطر إلى إعادة توزيع رأس المال الخاص بها بشكل إستراتيجي لمواجهة التحديات الجديدة، وستزداد الحاجة إلى رأس المال في القطاعات التي تتطلب تغطيات جديدة ومبتكرة، مثل التأمين السيبراني والطاقة المتجددة، في حين قد تشهد القطاعات التقليدية، مثل التأمين على الممتلكات، تقليصا في رأس المال المخصص لها.
وألمحت إلى أن هذا التحول في رأس المال سيؤدي إلى تركيز أكبر على الاستثمار في التقنيات الجديدة والشراكات مع شركات التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى ذلك، ستبحث شركات إعادة التأمين عن فرص لزيادة استثماراتها في الأسواق الناشئة التي توفر فرص نمو كبيرة، على الرغم من التحديات المرتبطة بالمخاطر الاقتصادية والسياسية في هذه الأسواق.
الطلب على تغطيات مبتكرة
وذكرت “الماحي” أن بحلول عام 2025، ستشهد السوق طلبا متزايدا على منتجات تأمين مبتكرة، مثل التأمين السيبراني والتأمينات المتعلقة بالمخاطر المالية، وستتطلب هذه المنتجات مستويات عالية من المرونة والفهم العميق للمخاطر الجديدة التي تفرضها التطورات التكنولوجية والتغيرات الاجتماعية، وستظهر تغطيات جديدة تلبي احتياجات الشركات التي تتبنى التحول الرقمي والتكنولوجيا المالية (FinTech) وكذلك تلك التي تواجه تحديات بسبب التشريعات الجديدة المتعلقة بالمخاطر البيئية.