واصلت أسعار خام برنت العالمية، الانخفاض لتسجل أدنى مستوى منذ 2009، بواقع 63 دولاراً للبرميل، وقد هبط برنت بنحو %45 مقارنة بذروة أسعاره خلال يونيو الماضى، التى تجاوز فيها 115 دولاراً للبرميل.
وأدت انخفاضات أسعار «برنت» العالمية إلى دراسة وتفكير بعض الشركات الأجنبية العاملة فى مصر بشكل جدى فى إرجاء أو إبطاء تنفيذ عمليات التنمية بحقول إنتاج الزيت الخام والغاز الطبيعى بسبب انخفاض العائد المتحقق لها من بيع الإنتاج للحكومة أو للأسواق الخارجية.
وتوقعت آراء عديدة أن تحقق مصر عوائد ضخمة من سلسلة الانخفاضات المتتالية فى أسعار برنت، مؤكدين أن قيمة الوفر المرتقب فى موازنة دعم المنتجات البترولية للعام المالى الحالى تبلغ نحو 30 مليار جنيه.
وأثارت الانخفاضات المتوالية فى أسعار الخام العالمى تساؤلات عديدة على الساحة البترولية حول أسباب الانخفاض المفاجئ وتوقعات الأسعار خلال العام المقبل، ومدى تأثير الانخفاضات على صعيد قيمة استيراد الزيت الخام والمنتجات البترولية من الخارج ومن الشريك الأجنبى محلياً.
وطالب البعض بضرورة قيام الحكومة بإجراء تخفيضات تعكس الأسعار على الصعيد المحلى ليشعر المواطن بتحقق آليات توائم بين أسعار المنتجات البترولية عالمياً وسعر بيعها محلياً، وعلى سبيل المثال لابد من إعادة النظر فى سعر بنزين 95 المنخفض عالمياً، وأسعار بيعه محلياً بشكل مبالغ فيه.
بداية، علمت «المال»، من مسئول بالهيئة العامة للبترول، أن الحكومة تدرس تبعيات انخفاض أسعار خام برنت العالمية على موازنتها المرصودة لدعم المنتجات البترولية، متوقعاً تحقيق وفر مرتقب فى قيمة الدعم، لم يتم تحديد نسبته حتى الآن.
وقال المسئول إن تدنى سعر برنت لم يشعر به المواطن المصرى، فيما يخص أسعار المنتجات البترولية بسبب عدم تعامل السوق المصرية بآليات العرض والطلب العالمية، متسائلاً عن مدى موافقة المواطن على تنفيذ آلية تضمن تحرك أسعار السلع والمنتجات البترولية بحسب الأسعار العالمية صعوداً أو هبوطاً.
وأكد المهندس يسرى حسان، خبير البترول الدولى، المدير الإقليمى لشركة أيوس بترو الأمريكية فى مصر والشرق الأوسط، أن انخفاض أسعار خام برنت تم بشكل مقصود ومخطط من قبل منظمة «الأوبك»، وأصرت السعودية على زيادة الإنتاج بواقع مليون برميل رغم تدنى الأسعار، موضحاً أن الدول المنتجة للخام كانت تفضل الإبقاء على أسعار خام برنت بين 80 و100 دولار للبرميل.
وقال إنه ومع بدء الولايات المتحدة الأمريكية إنتاج الخام الصخرى بواقع 4 ملايين برميل يومياً بتكلفة تراوحت بين 45 و50 دولاراً للبرميل، على أن يتم تسويقه بما لا يقل عن 70 دولاراً، في توقيت كان فيه سعر الخام «برنت» يتراوح بين 80 و100 دولار وتكلفته تبلغ نحو 12 دولاراً للبرميل، جاءت ضرورة زيادة إنتاج ومعروض خام برنت لينخفض إلى 65-60 دولاراً للبرميل.
وأشار إلى أن الهدف من زيادة معروض وخفض أسعار خام برنت ليس فقط إزاحة الخام الصخرى من المنافسة، ولكن للحفاظ على ثقل ووضع الدول العربية المنتجة للخام سياسياً واجتماعياً باعتبارها لاعباً رئيسياً ومؤثراً فى المنطقة.
وقال حسان، إن الشركات الأمريكية العاملة بمجال إنتاج الزيت الصخرى، أوقفت إنتاجها بعد التدنى الملحوظ فى أسعار بيع خام «برنت» بشكل جعل الاستمرار فى إنتاج الخام الصخرى غير مجدٍ، موضحا ان استجابة الشركات الامريكية للوضع دون تفاوض أو مناقشة مع «الأوبك» ترجع لأسباب سياسية فى المقام الأول.
وأشار إلى أن الوضع الحالى بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا باعتبار الأخيرة من أكبر منتجى الخام فى العالم بما يزيد على 10 ملايين برميل يومياً، جعل الأولى توافق وتستسلم لما فعلته «الأوبك»، خاصة بعد أن أدى انخفاض سعر «برنت» إلى ارتفاع قيمة الدولار أمام العملة الروسية، بما يجعل تنفيذ رغبات السعودية وغيرها فى خفض أسعار برنت فى صالح الولايات المتحدة.
واستبعد عودة أسعار خام برنت العالمية إلى مستوى 100 دولار للبرميل خلال السنوات الخمس المقبلة، متوقعاً أن تظل الأسعار متأرجحه بين 50 و60 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الستة المقبلة لتستقر عند ذلك المستوى، وإلا ستعاود الشركات الأمريكية عملها مرة أخرى لاستكشاف وإنتاج الخام الصخرى.
ولفت إلى أن مصر تنفق نحو 15 مليار دولار سنوياً على استيراد المنتجات البترولية والزيت الخام من الخارج أو من الشركات الأجنبية العاملة فى السوق المحلية، متوقعاً انخفاض تلك القيمة لتصل إلى 10-9 مليارات دولار بنهاية العام المالى الحالى، متأثرة بانخفاض أسعار خام «برنت» العالمى.
ولفت إلى أن هناك عدداً من الشركات الأجنبية تدرس حالياً ابطاء تنفيذ مشروعاتها التنموية داخل مصر، بسبب انخفاض العائد على الاستثمار، وذلك لحين استقرار الأوضاع العالمية واتضاح الرؤية.
وأكد المهندس مدحت يوسف، الاستشارى البترولى، رئيس شركتى موبكو وميدور الاسبق، أنه مع ظهور «shell gas » على الساحة ارتفع إنتاج المازوت بشكل كبير كنتيجة مباشرة لعملية إنتاج الغاز الصخرى، وبالتالى تمت إعادة استغلال هذا المازوت لإنتاج منتجات بترولية خفيفة، دون الحاجة إلى تكرير الزيت الخام بما خلق وفرة فى معروض الأخيرة.
وقال إن آخر اجتماع لمنظمة «الأوبك» شهد إصراراً وتعنتاً واضحاً من السعودية على زيادة معدلات إنتاجها، رغم تدنى الأسعار، مما حقق الانخفاض المفاجئ الحالى بقيمة 63 دولاراً للبرميل، مضيفاً أن قرارها راجع إلى تخوفها من منافسة الغاز والخام الصخرى للزيت «برنت».
ولفت إلى أن تراجع أسعار خام برنت بدأ منذ بداية 2014، نزولاً من 110 دولارات للبرميل إلى مستوى 60 دولاراً حالياً، مشيراً إلى أن مصر هى المستفيد الأول من هبوط أسعار برنت على جميع الأصعدة، خاصة فى فاتورة دعم المنتجات المتوقع انخفاضها بنحو 30 مليار جنيه أو أكثر.
ورغم تأكيده أن عدداً كبيراً من شركات البترول الأجنبية اتخذت قرار ابطاء أو ارجاء مشروعات التنمية، لكنه أوضح أن ذلك القرار لا يعود بالأساس إلى تراجع أسعار خام برنت، بل إلى وجود عدة تحديات ومطالب للشركات سيسرع تنفيذها من عمليات التنمية، وأبرزها تسديد مستحقاتهم المتأخرة وزيادة أسعار شراء الحكومة للغاز المنتج منها.
