أقبل عدد من الكيانات العاملة فى السوق المحلية على التوجه لإصدار «سندات خضراء» كأداة مالية متاحة لتمويل المشروعات صديقة البيئة، وخاصة فى ظل وجود إطار تنظيمى يحكمها وتشجيع مؤسسى أيضًا.
ويعرف البنك الدولى السندات الخضراء على أنها صكوك استدانة تصدر للحصول على تمويل يختص بالمشاريع المستدامة المتعلقة بالبيئة والمناخ، وذلك تشجيعا على الحفاظ على البيئة، مثل مشاريع الطاقة النظيفة، والحفاظ على المناخ، والإدارة المستدامة للنفايات، وغيرها، كما تختلف السندات الخضراء عن غيرها فى أنها تخلق التزاما بإنفاق التمويل الناتج عنها فى مشاريع خضراء.
حاولت «المال» معرفة رؤى الخبراء حول مستقبل «السندات الخضراء» فى السوق المحلية، وما تأثيراتها على الوضع الاقتصادى كونها أداة مالية متخصصة، وتوقع خبراء سوق المال أن تشهد الفترات المقبلة كثرة فى إصدارات السندات الخضراء محليًا، وخاصة عقب النجاح الذى حققه إصدار بنك التجاري« الدولى»، إلى جانب تشجيع الجهات الرقابية وأيضًا دعم الحكومة للمشروعات صديقة البيئة بمجالات الكهرباء النظيفة والمبانى الخضراء ومشاريع المياة والنقل.
واعتبروا أن هذه النوعية من السندات بمثابة أداة تمويلية متخصصة لدعم مشاريع معينة دون غيرها، مرجحين أن يكون لزيادة إصداراتها دور كبير فى تحسين وتشجيع البيئة الاقتصادية التنموية وزيادة التوجه نحو الاقتصاد الأخضر صديق البيئة.
ورجح الخبراء أن تكون الكيانات الصناعية هى الأكثر إقبالاً على إصدار هذه النوعية من السندات خلال الفترات المقبلة وخاصة شريحة الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وكان بنك «التجارى الدولى» أول كيان محلى يحصل رسميًا على موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية بإصدار سندات بقيمة 100 مليون دولار بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية وذلك عقب إتمام عملية الفحص، فيما وقعت شركة «الوطنية للسيارات – ناتكو» حديثًا مع شركة بلتون للترويج عقدًا تكون الأخيرة بمثابته مستشارًا ماليًا لها لإصدار سندات خضراء بقيمة مليار جنيه، فيما على صعيد أخر كانت شركة «بريق لتقنيات الصناعات المتطورة» أحد شركات راية القابضة أعربت عن نيتها سابقًا بإصدار سندات خضراء بقيمة 40 مليون يورو.
معتز الدرينى: نوعية جاذبة للعديد من المؤسسات الدولية ونمو مرتقب لمحطات تحلية المياه تحديدًا
من جانبه قال معتز الدرينى الشريك المؤسس لمكتب «الدرينى للاستشارات القانونية»، إن السندات الخضراء تعد أداة مالية متخصصة لتمويل نوعية معينة من المشاريع.
وأوضح أن الإقبال عليها هو جزء من التوجه العام لمؤسسات التمويل الدولية لدعم المشاريع الصديقة للبيئة، ودعم الحكومة المصرية أيضًا لمشاريع الطاقة المتجددة وغيرها من نوعية المشاريع تلك ومساعيها لتفعيل تنمية المشروعات الخضراء مثل مشاريع إعادة تدوير المخلفات والسيارات الكهربائية.
ولفت الدرينى إلى أن هذا الاتجاه يعد من الاتجاهات الهامة فى السوق المحلية، وسيعمل على تشجيع الإقبال على تأسيس المشروعات النظيفة بوجود إدارة تمويل مخصصة له، موضحا أن الهيئة العامة للرقابة بذلت جهود محمودة لتشجيع هذه النوعية من الإصدارات بوضع إصار تنظيمى لها، بالتعاون مع المؤسسات الدولية المهتمة.
يذكر أن الهيئة العامة للرقابة المالية كانت قد حددت اطار التنظيمى لإصدارات السندات الخضراء بمساهمة مع مؤسسة التمويل الدولية، كأداة مالية جديدة، وبما يتوافق مع مبادئ السندات الخضراء (GBP) الصادرة عن الاتحاد الدولى لأسواق المال (ICMA) عام 2014، بالإضافة إلى وضع الإطار العام لدليل السندات الخضراء على نحو يتوافق مع أحكام قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992 ولائحته التنفيذية لجذب العديد من الجهات الدولية والمؤسسات المالية العالمية المهتمة برصد استثمارات مالية كبيرة لتوجيهها للمشروعات الخضراء.
وتأتى موفقة الهيئة على الإصدار تأتى عقب قيامها بالفحص والتحقق بواسطة جهة دولية مستقلة تؤكد امتثال السندات المقرر إصدار للإطار العالمى للسندات الخضراء، وذلك تفعيلاً للمهام التى حددتها المادة 35 مكرر من اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال، والتى تشترط إعداد تقارير دراسة لتقييم واختبار المشروعات الصديقة للبيئة (المشروعات الخضراء) وتحديد مدى توافق تلك المشروعات الممولة بحصيلة السندات الخضراء باشتراطات البيئة النظيفة، كما يتم اختيار الخبراء والمؤسسات الاستشارية إليها من جانب المقيدين فى جداول بالهيئة العامة للرقابة المالية ويتم إعداده أيضًا بالتنسيق مع وزارة البيئة.
وأضاف معتز الدرينى أن السندات الخضراء كأداة تمويل جاذبة لنوعية مهمة من شريحة المؤسسات الدولية المهتمة بدعم مشاريع الطاقات النظيفة فى مصر مثل مؤسسة التمويل الدولية والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة وتحديدًا خلال 2022 إصدارات جديدة من السندات الخضراء وخاصة من جانب الكيانات العاملة بقطاع الاغذية وتحديدًا بمجالات إعادة تدوير المخلفات وغيرها، إلى جانب العاملة بمشاريع الطاقات المتجددة للطاقة الشمسية، وحطات تحلية المياة.
ورجح أن تشهد مشاريع تحلية المياة رواجًا واضحًا خلال الفترات المقبلة وخاصة مع كافة الأحداث السياسية المطروحة على الساحة حاليًا وبالتالى ستعمل الحكومة على تشجيع دخول شركات القطاع الخاص فى تلك المشاريع ما قد يتبعها رواج للسندات الخضراء كأداة تمويل رئيسية لنوعيات المشاريع تلك.
وأعرب عن أماله بأن يكون هناك توجه من جانب الكيانات الصغيرة سواء العاملة بالقطاع السياحى أو الصناعى أو أى من المجالات الأخرى التى قد تلجأ لتركيب ألواح للطاقة الشمسية لاستخدام نوعية السندات الخضراء كأداة تمويل للمساهمة فى زيادة رواج الأداة.
وفى سياق متصل قال خالد موسى، المؤسس والشريك الإدارى بمكتب «egyptian law firm» للاستشارات القانونية، الإقبال على إصدارات السندات الخضراء يؤكد اهتمام القطاع الخاص بالمسئولية البيئية.
ولفت إلى أن البيئة الخضراء هى نموذج مبتدئ فى السوق المحلية سيصل مستقبلاً إلى كونه فكر عام نتيجة لظروف حتمية، وبالتالى فإن خلق أداة تمويل خاصة لنوعية تلك المشاريع ستلاقى اهتمام كبير الفترة المقبلة.
وأشار موسى إلى أن هناك ميزة كبيرة للسندات الخضراء مقارنة بأدوات التمويل الأخرى تتمثل فى انخفاض الضرائب عليها مقارنة بأى أداة تمويل أخرى.
يذكر أن الهيئة العامة للرقابة المالية أقرت مبادرة مؤخرًا لمنح حوافز للسندات الخضراء وتعزيز الترويج لإصدارها بإعفاء مصدرى السندات الخضراء من %50 من إجمالى مقابل الخدمات والفحص بالهيئة، هذا إلى جانب تشجيع الشركات- بالقطاع الخاص- الأخرى على استخدام السندات الخضراء كأدوات مالية يمكنها تحقيق التوازن بين العوائد المالية، وتعزيز الأثر البيئى، والاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية.
وأضاف، أن الفرق بين السند الطبيعى ونظيره الأخضر أن حصيلة الأخير لابد أن توجه لمشروع صديق للبيئة، موضحًا أن هذا مع تم بالفعل من جانب الكيانات التى أصدرت تلك النوعية.
يذكر أن بنك «التجارى الدولى» كان قد أعلن أنه سيتم توجيه حصيلة الإصدار لتمويل مشروعات بيئية من شأنها استعمال الطاقات النظيفة والتخفيف من العوامل التى تؤدى إلى ارتفاع حرارة الأرض فى عدد من المشروعات الخضراء القائمة بما فى ذلك المبانى الخضراء والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ضمن محفظة الإقراض للبنك.
وكذلك قالت شركة «الوطنية للسيارات – ناتكو» إنه سيتم تخصيص جزء من ذلك الطرح للسندات الخضراء للتوسع فى مجال السيارات الكهربائية وتصنيع شواحن السيارات وانشاء محطات الشحن ومراكز التوزيع وخدمات ما بعد البيع.
ولفت خالد موسى إلى أن إقرار مزيد من الإعفاءات الضريبية ستكون أحد المحفزات لنمو السندات الخضراء من جانب القطاع الخاص.
وأضاف أن سوق المال فى مصر، أمامها فرص كبيرة للنمو، ما يعنى أنه يحتمل مزيد من المشتقات المالية وأدوات التمويل الجديدة المتواجدة بالأسواق الخارجية سواء السندات الخضراء أو ظهور أدوات تمويل مختلفة.
أشرف إيهاب: تمثل جزءا من التوجه نحو التنمية المستدامة ضمن رؤية 2030
وقال شرف إيهاب المؤسس ومسئول التمويل بمكتب «ذو الفقار وشركاه للاستشارات القانونية»، إن الهيئة العامة للرقابة المالية دائمًا ما تعظم من الإصدارات الخضراء تماشيًا من التوجه نحو التنمية المستدامة ضمن رؤية 2030.
وأضاف أن تلك الجهود ظهرت فى النجاح الكبير الذى حققه إصدار «التجارى الدولى»، متوقعًا أن تلاقى أيً من الإصدارات الجديدة نفس درجة النجاح والاهتمام من جانب المؤسسات الدولية.
ولفت إيهاب إلى أن التحول نحو الطاقات النظيفة فى مجال النقل وبدء العمل بالسيارات التى تعمل بالطاقة الشمسية والكهرباء سيزيد من الإقبال على السندات الخضراء.
وأشار إلى أن الجهود التشجيعية الحالية من جانب الجهات الرقابية محمودة ولكن مع كثرة إصدارات السندات الخضراء وتعدد الجهات المصدرة قد يظهر حينها بعض الإشكاليات وبالتالى سيكون لابد من العمل على حلها.
ونوه بأن أهمية زيادة إصدارات السندات الخضراء بالنسبة للسوق المصرية، تتمثل فى إقبال المؤسسات الخارجية على الاكتتاب بها وبالتالى تعطى صورة خارجية عن مدى جاذبية واستقرار السوق المحلية وسعيه الجاد للتحول نحو التنمية المستدامة.
عمرو الألفى: ستسهم فى تحسين البيئة التشغيلية للشركات العاملة فى المشاريع النظيفة
وقال عمرو الألفى رئيس قسم البحوث بشركة «برايم القابضة للاستثمارات المالية»، إن كثرة الإقبال ستكون مرتبطة بمدى رغبة الشركات المحلية على تدشين مشروعات صديقة للبيئة.
وأضاف أن المشروعات الصديقة للبيئة عادة ما تكون جاذبة للمؤسسات الدولية أكثر من نظائرها المحلية.
وأشار الألفى إلى أن إصدار السندات الخضراء من المفترض أن يساهم فى تحسين البيئة التشغيلية للشركات العاملة فى المجال الأخضر، وخاصة الشركات صاحبة القروض المرتفعة.
ولفت إلى أن وجود أداة تمويلية محددة لتمويل نوعية مشروعات معينة، وهى المشاريع الخضراء قد يساهم فى زيادتها خلال الفترة المقبلة.
يذكر أن هيئة الرقابة المالية كانت قد انتهت مؤخرًا من وضع الإطار التنظيمى لضوابط إعداد الشركات لتقارير إفصاح جديدة عن الممارسات البيئية والمجتمعية والحوكمة المؤسسية بعد نجاحها فى إتمام الموافقة على الإصدار الأول من السندات الخضراء فى سوق رأس المال المصرى بقيمة 100مليون دولار لصالح التجارى الدولى.
وأصدر الدكتور محمد عمران، رئيس هيئة الرقابة المالية، القرارين رقمى (107)، ( 108) لسنة 2021 بمطالبة الشركات المقيدة فى البورصة المصرية، والشركات العاملة فى الأنشطة المالية غير المصرفية بتقديم تقارير إفصاح بيئية ومجتمعية وحوكمة ذات صلة بالاستدامة (معايير ESG) Environmental Social and Governance، وأخرى متعلقة بالآثار المالية للتغيرات المناخية تمثل توصيات (TCFD) Task Force on Climate Financial Disclosure ضمن تقرير مجلس إدارة الشركة السنوى والمرفق بالقوائم المالية السنوية.
جدير بالذكر أن الدولة المصرية تعمل بنشاط وجدية نحو تعزيز سياسات التمويل المستدام منذ عام 2019، حيث سبق وأصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 113 لعام 2019 وحدد القائمة الأولية للمراقبين الدوليين التابعين لجهات خارجية للمشاريع الخضراء.
كما يعتبر هذا القرار مرجعًا أوليًا للشركات المهتمة بإصدار أدوات مالية صديقة للبيئة، وتؤيد القائمة أفضل 11 مدققًا تابعًا لجهة خارجية مع أعلى حصص فى السوق الدولية، بالإضافة للقرار رقم 127 لسنة 2019 بشأن إنشاء سجل للمراقبين البيئيين المحليين لدعم إصدار السندات الخضراء فى مصر وخلق سوق محلى قوى من المدققين البيئيين لتسهيل إصدار السندات الخضراء فى السوق المصرية وعدم اقتصارها على الشركات الكبيرة فقط.