رأى خبراء سياسيون، أن مصر استطاعت أن تستعيد بقوة دورها في الشرق الأوسط ، بعد أن وضعت بصمات واضحة في عدد من القضايا العربية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة الليبية، وذلك بعد سنوات من الانزواء للداخل.
استعادة دور مصر في الشرق الأوسط
واستضافت مصر أمس (الثلاثاء) اجتماعا للفصائل الفلسطينية، توصلت خلاله لاتفاق حول كل القضايا الرئيسية لإجراء الانتخابات العامة في مايو المقبل.
وأعربت الفصائل في بيان عن شكرها لمصر على رعاية الحوار الفلسطيني، داعية إياها لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه والمشاركة الفاعلة في الرقابة على الانتخابات في مراحلها كافة.
وتبذل مصر، أيضا جهودا مضنية لاستئناف مفاوضات السلام، حيث استضافت أخيرا اجتماعا لوزراء خارجية “مجموعة ميونيخ”، المعنية بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وهي مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، بينما عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا (الاثنين) الماضي بناء على طلب مصر والأردن، لدعم القضية الفلسطينية.
كما تستضيف مصر، حاليا اجتماعات المسار الدستوري الليبي، بحضور وفود من مجلس النواب ومجلس الدولة والمفوضية العليا للانتخابات، ومسؤول المسار الدستوري بالبعثة الأممية للدعم في ليبيا، لمناقشة الترتيبات الدستورية المؤدية للانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021.
جهود إنهاء الانقسام الليبي
وبالتوازي مع الاجتماعات، أجري الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم اتصالا هاتفيا مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد محمد المنفي، أعرب خلاله عن التطلع لأن يمثل اختيار القيادة الليبية الجديدة بداية عهد جديد لإنهاء الانقسام الليبي، وأكد مواصلة مصر تقديم الدعم لليبيين على الصعيد الاقتصادي والأمني والعسكري.
كذلك تمكنت مصر، أخيرا من التوصل لاتفاق مع الحكومة العراقية حول تفعيل آلية “النفط مقابل الإعمار”، لتنفيذ مشروعات بنية تحتية في العراق، وأكد السيسي خلال استقباله اليوم وزير خارجية العراق فؤاد حسين، تقديم الدعم الكامل للشعب العراقي في كافة المجالات.
كما دخلت مصر على خط الأزمة اللبنانية، حيث استقبل السيسي (الأربعاء) الماضي رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، وأكد “حرص مصر للحفاظ على قدرة الدولة اللبنانية بالمقام الأول، وإخراج لبنان من الحالة التي يعاني منها حاليا”.
تدويل القضايا العربية
وفي هذا الصدد، قال الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن “أسوأ ما فى المنطقة العربية هو أن تركت قضاياها فى أيدي قوى إقليمية ودولية تلاعبت بهذه القضايا، ولم تصل بها إلى حلول، بالعكس تم تدويل هذه القضايا لخدمة مصلحتها”.
وأضاف غباشي، لوكالة أنباء (شينخوا)، أن “مصر أدركت هذا الأمر وعادت لممارسة دورها كقوة كبيرة فى الشرق الأوسط، فهي تملك جيشا مصنف عالميا، وهو أكبر جيش في المنطقة، وتمثل ثلث سكان العالم العربي”.
وتابع أن “مصر بدأت تستعيد بقوة دورها الإقليمي، وهذه العودة محمودة، فمصر لعبت دورا كبير جدا فى الساحة الليبية، وموجودة على طاولة المفاوضات، ولها كلمة مسموعة، وهذا أمر جيد جدا لمصر، التي تستضيف حاليا اجتماعات القوى الليبية في مدينة الغردقة”.
التوفيق بين الفصائل الفلسطينية
وأردف أن “الدور المصري مهم جدا أيضا بالنسبة لفلسطين، فهي ترعى التوافق بين الفصائل الفلسطينية، كما أنها تقوم بالدور الأساسي فى أي تهدئة تحدث بين حماس وإسرائيل”.
وواصل أن “دور مصر رئيسي ومحمود في قضيتي فلسطين وليبيا، واتمنى أن تلعب ذات الدور فى القضيتين اليمنية والسورية، وكذلك في لبنان، لأن القضايا العربية لن تحل ما لم تفعل القوى العربية دورها وتطرح المبادرات الخاصة بالحل، ومصر ليس لها مصلحة سوى استقرار هذه الدول، وأن تصبح جزءا من منظومة الأمن القومي العربي”.
وعن الأسباب التي ساعدت مصر على استعادة دورها، قال غباشي إنه “دون شك، قوة الداخل المصري اقتصاديا وعسكريا ساعدت مصر على استعادة دورها الخارجي”.
وأضاف أن “استقرار مصر السياسي ساعدها كثيرا فى دورها الخارجي”، إلى جانب القوى الناعمة المصرية مثل دور الأزهر والكنيسة، وكذلك إرسال مصر مساعدات اقتصادية للخارج، وغيرها.
دبلوماسية متعددة الأهداف
وشاطره الرأي الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة بقوله إن “مصر تستعيد دورها الإقليمي” لكنه عزا ذلك إلى “الدبلوماسية الرئاسية للرئيس السيسي”.
وتابع فهمي لـ “شينخوا”، أنه “فى تقديري، مصر تعود إلى وضعها الطبيعي فى الإقليم بصورة كبيرة من خلال الاندماج فى قضايا المنطقة والسعى لحلها”.
واستطرد أن “دور مصر مشهود به فى أزمات الإقليم مثل فلسطين وليبيا ولبنان والعراق ومنطقة الخليج، فهي تعرف كيفية مواجهة التحديات الإقليمية، وتتبع دبلوماسية متعددة الأهداف في هذا التوقيت”.
وواصل “توجد عوامل ساعدت مصر على استعادة دورها، مثل القيادة السياسية وعلى رأسها السيسي، وحسابات القوة الشاملة لمصر، وتنويع مصادر السلاح، وتعامل مصر بندية فى إطار العلاقات الدولية والإقليمية، وإقامة علاقات جيدة مع الجانبين الروسي والصيني”.
حضور على كافة المستويات
وأشار إلى “مصداقية الدور المصري فى الإقليم، خاصة أن مصر ليست متورطة فى أي قضية إقليمية، ولها حضور على كافة المستويات”.
ولفت إلى أن “مصر أصبحت تنفذ مشروعات ضخمة في الخارج مثل تنفيذ أكبر سد في تنزانيا.. كما تقدم المساعدات للعديد من الدول، وهذا تأكيد على دورها الإقليمي”.
أما الدكتور عاطف سعداوي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فقال إن “مصر لم تفقد خلال أي فترة دورها الإقليمي لكن ربما انشغلت فى بعض الفترات بالشأن الداخلي، وبعد أن أنجزت أمورا كثيرة فى الداخل بدأت مصر حاليا ترجع لممارسة نفس الدور بنفس القدر من الأهمية”.
وأضاف سعداوي لـ(شينخوا)، أن الأمر كان مجرد أولويات، ففى فترة ما كان الاهتمام بالداخل يمثل الأولوية، وحاليا مصر رجعت إلى المسار الطبيعي، هو الاهتمام بالداخل والخارج بشكل متواز.
وتابع أنه “بالتأكيد مصر استعادت دورها الإقليمي التقليدي، الذى أثبتت الأحداث الماضية أنه لا غنى عنه، خاصة في ظل محاولات من بعض القوى الإقليمية أن تقوم بدورها لكنها فشلت فى النهاية، لأن دور مصر مختلف بحكم عوامل كثيرة مثل التاريخ والجغرافيا والتأثير”.
المحافظة على الدولة الوطنية
وأردف “هناك نقطة مهمة وواضحة جدا ونابعة من الرئيس السيسي وهي الحرص على بقاء الدولة الوطنية فى كل الدول العربية، ومن أجل ذلك تدخلت مصر بقوة على خط أزمة لبنان، وهذا أمر مستجد، لأن مصر لم تكن القوة الإقليمية ذات التأثير الأكبر فى لبنان، لكن حاليا بدأت تلعب دورا، لأن الأزمة فى لبنان ليست أزمة تغيير حكومة بل أزمة تهدد بقاء الدولة الوطنية نفسها”.
واستطرد أنه “نفس الأمر فى ليبيا، الدولة الوطنية كانت معرضة للانهيار، وليبيا بالنسبة لمصر أمن قومي، وبالتالى نجحت جهود مصر فى وضع حجر الأساس لإعادة بناء دولة وطنية جديدة فى ليبيا”.
وعن الأسباب التي ساعدت مصر على استعادة دورها، قال سعداوي إن “مصر تبنت فى الداخل شرعية الإنجاز من خلال تنفيذ مشاريع قومية كبرى وتحقيق نمو اقتصادي واستقرار داخلى، وهو ما أعطى ثقة لمحيطها الإقليمي فى قدراتها، وبالتالى مصر تتحرك خارجيا بثقة كبيرة”.
وأكد أن “مصر لديها الإرادة السياسية لاستعادة دورها ومكانتها الخارجية بعد أن استعادت توازنها الداخلى.. ولن تتخلى عن المحيط الإقليمي”.
يشار إلى أن هذه المادة نقلا عن وكالة شينخوا الصينية بموجب اتفاق لتبادل المحتوى مع جريدة المال.