أثنى خبراء سوق المال على قرارات الحكومة التحفيزية والتنشيطية للاقتصاد بشكل عام، والبورصة المصرية بشكل خاص، مؤكدين أنها ستعزز فرص تسجيل ارتدادة قوية للبورصة فى المستقبل وليس الحاضر.
وأضافوا أن البورصة فى الوقت الحالى أصبحت مرهونة بتطورات فيروس “كورونا” ومدى انتشاره محليًّا وعالميًّا، بالإضافة إلى فرص إيجاد علاج ومَصل، ومدى الآثار السلبية التى ستقع على عاتق الاقتصاد العالمى.
وأوضحوا أن الاستجابة المتأخرة تُقلل الآثار الإيجابية له، بالإضافة إلى أن سيطرة حالة الخوف والفزع على المستثمرين تسببت فى تغيير تفضيلاتهم خلال الفترة الراهنة من الاستثمار والادخار إلى السلوك التخزينى للسلع ومستلزمات الحياة والحفاظ على الصحة.
وطالبوا بضخ سيولة جديدة وقوية من الهيئات والجهات الحكومية، مثل «التأمين» و«البريد» والصندوق السيادى، عبر تنفيذ عمليات شراء للأسهم من أجل تنشيط عمليات التداول فى السوق ورفع ثقة المستثمرين بها، فى الوقت الذى حذروا فيه من قيام الحكومة بدعم البورصة من خلال شراء الأسهم بقيم كبيرة؛ حتى لا تأتى بنتائج عكسية، مثلما حدث فى تسعينات القرن الماضى بتجرية “اليابان” أو ما عُرف بـ”العقد الضائع”.
وأعلنت الحكومة المصرية، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، أمس الثلاثاء، خفض ضريبة دمغة البورصة على غير المقيمين لتصبح 1.25 فى الألف بدلًا من 1.5 فى الألف، بالإضافة إلى خفضها للمقيمين لتصبح نصف فى الألف، حتى تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية عليهم بدءًا من عام 2022.
كما تقرر خفض سعر ضريبة توزيعات الأرباح للشركات المقيدة بالبورصة بنسبة %50 لتصبح %5 وكذلك قررت الحكومة الإعفاء الكامل للعمليات الفورية على الأسهم من ضريبة الدمغة لتنشيط حجم التعامل وزيادة عمق السوق المصرية، كما تقرر أيضًا إعفاء غير المقيمين من ضريبة الأرباح الرأسمالية نهائيًّا، وتأجيل هذه الضريبة على المقيمين حتى 1/1/ 2022 .
وأكد رئيس الوزراء أن حزمة القرارات المُتخَذة من جانب الحكومة تعكس حرص الدولة المصرية على سرعة التعامل لدعم قطاع الصناعة، وكذا مواجهة التداعيات الراهنة، والحدّ من آثارها السلبية المتوقعة بقدر الإمكان، كما تتسق القرارات وجهود الدولة بهدف تعزيز ثقة المستثمرين ومجتمع الأعمال وكل الشركات العاملة بالسوق، فى إمكانيات الاقتصاد المصرى.
وتكبدت البورصة المصرية خسائر برأسمالها السوقى قُدّرت بنحو 184 مليار جنيه فى الفترة من 16 فبراير حتى 17 مارس، كما هبط مؤشرها الرئيسى “egx30” بـ %33.4 ليسجل أدنى مستوى له منذ 2014.
شريف سامى: لا مهرب من أن ندَع الاعصار يمر بسلام
وقال شريف سامى، الرئيس السابق للهيئة العامة للرقابة المالية، ورئيس مجلس إدارة الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار، إن قرارات الحكومة بشأن خفض ضريبة الدمغة ستسهم فى تحسين بيئة الاستثمار عندما تعود الأمور إلى نصابها فى البورصات والاقتصاد العالمى والمحلى.
وأضاف أنه كان من الأَوْلى إنهاء الجدل المصاحب لملف فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، مشيرًا إلى أنه عقب فترة زمنية ستعود تلك الحالة مجددًا، بنفس المناقشات وحالة عدم اليقين، ومن ثم وقوع آثار سلبية على السوق.
وشدد سامى على ضروة الانتهاء من انتخاب مجلس إدارة الاتحاد المصرى للشركات العاملة فى مجال الأوراق المالية؛ حتى يكون صوتَ القطاع ويقوم بدوره على غرار اتحاد البنوك واتحاد شركات التأمين وغيرهم.
ولفت إلى أن البورصة المصرية دخلت مرحلة الإنعاش الجبرية دون جدوى؛ بسبب الأجواء العالمية الواقعة حاليًّا، وضبابية المشهد مستقبلًا، قائلًا: “لا مفرَّ من أن يُترك إعصار كورونا للمرور بسلام”.
وحذّر سامى من انسياق الحكومة لدعم البورصة من خلال شراء الأسهم بقيم كبيرة، موضحًا أنه لا يمكن وقف هبوط أى بورصة أو زيادة نشاطها من خلال ضخ أموال حكومية.
وذكر أن اليابان حاولت ذلك فى تسعينات القرن الماضى، ولم تؤدّ إلى أى نتيجة إيجابية، بل إن تلك الفترة أُطلق عليها “العقد الضائع”، لكن يُفضل أن تتجه هيئات التأمينات والبريد وغيرها للاستثمار ودعم أداء السوق حاليًّا.
وأوضح أنه فى الأمد المتوسط، وتحديدًا عقب استقرار الأوضاع، فإنه يجب العمل بجدية على جانبى العرض والطلب؛ لإيجاد بورصة قوية حيث القيمة السوقية أرقام التداول اليومية والسيولة، فى ظل جاهزية البنية التشريعية التى أعدّتها الهيئة العامة للرقابة المالية على مدى السنوات السابقة.
وتابع قائلًا: إن أهم عناصر زيادة العرض يكمن فى جذب كيانات جديدة غير حكومية، للسوق، وطرح أسهم مشروعات جديدة، وذلك بمساهمة الصندوق السيادى، بالتعاون مع شركات القطاع الخاص الكبيرة، إلى جانب إدراج وثائق صناديق استثمار عقارية، وأخرى متخصصة فى مجال البنية الأساسية، ما يمثل إضافة كبيرة للعرض فى السوق.
أما على جانب الطلب فقال سامى إن أوعية التأمين، سواء صندوق التأمين الاجتماعى أو شركات التأمين أو صناديق التأمين الخاصة، لها دور فاعل كمستثمر مؤسسى فى البورصة.
وأكد سامى أنه يجب ألا تكون النظرة للبورصة مقصورة على الأسهم، فالسندات وسندات التوريق يجب أن يكون لها نصيبٌ فى تعاملات المستثمرين، وتنشيط التعامل عليها يتيح لهم موازنة المخاطر، ولا سيما فى ظل انخفاض أسعار العائد من الودائع المصرفية.
ودعا سامى للنظر فى تبسيط آلية بيع وشراء وثائق صناديق الاستثمار، التى تستدعى حاليًّا الذهاب مرتين لفرع أحد البنوك لكل تعامل، بأن تكون إلكترونية باستخدام وسائل الدفع الحديثة وأن تُتاح أيضًا من خلال شركات السمسرة فى الأوراق المالية. وقال إن مثل هذا الإجراء سيستقطب المزيد من الأموال على اختلاف فئات الصناديق من صناديق أسهم أو متوازنة أو دخل ثابت أو نقدية أو عقارية.
من جهته قال عصام خليفة، خبير أسواق المال، إن قرار خفض صريبة الدمغة وتأجيل نظيرتها للأرباح الرأسمالية يعد من الحوافز الإيجابية للسوق خلال الفترة المقبلة، لكن عقب انتهاء سيطرة وهيمنة تفشى فيروس كورونا على حركة الأسواق فى العالم أجمع.
وأضاف أن قرار خفض سعر الفائدة يُعد من أكبر القرارات المؤثرة إيجابًا على سوق الأسهم، مشيرًا إلى أن البورصة المصرية شهدت هزات مماثلة فى سنوات سابقة، باختلاف العوامل المؤثرة، إذ تعرضت فى عام 1999 لهزة عنيفة، وكان من أبرز الحلول التى قُدّمت حينها، أن بعض الجهات الحكومية كهيئات التأمين أسست 3 صناديق مغلقة وضخّت أموالها بالسوق، ما دعّم وضع السيولة بشكل جيد.
ورأى أن أحد الحلول المجدية حاليًّا، أن تُبادر كبرى المؤسسات المالية كشركات التأمين، والهيئة القومية للبريد، والتأمينات الاجتماعية، والأذرع الاستثمارية للبنوك الحكومية، بضخّ سيولة بالسوق، مشيرًا إلى أن ذلك سيبعث رسالة ثقة للمتعاملين، وسيساعد كذلك فى تماسك المؤشرات، ما قد يدفعها للصعود فى وقت لاحق.
وأشار خليفة إلى أن الطروحات الحكومية كانت تمثل أحد أهم عوامل الدعم فى الفترات السابقة، لكن تنفيذها فى الوقت الراهن لن يجدى شيئًا، إذ إن السوق غير مستعدة لاستقبال أية طروحات جديدة؛ لغياب الثقة وتخوف المستثمرين من المستقبل.
ولفت إلى أنه رغم حالة الذعر الكبيرة لكن الفرصة مواتية فى الفترة الحالية لضخ أموال بسوق الأسهم لتدنى الأسعار، موضحًا أن المؤشرات تنم عن حركة صعود جامحة فيما بعد، ومن ثم ستكون المكاسب مُغرية.
وأشار إلى أن تأسيس صناديق مغلقة وتوجه المؤسسات سالفة الذكر للاستثمار يكاد يكون هو الحل الوحيد المتاح حاليًّا، وسيدعم الأداء بشكل محدود جدًّا فى صورة تماسك فقط؛ لقوة تأثير “كورونا” على الأسواق جميعها.
كريم خضر: تخفيض ضريبة الدمغة وتوضيح مستقبل «الأرباح الرأسمالية» إيجابى
من جهته قال كريم خضر، العضو المنتدب لشركة التجارى الدولى للسمسرة، إن قرارات خفض ضريبة الدمغة وإزالة الغموض عن مستقبل ضريبة الأرباح الرأسمالية مع قرار “المركزي” خفض سعر الفائدة، جاءت فى محلّها، وستساعد فى تهيئة البيئة للصعود مستقبلًا، لكنها لن تؤثر على السوق فى فترة تفشى فيروس كورونا.
وأضاف أن حل البورصة فى الوقت الراهن يكمن فى إيجاد علاج لفيروس كورونا أو على الأقل انحسار عدد الإصابات به، إذ سيسهم ذلك فى القضاء على حالة الخوف والهلع التى تسيطر على المستثمرين، والتى تنتج عنها عمليات بيع عشوائى.
إيهاب السعيد: حوافز جيدة لكن اكتشاف علاج الفيروس سبيل القضاء على خوف المتعاملين
من جهته أشاد إيهاب السعيد، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية، ورئيس قسم التحليل الفنى بشركة أصول للسمسرة، بقرارات البنك المركزى والحكومة الأخيرة، إلا أنه قلّل من تأثيرها على البورصة المصرية فى الوقت الراهن.
وأضاف أن الخوف الذى سيطر على الجميع تسبَّب فى تغيير هيكلى بتفضيلات وتحركات المستثمرين فى البورصة، من الاستثمار والادخار بشكل عام، إلى محاولة حماية الصحة وتأمين متطلبات الغذاء؛ خوفًا من مستقبل كورونا.
وأوضح السعيد أن الحل الوحيد للاقتصاد المصرى والسوق يكمن فى ضخ سيولة جديدة، مشيرًا إلى أن السوق المصرية عانت حالة ركود قبل بدء انتشار كورونا، ناتجة عن نقص السيولة.
الألفي: تدخل المؤسسات والصندوق السيادى لشراء الأسهم خطوة مطلوبة لتنشيط السوق
من جهته أكد عمرو الألفى، رئيس قطاع البحوث بشركة شعاع مصر لتداول الأوراق المالية، ضرورة قيام الحكومة بضخ سيولة جديدة فى السوق تشمل شراء الأسهم، سواء من قِبل الصناديق السيادية أو المؤسسات المحلية التابعة لها مثل بنك الاستثمار القومى والصندوق السيادى “ثراء”، مشيرًا إلى أن انخفاض أسعار الأسهم إلى قاع تاريخية يعد فرصة جيدة للمؤسسات الحكومية.
وأشار إلى أنه كان من الأفضل إصدار تشريعات حكومية تتضمن إلغاء العمل بكل الضرائب على البورصة بشكل نهائى وليس الاكتفاء بتأجيلها لفترة معينة، كذلك العمل على تقليل أى تكاليف تتعلق بالتداول، سواء الموجهة إلى البورصة أو الرقابة المالية، مع إعادة النظر فى ضوابط البيع على المكشوف «الشورت سيلينج»؛ لعدم قيامها بالدور المطلوب منها، خاصة أثناء تراجع السوق.
وأشاد الألفى بخفض سعر الطاقة للشركات والمصانع كثيفة الجهد والفائق، بجانب توفير مليار جنيه دعمًا للمصدرين، مشيرًا إلى أن دعم المنشآت السياحية بتأجيل الضريبة العقارية أمر مهم للقطاع الأكثر تضررًا من الفيروس.
وقال إن كل المبادرات التى بدأت الحكومة إطلاقها لدعم الاقتصاد المحلى ستنعكس بالتبعية على البورصة والشركات المقيدة، فقرار البنك المركزى خفض الفائدة بواقع 3% دفعة واحدة، ستستفيد منه شركات مقيدة، مثل بالم هيلز للتعمير، ومصر الجديدة للإسكان والتعمير، ومدينة نصر للإسكان، وكذلك قطاع التمويل الاستهلاكى، والقطاع المالى غير المصرفى، فضلًا عن الشركات المكبَّلة بالديون مثل حديد عز.
ويرى الألفى أن إغلاق بعض المناطق السياحية مثل الغردقة سيؤثر بالتبعية على شركات السياحة بالبورصة، وعلى رأسها أوراسكوم للتنمية، وكذلك مصر للفنادق، والمصرية للمنتجعات السياحية ستتضرران من انخفاض عدد الوافدين.
وأوضح الألفى أن القطاعات الدفاعية أبدت بعض القوة خلال تداولات البورصة أمس، مثل عبور لاند وابن سينا للأدوية والقاهرة للاستثمار، لكنْ تظل تحركات السوق مرهونة بأداء الأسواق العالمية.