تتيح آلية توريق الحقوق المالية المستقبلية للجهات التى تقدم خدمات نفع عام للمواطنين التى أقرتها هيئة الرقابة المالية مؤخرا بديلا تمويليا غير تقليدى للجهات التى تخدم المواطنين بالقطاعين العام والخاص، وشركات المرافق العامة بما يمكنها من دعم استثماراتها ذاتيا، كما تتماشى مع الطفرة التى تسعى الدولة لتنفيذها فى الاستثمارات الحكومية وفقا لخبراء فى المجال.
كانت هيئة الرقابة المالية أعلنت قبل إجازة عيد الفطر مباشرة موافقة مجلس إدراتها على مشروع تعديل لبعض أحكام قانون سوق رأس المال رقم (95) لسنة 1992، بهدف استحداث آلية لتوريق الحقوق والمستحقات المالية المستقبلية المتوقعة، للجهات القائمة على شئون المرافق والخدمات العامة فى الدولة لتمكينها من القيام بأعمالها وأنشطتها فى مجال البنية التحتية من مشروعات الطرق والمواصلات، وإرسال التعديلات للجهات المختصة للتصويت عليها.
ويأتى هذا التعديل مدعوما بطفرة فى إصدارات سندات التوريق العام الماضى، حيث تجاوزت قيمتها الـ 24 مليار جنيه، وفقا لبيانات هيئة الرقابة المالية، ما يشير إلى أن النشاط أصبح مصدراً رئيسياً لتمويل المشروعات.
ويتطلع الخبراء للإعلان عن كيفية تنفيذ هذه الآلية، ولكن بعد إقرار الآلية من البرلمان إذ إنها تحتاج تعديلا تشريعيا، مؤكدين أنها ستعمل على التوسع فى إصدارات سندات التوريق فى مصر، لافتين إلى اختلافها عن المُطبقة حاليا نظرا لاعتمادها على تدفقات مالية مستقبلية متوقعة بناء على المسار التاريخى للجهة المصدرة، بينما تعتمد الحالية على حقوق مدينة منشأة بالفعل، ومُدرجة بموازنة الجهة المُصدِرة.
وأكدوا أن عملية التصنيف الائتمانى للجهات التى قد تلجأ للآلية الجديدة تشمل جميع الجوانب التى تضمن نجاح الإصدارات، وكفاءتها، وأهمها التدفقات المالية المستقبلية للجهة بناء على أرباحها تاريخيا.
وقال الدكتور محمد عمران، رئيس هيئة الرقابة المالية، فى بيان سابق، إن التعديل المقترح سيدعم العديد من أشخاص القانون العام وشركات القطاع الخاص التى يمكن أن تقوم بالحصول على التمويل المطلوب من خلال توريق حقوقها المالية المتوقع دخولها فى ذمتها المالية فى المستقبل.
وأوضح أنه من أبرز الأحكام التى جاءت بالمشروع المقترح ما يلى:
– السماح لشركات التوريق المرخص لها من الهيئة العامة للرقابة المالية بإصدار سندات قابلة للتداول توجه حصيلتها لتمويل أشخاص القانون العام والأشخاص الاعتبارية الخاصة مقابل ما ينشأ لصالح هذه الجهات من حقوق مالية مستقبلية متوقعة نتيجة إدارة مرافق عامة أو تقديم خدمات عامة للجمهور.
– السماح لمجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية بإضافة أنواع أخرى من الحقوق المالية المستقبلية المتوقعة التى يتم إصدار سندات توريق مقابلها.
– النص على سريان الأحكام المنصوص عليها بقانون سوق رأس المال والمنظمة لتوريق الحقوق المالية الآجلة فى شأن توريق الحقوق المالية المستقبلية المتوقعة وذلك فيما لم يرد بشأنه تنظيم خاص لهذا النوع من الحقوق.
– تقسيم الفصل الثالث من الباب الثالث من قانون سوق رأس المال والمعنون «شركات التوريق» إلى فرعين، يتناول الأول «تنظيم توريق الحقوق المالية الآجلة» وهى المواد الموجودة حالياً بالقانون، ويتناول الفرع الثانى التنظيم القانونى المقترح لـ«توريق الحقوق المالية المستقبلية المتوقعة».
وأضافت الهيئة أنه من أهم القطاعات التى يمكن أن تستفيد من توريق حقوقها المالية المستقبلية المتوقعة، مع ضخامة المستفيدين من تمويلها قطاع الكهرباء، قطاع الغاز، قطاع المياه، قطاع الاتصالات، قطاع الطرق والكبارى، قطاع نقل الركاب والبضائع سواء برياً أو بحرياً أو جوياً بما فى ذلك رسوم بوابات الطرق ومترو الأنفاق وشبكة السكك الحديدية، قطاع الصحة، قطاع التعليم، قطاع الإسكان.
الدرينى: يفتح المجال لتوريق نوعية جديدة من المحافظ
ويرى معتز الدرينى، الشريك المؤسس فى مكتب الدرينى وشركاه أن القرار سيفتح المجال لتوريق محافظ ونوعية جديدة من الحقوق المالية، بأسلوب مختلف، ويعد خطوة إيجابية بجميع المعايير.
وأوضح الدرينى أن قرار هيئة الرقابة المالية يتيح للجهات التى تقدم خدمات عامة، سواء كانت عامة أو خاصة ومنها على سبيل المثال، شركات الاتصالات، والجامعات، توريق حقوقها المالية المستقبلية.
وقالت هيئة الرقابة المالية إن التعديل التشريعى يتيح لأشخاص القانون العام التى تؤدى خدمات فى مجال المرافق العامة، والأشخاص الاعتبارية الخاصة الحصول على التمويل مقابل التدفقات النقدية المتوقعة التى سترد إليها فى المستقبل من خلال إصدار سندات قابلة للتداول توجه حصيلتها لتمويل هذه الجهات مقابل ما ينشأ لصالح هذه الجهات من حقوق ومستحقات مالية مستقبلية متوقعة.
وأوضح الدرينى أن مكتب الدرينى قام سابقا بمخاطبات مع جهات مختلفة لتوريق حقوقها المالية المستقبلية كالجامعات، وشركات المواصلات، وهيئة السكة الحديد، مرفق المياه، شركة الكهرباء، على اعتبار أن هذه الجهات حقوقها المالية مضمونة، نظرا لأنها تقدم خدماتها حصريا، ومخاطر محفظتها المستقبلية محدودة للغاية، فضلا عن أنها تقدم خدمات ضرورية وأساسية، لافتا إلى أن هذه الجهات تقوم بدراسة الفكرة، وسيتم اتضاح الأمر أكثر بعد إقرار القانون وبدء تفعيل الآلية.
وأكد الدرينى أن هناك تطلعا لإعلان الآلية التنفيذية للقرار بعد موافقة الجهات المختصة على تعديل بعض أحكام قانون سوق المال رقم (95) لسنة 1992.
وتطرق الدرينى إلى أبرز الجهات التى قد تلجأ لاستخدام هذه الآلية، وجاء فى مقدمتها هيئة السكة الحديد نظرا لاحتياجها لتمويلات لتطويرها، وشركات المرافق العامة، كالمياه، والكهرباء، والشركات التى تقدم خدمات تعليمية بالقطاعين العام والخاص، وذلك كخطوة أولى.
وتوقع أنه قد يتاح فيما بعد عمليات توريق الحقوق المالية المستقبلية للجهات الخاصة، مدللا على ذلك بقوله إن فى الخارج يتم أحيانا توريق الحقوق المالية لتذاكر مباريات كرة القدم، وشركات الطيران (تذاكر السفر)، على اعتبار أنها حقوق مالية مستقبلية مضمونة.
وأكد الدرينى أن طرح هذه الآلية الآن يتماشى مع خطة الدولة لتحسين الاستثمارات الحكومية، وأيضا يدعم هيكلة قطاعات عديدة كانت بحاجة لأدوات تمويلية جديدة، تستغل الأصول المالية المتاحة لها، بدلا من الاقتراض من البنوك، ومنها على سبيل المثال مرفق السكة الحديد، والذى يعانى من عدة مشكلات بسبب حاجته للتطوير.
وتنفذ وزارة النقل حاليا خطة لتطوير السكة الحديد، بهدف تقليل حوادث القطارات، من خلال تنفيذ مشروعات سكة حديد بإجمالى 257 مشروعا بإجمالى تكلفة 225 مليار جنيه حتى عام 2024.
ولفت الدرينى إلى أنه من أبرز الجهات التى ستقبل على الآلية الجديدة هى شركات الاتصالات، وهى من أهم الجهات التى ستحقق استفادة قوية حال تنفيذ القرار.
وأوضح أنه تم عقد عدة اجتماعات مع الهيئة العامة للرقابة المالية حول الحقوق المالية المستقبلية والتى استقرت فى النهاية على استحداث الآلية المذكورة (الاجتماعات بين مكتب الدرينى والهيئة فقط، أن مع المكاتب القانونية بشكل عام).
وأوضح أن الآلية المستحدثة تختلف، عن الآلية الحالية التى تم اللجوء إليها سابقا من قبل عدد من الشركات فى طبيعة الحقوق المالية التى يتم إصدار السندات بموجبها، حيث إن الآلية الحالية يجب أن تكون لحقوق مالية تم إنشاؤها بالفعل، وتم إبرام عقود بشأنها، تخلق التزاما على مدين بسدادها، بينما الآلية المستحدثة تعتمد على حقوق مالية مستقبلية بناء على توقعات تدفقات مالية معينة بناء على المؤشرات التاريخية للجهة.
وانتشرت آلية التوريق بين شركات التطوير العقارى والتمويل الاستهلاكى، وصارت بديلا مهما لسندات الشركات، ومن أبرز الشركات كانت بالم هيلز، ومدينة نصر للإسكان والتعمير، وشركة طلعت مصطفى.
حسنين: تتوافق مع القفزة فى الاستثمارات الحكومية
وقال الدكتور عمرو حسنين، رئيس شركة ميريس للتصنيف الائتمانى، التابعة لوكالة موديز للتصنيف الائتمانى، إن تأثير القرار جيد، وسيساهم فى توسيع قاعدة إصدارات سندات التوريق، وهو يصب فى صالح سوق المال، ويجذب عدد أكبر من المستثمرين.
وأضاف حسنين أن عملية التصنيف الائتمانى لهذه السندات، تتضمن دراسة المنشأة تاريخيا، وقدرتها على التحصيل، وحجم التحصيلات، والهيكل المؤسسى الذى يؤهلها للتحصيل بشكل مضبط.
وأوضح أن أبرز الجهات التى ستقبل على هذه الآلية شركات الكهرباء، والمياه، والجهات المسؤولة عن الطرق، وأى جهة تقوم بتحصيل أموال من الجمهور بشكل منتظم، ولديه مستقبل فى عملية التحصيلات يستطيع الاستفادة من هذه الآلية.
وأكد حسنين أن إقرار هذه الآلية فى التوقيت الراهن، يرتبط بشكل وثيق بالطفرة التى تشهدها الدولة فى الاستثمارات الحكومية، لافتا إلى أنه كان من الممكن إتاحتها فى وقت سابق، خاصة مع وجود عدد من المرافق تتسم بالانتظام فى عملية التحصيلات وأهمها مرفق الكهرباء.
وحول جهات أخرى مثل الشركة الشرقية للدخان وإمكانية استفادتها من هذه الآلية مستقبلا، قال حسنين، إنها إحدى الجهات التى تتسم بالانضباط، وأن «ميريس» سابقا أجرت تقييم للشركة منذ سنوات، سجل أعلى درجة مع عدم وجود منافس للشركة فى صناعتها، وارتفاع مبيعاتها، وقوة مواردها المالية وانضباط العمل بداخلها، وبالتالى فى حالة سماح القرار بذلك يمكنها الاستفادة.
أبو هند: تخدم إعادة هيكلة القنوات التمويلية للدولة
وقال أيمن أبو هند، الشريك المؤسس لمجموعة «أدفيسبل» للاستثمار الأمريكية، إن هذه الآلية مطلوبة، حيث إن ذلك سيوفر تمويلات لمشروعات جهات النفع العام، كما أنها توفر للمستثمرين فرصا استثمارية مضمونة، ذات عائد مرتفع، ومنخفضة المخاطر.
وأضاف أن فى المقابل تمنح هذه الآلية للجهات المُصدرة آلية تمويلية جديدة، تتيح لها تمويل استثماراتها، لافتا فى الوقت نفسه إلى أن هذه الآلية سيتم تحديد استخدامها للجهات المختلفة وفقا لرؤية الحكومة.
وأوضح أبو هند أن هذه الآلية ستكون متاحة لجميع الشركات التابعة للدولة، ولقطاع الأعمال، وكذلك تلك التى تمت خصخصتها بشكل جزئى، وأيضا الشركات التابعة للصندوق المصرى السيادى، وصندوق تحيا مصر.
وأشار إلى أن هذه الآلية تختلف عن سندات التوريق المعتادة حاليا، حيث إنها تعتمد على تحصيل عوائد مستقبلية، بدلا من الحالية التى تعتمد على التزام قائم بالفعل، لافتا إلى أن هذا الأمر يخدم إعادة هيكلة القنوات التمويلية للدولة، لتوليد إيرادات من مشروعاتها، بتوفير أدوات تمويلية جديدة، ومختلفة.
وقال رئيس هيئة الرقابة المالية، إن مصر شهدت فى السنوات الأخيرة نمواً اقتصادياً واضحا وملموساً فى كافة القطاعات، حيث تم تنفيذ العديد من المشروعات التى تقدم خدمات عامة للجمهور كتطوير شبكة الطرق والكبارى، وتعميم استفادة المواطنين من خدمات المرافق العامة الأخرى بشكل كفء فى الكهرباء والغاز والمياه والاتصالات والنقل والصحة والتعليم والإسكان والتحول الرقمى وغيرها من الخدمات الأخرى، وإنه كى يتسنى استمرارية تقديم هذه الخدمات بكفاءة وجودة، فالأمر يتطلب أن يتوفر لدى الجهات القائمة عليها السيولة الكافية التى تسمح لها بمواصلة تقديم هذه الخدمات بشكل مستدام.
وتابع وفقا لبيان صدر عن الهيئة أنه أمام تحدى ضرورة توفير التمويل بالتوجه نحو استحداث أدوات تمويلية غير تقليدية جديدة تٌيسر إقامة واستمرارية تقديم خدمات المرافق العامة وغيرها، وتتلاءم مع طبيعة أنشطة المرافق العامة والخدمات العامة التى تقدم للجمهور، فقد ارتأت الهيئة السماح للجهات القائمة على هذه المشروعات بالحصول على التمويل اللازم لها بضمان التدفقات النقدية التى سترد إليها من خلال المتعاملين مع هذه الجهات، مع الأخذ فى الحسبان أن هذه الخدمات والمشروعات قد أصبحت من متطلبات الحياة اليومية المعتادة بما يؤكد استمرارية إقبال المواطنين عليها.
وأشار رئيس الهيئة إلى أن قانون سوق رأس المال الصادر بالقانون رقم (95) لسنة 1992 قد نظم نشاط توريق الحقوق المالية آجلة الدفع باعتباره أحد الوسائل الفعالة للتمويل وذلك من خلال إصدار سندات قابلة للتداول مقابل حوالة حقوق مالية ومستحقات قائمة آجلة الدفع، والتى شهدت إقبالاً ملحوظاً كأحد بدائل التمويل غير المصرفى.