«مكاسب بالجملة وعوائد مزدوجة من إعادة إحياء مشروع خط الغاز العربى»، هذا ما أكده عدد من الخبراء والمحللين بقطاع البترول والطاقة عقب الاتفاق الرباعى الذى تم بين مصر وسوريا والأردن ولبنان منذ أيام بشأن دعم «الأخيرة» ومدها بالغاز الطبيعى من مصر عبر خط الغاز العربى.
جدير بالذكر أن الدول التى شاركت فى الاجتماع الوزارى لدول خط الغاز العربى، منذ أيام قد اتفقت على إعادة تصدير الغاز الطبيعى المصرى للبنان عبر الأراضى الأردنية والسورية، من خلال خط الغاز العربى.
أسامة كمال: جزء رئيسى من مبادرة غاز شرق المتوسط.. ويخدم الأمن الإستراتيجى
بداية، أكد المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، أن إعادة إحياء مشروع خط الغاز العربى من جديد له عوائد ومكاسب مزدوجة لكافة الأطراف وعلى جميع الأصعدة.
وقال كمال إن الغاز الطبيعى المرتقب توريده إلى لبنان ليس بالضرورة أن يكون من حصة مصر فى الغاز الطبيعى المنتج من أراضيها.
وتابع وزير البترول الأسبق: الغاز المورد إلى لبنان قد يكون من حصة مصر أو من حصة الشركاء الأجانب العاملين فى مصر أو من الغاز القبرصى أو الإسرائيلى الذى يتم توريده لمصر لتسييله وإعادة تصديره، وبالتالى ليس من الضرورى أن يكون الغاز المصدر إلى لبنان مصريا خالصا بل قد يكون من منتج من داخل مصر أو خارجها”.
وبشكل عام أكد كمال جدوى إعادة إحياء خط الغاز العربى، باعتباره من ضمن آليات الاتفاق والتقريب بين الدول وبعضها البعض، خاصة التى تعانى من نزاعات أو صراعات حاليا.
وتابع: “أهمية تلك الاتفاقات التقريب بين كل الدول وإنهاء أى نزاعات قائمة وهذا ما تقوم به مصر حاليا“.
وأضاف أن الفترة الراهنة تشهد صراعات إقليمية فى بعض الدول، ومن هنا تم تفعيل مبادرة غاز شرق المتوسط، مؤكدا أن إحياء مشروع خط الغاز العربى يعتبر جزءا من هذه المبادرة.
جدير بالذكر أن عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية أصدر العام الجارى القرار الجمهورى رقم 644 لسنة 2020، بشأن الموافقة على ميثاق منتدى غاز شرق المتوسط، والذى يهدف لإنشاء سوق غاز متكامل بالمنطقة يحقق الفائدة لكل الأطراف ويدعم دور مصر كمركز إقليمى للطاقة.
وتسعى اتفاقية المنتدى لخلق حوار منظم وممنهج فيما يتعلق بموضوعات الغاز الطبيعى، فضلا عن وضع برنامج من أجل صياغة السياسات الإقليمية فى هذا الخصوص، ودعم مجهودات الدول المنتجة أو الدول التى لديها احتياطات من الغاز بالمنطقة، وذلك من أجل التعجيل باستثمار الاحتياطى الحالى والمستقبلى.
كما يهدف المنتدى إلى مساعدة الدول المستهلكة للغاز على تأمين احتياجاتها والاشتراك مع دول العبور من أجل إتاحة شراكة مستدامة بين الأطراف الأساسية المعنية بصناعة الغاز بالمنطقة، ودعم تشكيل سوق إقليمى للغاز، فضلا عن المساهمة فى تعزيز الحوار من أجل تحقيق أعلى كفاءة لإدارة احتياطات الغاز بالمنطقة.
وقال وزير البترول الأسبق أن منطقة البحر المتوسط واعدة وثرية بكميات ضخمة من الغاز الطبيعى لم تكتشف بعد، والتنسيق بين كافة الدول العاملة بها سواء من خلال منتدى غاز المتوسط أو مبادرة إعادة إحياء خط الغاز العربى وغيرها من المبادرات والاتفاقات أمور ستحقق منافع وعوائد حالية ومستقبلية لكل الأطراف.
ولفت كمال إلى أن مصر تلعب دورا محوريا حاليا فى تنفيذ تلك الأهداف عبر إمكانياتها وبنيتها التحتية الأساسية القوية من محطات إسالة وخطوط تصدير ومعامل تكرير وغيرها.
وأخيرا، أكد كمال أن الأمر ليس مجرد تصدير كميات محددة من الغاز الطبيعى إلى لبنان لدعمها ومساندتها فى أزمة الطاقة التى تمر بها حاليا ولكن للأمر أبعاد أخرى وعوائد امنية واقتصادية وسياسية تدعم الأمن الاستراتيجى لمصر، وتعزز علاقتها بالدول الشقيقة.
ويشهد لبنان منذ أشهر نقصا ملحوظا فى معروض المحروقات انعكس على مختلف القطاعات، بما يشمل المستشفيات والأفران والاتصالات والمواد الغذائية، وذلك على وقع أزمة اقتصادية تتفاقم منذ عامين وصنّفها البنك الدولى من بين الأسوأ فى العالم منذ العام 1850.
كما تعانى سوريا بدورها من أزمة طاقة كهربائية حادة نتيجة النزاع القائم فيها منذ عام 2011، زاد من تأثيراته السلبية العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
يسرى حسان: عوائده المستقبلية كبيرة.. ولن يؤثر على إحتياجاتنا المحلية
وأيد المهندس يسرى حسان، استشارى البترول، الاتفاق الرباعى بشأن إعادة إحياء خط الغاز العربى، موضحا أن الأمر لن يخدم لبنان فقط بل كافة الدول المشاركة فى هذا الخط.
وأكد أن العوائد المستقبلية لإعادة إحياء هذا المشروع أكبر من مثيلاتها الحالية، وفى كل الأحوال فإن ما تقوم به مصر يتم من منطلق واجبها فى دعم ومساندة الدول الشقيقة.
وعن بعض الآراء التى تؤكد جدوى استغلال الغاز الطبيعى محليا بدلا من تصديره إلى لبنان قال حسان إن إنتاج الغاز فى مصر حاليا يتسم بالوفرة والفائض فى المعروض، فضلا عن أن الإنتاج الحالى من بعض الحقول الكبرى لا يتم بناء على قدراتها الفعلية نظرا لارتفاع حجم إنتاجها الحقيقى عن الاحتياجات المحلية حاليا.
وتابع: الاكتشافات الحالية والأخرى المرتقب تحقيقها مستقبلا تبشر بزيادة إنتاج مصر من الغاز الطبيعى بشكل يسمح بتلبية كامل احتياجات السوق المحلية، فضلا عن الوفاء بأى التزامات تصديرية.
ولفت إلى أن دعم ومساندة لبنان فى تلك المرحلة التى تمر بها سيمنحها القدرة على الاستقرار بما قد يمكنها من تحقيق اكتشافات تجارية كبيرة للغاز الطبيعى، تحرص فيها على استغلال البنية التحتية المصرية للإسالة أو التصدير مستقبلا، مما يعنى أن الاتفاق الأخير له عوائد مستقبلا وليس على المدى القصير فقط.
جدير بالذكر أن هناك تكليفات مباشرة من الرئيس عبد الفتاح السيسى، بسرعة توصيل الغاز للأراضى اللبنانية، فى أسرع وقت ممكن.
وطمأن المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، المواطن المصرى بخصوص الغاز، قائلا: “لدينا إحصائيات بشأن الاستهلاك فى مصر، وتصدير الغاز لن يؤثر على الاستهلاك بكل تأكيد، لأنه يتم تصدير الفائض عن الحاجة، ومنذ عدة سنوات ونحن نسعى لأن نكون مركزا إقليميا للطاقة”.
وأكد الدكتور جمال القليوبى، أستاذ هندسة البترول والطاقة، ضرورة دعم مصر للبنان فى هذا التوقيت ومساندتها بكل الطرق الممكنة نحو تحقيق استقرارها الاقتصادى.
وقال إن لبنان يمتلك 3 محطات لتوليد الكهرباء لا تعمل حاليا بطاقتها المفترضة، والتغذية الموردة لها من الغاز الطبيعى لا تكفى لتشغيلها بالشكل الكامل المفترض، مما خلق أزمة حادة لديها أثرت سلبا على مواطنيها وعلى كافة القطاعات بها.
وأشار إلى أن مصر والدول الشقيقة تحكمها علاقات تعاون ثنائى قوية على كافة الأصعدة، والتعاون بمجال الطاقة يفتح الباب على مصراعيه لتحقيق عوائد ومكاسب مشتركة لكافة الأطراف السنوات المقبلة.
ولفت إلى أن مشروعات البحث والتنقيب فى المياه الاقتصادية ستشهد طفرة السنوات المقبلة، وأى دعم أو مساندة لأى دولة تعانى حاليا من نزاعات أو أزمات سيتبعه زيادة فى التعاون المستقبلى بمشروعات البحث والتنقيب بالمياه العميقة.
وأشار إلى أنه لا تأثير على السوق المحلية من تصدير الغاز المصرى إلى لبنان، لا سيما أن مصر تقوم بمجهودات مكثفة فى اتجاهين، أولهما تحفيز استثمارات البحث والتنقيب والاستكشاف والتنمية لتحقيق مزيد من الاكتشافات التجارية لتلبية احتياجاتها المحلية والوفاء بتعاقداتها التصديرية.
والاتجاه الثانى تنفيذ كل الخطوات التى تمكن مصر من التحول لمركز إقليمى لتجارة وتداول الطاقة بالمنطقة.
وأكد أن التعاون بين دول خط الغاز العربى سيكون خطوة فعالة ومؤثرة فى دعم المشاريع الاستراتيجية وتعزيز المصالح المشتركة، التى من شأنها الانعكاس إيجابا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى هذه الدول”.
يشار إلى أن المهندس طارق الملا وزير البترول، قد قال فى تصريحات تلفزيونية له منذ أيام: “بتكليفات رئاسية سنعمل على حل المشكلة التى يواجهها لبنان وسنقدم له الغاز الطبيعى لتشغيل محطات الكهرباء وبخاصة محطة طرابلس لإضاءة مناطق كبرى فى لبنان”.
وتابع الوزير: سيجرى مراجعة المنطقة الواصلة بين سوريا ولبنان من أجل تصدير الغاز المصرى إلى لبنان، متوقعا حدوث ذلك خلال أسابيع أو أشهر قليلة مقبلة.
خــط الغــاز العــربى
خط الغاز العربى هو خط لتصدير الغاز الطبيعى المصرى لدول المشرق العربى ومنها إلى أوروبا «جزء من خطة تدشين الخط ».
مشروع خط الغاز العربى تم تنفيذه على 3 مراحل، وتم توقيع مذكرة التفاهم الخاصة به عام 2000، وبدأت عمليات إنشائه عام 2001.
المرحلة الأولى امتدت من العريش إلى العقبة بطول 265 كيلومترا وقطر 36 بوصة، وبطاقة 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعى سنويا.
وتم عقب هذه المرحلة البدء فى توريد الغاز الطبيعى من مصر إلى الأردن عام 2003.
والمرحلة الثانية بدأت من العقبة حتى شمال الأردن بطول 393 كيلومترا، وتم البدء بتوريد الغاز الطبيعى لمحطات توليد الكهرباء لشمال الأردن خلال عام 2006.
وتم استكمال المرحلة الثانية لخط الغاز العربى من شمال الأردن وحتى الحدود الأردنية السورية بطول 30 كيلومترا وقطر 36 بوصة فى عام 2008.
كما تم الانتهاء من تنفيذ الجزء الجنوبى من المرحلة الثالثة لخط الغاز العربى داخل الأراضى السورية والممتدة من الحدود الأردنية السورية إلى مدينة حمص بطول 320 كيلومترا وقطر 36 بوصة، وتشغيلها فى يوليو 2008.
وتم البدء بتصدير الغاز الطبيعى المصرى إلى لبنان عبر الأردن نهاية عام 2009، إلى أن توقف فى عام 2011 لظروف قهرية، من ضمنها الهجمات المتوالية على خط الغاز حينها، فضلا عن نقص معروض الغاز الطبيعى فى مصر.
ثم تمت إعادة ضخ الغاز إلى الأردن من خلال الخط خلال عام 2018، مع تحقيق مصر الاكتفاء الذاتى من الغاز الطبيعى، ومعاودتها للتصدير مجددا، ويتم حاليا ضخ ما يتراوح بين 35 إلى 70 مليون قدم مكعبة يوميا للأردن.