ترتكز التوجهات الاستراتيجية لقطاع النقل ضمن خطة 2022 – 2023 على عدة محاور، أبرزها تعميق التصنيع المحلى لبعض مكونات الوحدات المتحركة، خاصة عربات بضائع السكك الحديدية التى لا تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا العالية.
وظهرت بوادر هذا الاتجاه على أرض الواقع عبر إنتاج أول أسطول عربات السكة الحديد الناقلة للبضائع، وتسلمت الهيئة من مصنع سيماف 25 عربة كدفعة من صفقة تصل إلى 1000 عربة.
وتم تعزيز اتجاه الدولة لتعميق التصنيع المحلى أيضًا مؤخرًا من خلال إعلان وزير النقل الفريق كامل الوزير عن بدء إنشاء مصنع لإنتاج الفلنكات الخرسانية الخاصة بشبكة القطار الكهربائى فائق السرعة بأحدث المواصفات العالمية باستثمارات مالية تصل إلى 350 مليون جنيه.
استطلعت «المال» رأى عدد من خبراء النقل واللوجيستيات بشأن اتجاه الدولة ورؤيتها ضمن مخطط 2030 ولما يمثل فيه محور «تعميق التصنيع المحلي» مساحته الأكبر، فى ظل الأزمات العالمية الراهنة.
فى البداية، أكد الدكتور هشام عرفات وزير النقل السابق، أن مصر تستطيع الفترة المُقبلة تصنيع عربات الأفراد وليس فقط البضائع، موضحًا أن إمكانيات السوق المحلية عالية، سواء فى الهيئة العربية للتصنيع أو الإنتاج الحربى، مُستدلًا على ذلك بدخول الدولة باتجاه التصنيع المحلى أيضًا فى إنتاج عربات المترو.
كانت هدى الجندى، مدير مشروع تصنيع المترو بمصنع سيماف – قد أشارت خلال تصريحات صحفية سابقة- إنه يتم العمل على زيادة نسبة المكون المحلى فى صناعة عربات المترو لـ%100 وعدم الاكتفاء بنسبة %50 فى الوقت الحالى.
وأضاف «عرفات» أن الاتجاه بدأ أولى خطواته تقريبًا منذ عام 2018 عند إبرام تعاقد شركة «إيبروم» والهيئة العربية للتصنيع، لإنتاج 130 عربة لنقل الحاويات، و30 عربة أخرى «قلابات لتحميل طوب الطفلة».
وأضاف استكملت تلك الخطوات بإنتاج 40 عربة السكة الحديد ولكن مُخصصة لنقل البضائع، وكللت تلك الخطوات بالدخول الى مترو الأنفاق.
وأكد وزير النقل السابق، أن الفكرة بدأت عندما قامت شركة النيل العامة للطرق والكبارى بإنشاء مصنع لإنتاج الفلنكات فى قنا، وكان حينئذ ينتج كميات قليلة لقضبان السكة الحديد، مشيرًا إلى أن الفترة الراهنة استوجبت إنتاج فلنكات تختص بمشروع «القطار السريع» بكميات كبيرة وبمواصفات أعلى.
من جانبه، وصف الدكتور أحمد شعلة، وكيل كلية النقل الدولى واللوجيستيات بالأكاديمية العربية، الاتجاه لتعميق التصنيع المحلى بـ«المحمود»، مطالبًا بضرورة تعميمه على كل المجالات بقطاع النقل أسوة بمجال السكك الحديدية، من خلال تجربة صناعة بعض عربات القطار بالهيئة العربية للتصنيع، وكذلك النقل البرى عبر صناعة السيارات الكهربائية الجديدة، مشددًا على الاتجاه أيضاً لمجال بناء وإصلاح السفن ومجال النقل النهرى.
وأكد أن الاتجاه المُستقبلى يشير أيضًا إلى القدرة على صناعة عربات نقل الأفراد، متابعًا أن مصر لديها الكوادر الفنية والأيدى العاملة التى تستطيع أن تعتمد عليها فى كل الأنشطة والمجالات التصنيعية.
وربط «شعلة» نجاح تلك الآلية بوجود إرادة سياسية حقيقة، وكذلك وجود دعم حقيقى للصناعة المحلية، وإزالة العقبات، ووضع حوافز وضمانات لاستكمالها وإضافة أو تعديل التشريعات المُكلمة، وأخيرًا تعميم تلك الرؤى على كل الصناعات.
وطلب «شعلة» ضرورة الاتجاه بفكرة التصنيع المحلى لمجال صناعة السفن، لافتًا إلى أن القرار الجمهورى الذى صدر لإنشاء المشروع القومى لبناء السفن بالأدبية منذ عام 2017 لم يُفعل حتى الآن.
وتابع أنه على الموانئ أن تأخذ قرارًا بسد احتياجاتها، سواء قاطرات، أو مساعدات الملاحة، بالصناعات المحلية، مطالبًا أيضًا برفع نسبة المكون المصرى فى الصناعات والمستلزمات والأجزاء التقنية.
فى سياق، مُتصل أكد الدكتور أحمد مُحمدى، خبير النقل والطرق واستشارى الطرق بجامعة الزقازيق، أن اتجاه الدولة للتصنيع المحلى من شأنه منع احتكار الدول الأجنبية من الهيمنة على قطاع النقل بمصر، موضحًا أن المُتبع فى السابق كان يبدأ بالاستيراد، لكن الأمر تطور وأصبح يتم التعاقد على تنفيذ الصيانة، لكن فى النهاية كل هذه الأمور تكبد الاقتصاد مبالغ كبيرة.
وأكد «مُحمدى» أنه فى الماضى كانت مصر تعانى قلة الإمكانيات ونقص الإرادة فقط، ولكن عندما تتوافر الإرادة مع تدبير الإمكانيات سيتم عمل ما يضاهى الدول المتقدمة، مستدلًا على ذلك بالنهضة التى تحدث بقطاع النقل والطرق.
وووفقًا لـ«مُحمدى» فإن قطاع النقل حالياً يتمتع ببيئة خصبة تجعله فى مصاف الدول الأعلى تصنيفاً فيما يخص الطرق، بل تخطت مصر دولا كثيرة، موضحًا أن مصر حاليًا أصبحت قادرة على تنفيذ شبكات الطرق الىمنة وبحالة جيدة ومريحة فى الاستخدام.
فى السياق نفسه، طلب بتكثيف الجهود الفترة المُقبلة بمجال الموانئ أيضًا، لافتًا إلى أن حال تكامل قطاع الموانئ مع منظومة القطار السريع والمونوريل والقطار المكهرب، ستكتمل منظومتى نقل الأفراد والبضائع، من وإلى المناطق الصناعية.
وعلى صعيد ذات صلة، قال الدكتور أحمد سلطان خبير النقل البحرى واللوجيستيات، بأن التوجه العام للتصنيع المحلى إيجابى، ويستهدف فى المقام الأول توفير النقد الأجنبى، ويخلق بدوره فرص عمل جديدة، ويعمل على توطين التكنولوجيا فى صناعات مهمة.
واستدل «سلطان» على ذلك من خلال الاتجاه لتصنيع الفلنكات، ومفاتيح السكة الحديد، وفرش، وفرامل القطارات، مؤكدًا أن جميعها صناعات مُكملة بدأنا نتجه إليها، على غرار المنفذ فى النقل البرى من تصنيع أتوبيسات ومينى باصات.
وطلب «سلطان» التركيز على بدء توطين التكنولوجيا، من خلال الشراكة مع الشركات الأجنبية المتخصصة، باعتباره اتجاهًا مطلوبًا حالياً لاستكمال المنظومة، والتى عملت عليها مؤخرًا وزارة النقل والقائمون عليها.
أما على نطاق تصنيع مصر لعربات الأفراد، فأكد «سلطان» أنه من الممكن التعاون مع المصانع الأجنبية المتخصصة، وذلك من خلال اتفاقيات تعتمد فى الأساس على نقل التكنولوجيا وتدريب العمالة المصرية، وتوفير مدخلات الإنتاج وصولًا لتحقيق الاستفادة الكاملة.
ورأى «سلطان» أن قطاع النقل يحتاج لاتفاقيات لنقل التكنولوجيا، خاصة أن مصر دولة كبيرة تحوى ما يقرب من 120 مليون نسمة، وتُعد أكبر سوق فى الشرق الأوسط لمعدات النقل والسكة الحديد، موضحًا أن الطلب على عربات النقل موجود؛ لذلك فإن مطلب نقل التكنولوجيا هام للمرحلة الحالية، مُقترحًا التعامل مع الشركات المتخصصة بالمجر أو الهند أو اثيوبيا أو كوريا فى اتجاهات مختلفة لتأهيل العمالة والموارد البشرية حتى تكون مصر قادرة على استيعاب التكنولوجيا الجديدة، وتوفير الاستثمارات المطلوبة لتحقيق تلك الرؤية.