نظام حق الانتفاع هو الآلية الأوفر حظاً عند طرح مشروعات محور قناة السويس، وفقاً للتصريحات المنسوبة لمصادر حكومية مُجهلة حتى الآن، وكذلك هى الأكثر جدوى فى رأى خبراء الاستثمار وإدارة المخاطر بناء على الطبيعة السيادية والخلفية التاريخية التى تتسم بها المنطقة، غير أن هذه الآلية تصطدم بغياب وجود آليات تمويلية معتمدة لدى البنك المركزى لتمويل مشروعات “حق الانتفاع”.
ووسط الصورة الضبابية التى تعترى خريطة مشروعات المحور يبدو أن الرؤى التى يمتكلها مجتمع الأعمال على آليات طرح المشروع مازالت سطحية وغير مكتملة الأركان، خاصة مع عدم كشف القوات المسلحة عن الخطوط الحمراء للجوانب السيادية، والتى ستفصل بدورها فى طبيعة طرح المشروع.
ولم يقتصر الجدل الدائر على أسلوب تخصيص الأراضى والمشروعات بنظام حق الانتفاع أو الملكية، بل امتد إلى شكل مشاركة القطاع الخاص، «المال» طرحت السؤال الصعب: هل من الأفضل أن يكون فى صورة مساهمة كاملة لضمان قدرته على إدارة المشروعات بمرونة ومعدلات مخاطرة تتناسب مع توجهاته، دون أى تدخلات سيادية من أجهزة الدولة، أم تحصل على حصص مساهمة تقابلها مشاركة من الحكومة للاستفادة من ارتفاع الجدوى الاستثمارية لمشروعات المحور؟
بداية رأى عمرو القاضى خبير الاستثمار وإدارة المخاطر، أن أساليب طرح مشروعات محور قناة السويس على المستثمرين يجب أن تتميز بالمرونة، بحيث يمكن الاستفادة من أساليب المزايدة والاسناد المباشر فى آنٍ واحد حسب طبيعة المشروع، موضحاً أن المشروعات التى ستطلب تنفيذها خلال مدة قصيرة سيكون من الأفضل طرحها بنظام الأمر المباشر مع مراعاة المواصفات والشروط الخاصة بتنفيذ وإدارة المشروع.
وأضاف أن نظام المزايدات سيكون اكثر نفعاً، فى حالة كون المشروع يتطلب استثمارات ضخمة ومؤهلات فنية مرتفعة تتطلب خبرات دولية، لافتاً إلى إنه ينبغى اشتراط أن تضم التحالفات المتنافسة على المشروعات المطروحة بنظام المزيدة مستثمراً محلياً على غرار رصيف 100 بميناء الدخيلة.
واستبعد القاضى إمكانية تحديد حد أقصى لمساهمة المستثمرين الأجانب فى مشروعات محور قناة السويس، حيث سيتحدد ذلك حسب طبيعة كل مشروع على صعيد القطاع وأهميته.
القاضى: الأفضل طرح المشروعات على المستثمرين بنظام حق الانتفاع وتحديداً اللوجيستية
ورأى خبير الاستثمار وإدارة المخاطر أنه من الافضل طرح المشروعات على المستثمرين بنظام حق الانتفاع وتحديداً اللوجيستية التى تتمتع بمواقع حيوية تجعل من المشروع مرفأ مهماً يدُر عائدات متنامية بصورة مستمرة، لافتاً إلى أن الأمر نفسه يمكن أن يتكرر على مستوى المشروعات الصناعية مع مراعاة تكلفة المشروع والمدى الزمنى للتغطية وإهلاك الماكينات وخطوط الانتاج.
وأشار إلى أن آلية حق الانتفاع ستضمن للدولة مد المشروعات بشبكة البنية التحتية وامكانية توليد عائدات بصفة مستمرة عبر تمديد فترة الامتياز، ضارباً مثالاً بحصول شركة مشرق التابعة لشركة القلعة على حق استغلال مساحة فى ميناء شرق بورسعيد لإقامة محطة لتخزين وتداول المنتجات البترولية.
وتابع القاضى: إن مثل هذه المشروعات التى تقع فى مناطق حيوية يكون من الصعب بيعها لأى مستثمر، لأنها تعد مرفأ مهماً سيولد عائدات مستمرة مع نمو حركة التجارة عالمياً، لذا تسعى الدولة الى الاستفادة من عائداته بصفة مستمرة.
واستدرك القاضى قائلاً إن القطاع الخاص سيواجه تحدياً حقيقياً للحصول على تسهيلات ائتمانية لتمويل المشروعات المخصصة لها بنظام حق الانتفاع، لذا لابد ان تدخل الدولة فى حالة اللجوء إلى هذه الآلية فى طرح المشروع لضمان نجاحها.
ويبدو أن الحكومة تتفق فى هذه الرؤية، إذ عبر عنها حسن فهمى رئيس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة فى مؤتمر اقتصادى مؤخراً، قائلا: مطلوب من الجهات الحكومية ومنها هيئة الاستثمار الدخول فى مناقشات مع البنك المركزى للتوصل إلى آلية تسمح بتمويل المشروعات المخصصة للمستثمرين بنظام حق الانتفاع.
من جهته فضّل المدير التنفيذى لأحد صناديق الاستثمار المباشر- رفض ذكر اسمه- أن تبتعد الحكومة والقوات المسلحة عن الدخول فى شراكات مع القطاع الخاص، سواء كان محلياً أو أجنبياً لتأسيس مشروعات المحور، واعطاء حق المساهمة بشكل كامل للشركات الخاصة، حتى تتمكن من تنفيذ المشروعات وادارتها دون أى تدخلات سيادية تُفرض على الشريك الحكومى خلال أى فترة من عمر المشروع.
القطاع الخاص يتميز بالمرونة والمخاطرة فى اتخاذ القرار الاستثمارى بعكس الجهاز الحكومى فى مصر
وأوضح أن القطاع الخاص يتميز بالمرونة والمخاطرة فى اتخاذ القرار الاستثمارى بعكس الجهاز الحكومى فى مصر، مما يخلق تضارباً فى التوجهات الادارية ويؤدى إلى وضع عراقيل أمام المشروعات وخلافات قد تصل فى أى وقت إلى التحكيم الدولي.
ورأى أن مسألة تخصيص الأراضى سوف تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام المستثمرين لتحديد تكلفة المشروع وحساب العائد وآليات التمويل، مؤكداً أن المستثمرين يفضلون الحصول على ملكية الأرض بدلاً من حق الانتفاع، غير أن الأمر مختلف هذه المرة بسبب الطبيعة السيادية لمنطقة محور قناة السويس.
وأضاف أنه فى حال تطبيق ما ينطبق فى سيناء على مشروع محور قناة السويس ستتجه الدولة حينها لتفضيل تخصيص الأراضى بحق الانتفاع بدلاً من الملكية لضمان سيادية القرار الحكومى وكذلك امتلاك فرصة للاستفادة من المشروع بعد انتهاء فترة الانتفاع ليندرج تحت مظلة نظام الـ«BOT» والمعروف بالتملك والتشغيل ونقل الملكية فى نهاية مدة حق الانتفاع.
من جانبه، قال على الطاهرى، رئيس مجلس إدارة شركة كاتليست بارتنرز للاستثمار أن أسلوب طرح وملكية المشروعات سيتحدد بناء على الطبيعة الاستراتيجية لها، والمقرر إقامتها بمحور قناة السويس، الأمر الذى يتطلب مواصفات مختلفة على صعيد الخبرات الإدارية ومؤهلات شركات المقاولات التى ستقوم بالتنفيذ.
وأضاف أنه عند الاعلان عن المخطط العام للمشروع بشكل تفصيلى سيتضح الاسلوب الأمثل لطرح كل مشروع، سواء من خلال عقد مزايدة أو اسناد مباشر، بالإضافة إلى تحديد شكل التخصيص، سواء فى صورة حق انتفاع أو ملكية، مؤكداً أنه يصعب رسم صورة كاملة عن آليات الطرح فى ظل عدم وجود رؤية كاملة ونهائية حول المشروعات المقرر إقامتها.