حروب إيرانية بين الظل والحرور

حروب إيرانية بين الظل والحرور
شريف عطية

شريف عطية

6:47 ص, الأحد, 15 أغسطس 21

مع مُضى أزمان عديدة بالحضارة الفارسية ما بين التوسع بالحرب إلى التراجع لما وراء حدودها من بعد اتفاقها مع العراق 1929، تعود إيران إبان الحرب العالمية الثانية للانفتاح على الغرب، لأسبابها، وللبروز من ثم على سطح المسرح السياسى الإقليمى والدولى، حيث بادرت بريطانيا بتنصيب أحد العسكريين الإيرانيين العاملين بجيشها الإمبراطورى ملكًا على إيران، قبل نفيه لصالح “بهلوى الابن”.. الذى سرعان ما فرّ من البلاد إبان ثورة “مصدق” مطلع الخمسينيات، لولا أن وظفت وكالة المخابرات الأميركية نفوذها لعودته إلى العرش، بمساعدة من رجال الدين.. وعبر تحريك جماهير الشارع من “البروليتاريا الرثة” التى ثار “مصدق” من أجلها، وليحكم “الشاه” البلاد بعدئذ- بالحديد والنار- ساعيًا إلى شغل موقع شرطى المنطقة لصالح قوى الإمبريالية الغربية، متضخمًا بذاته إلى حدّ إقامته احتفالات أسطورية مطلع السبعينيات لإحياء ذكرى قرون مضت على أفول الإمبراطورية الفارسية الغابرة.. حضرها أعيان العالم وقادته، ذلك قبل قليل من اندلاع الثورة الشعبية الإيرانية 1979 التى سرعان ما أمسك “الإسلام السياسى” بزمامها (الهوية الخمينية)، طارحًا أوراقًا جيوبوليتيكية لا تختلف براجماتيتها عن سابقاتها التى بقيت لصيقة بالغايات العنصرية التمييزية للقومية الفارسية، الساعية بالتوازى إلى تبوء موقع إقليمى متفوق على جاراتها فى المنطقة، ويتيح لها من ثم مركزًا دوليًّا متميزًا، والعكس صحيح، الأمر الذى دعاها من أجل تحقيقه إلى سجالات خشنة مع الولايات المتحدة، وإسرائيل، وإلى الحرب مع العراق، ناهيك عن محاولات تصدير ثورتها للتغلغل فى الأوضاع الداخلية العربية، ولأربعة عقود تالية من قيام ثورتها إلى الآن، ذلك دون استثناء التقدم فى مشروعها النووى -والصاروخي- لترسيخ طموحها الدولى والإقليمى، إلى أن توصلت طهران مع المجموعة الدولية 5+1، وبمباركة أميركية، إلى توقيع تسوية بشأن “الاتفاق النووى” الإيرانى منتصف يوليو 2015 ما لم يلق غير المعارضة من الدول العربية، وإسرائيل، ومن ثم للتقارب بينهما فى مواجهة إيران التى كان من غير الطبيعى للرئيس الأميركى “أوباما” أن يفاجئ العرب فى 2016 بمطالبتهم بـ”اقتسام النفوذ مع إيران”، ذلك قبل عام من انتهاء ولايته لصالح الرئيس الجمهورى الشعبوى “ترامب” الذى قام فى 2018 بتجميد العمل بالاتفاق النووى، مع تشديد العقوبات على إيران، عودًا على بدء للمربع الأول للعلاقات الأميركية- الإيرانية 1979 الأمر الذى مثّل ضغوطًا متزايدة فى الداخل الإيرانى وعلى سياستها الخارجية بسيان، أدت بالتراكم إلى تصعيد التحرشات السياسية والعسكرية والبحرية على النحو المشهود فى الآونة الأخيرة بين إيران من ناحية، وإسرائيل التى تلقى الضوء الأخضر، الغربى من ناحية أخرى، حيث من المرجح أن تكون أراضى عربية فى شرق البحر المتوسط أو شرقى السويس، تتواجد بها ميليشيات إيرانية، مسرح عمليات لصدام غير مستبعد بين إسرائيل وإيران، قد يتجاوز ما كان بينهما من علاقات تاريخية منذ أن حرَّر “قورش” اليهود من الأسر البابلى قبل الميلاد، خاصة فى ضوء تجديد رئيس الحكومة الإسرائيلية 8/8 الحالى تأكيد أن “إيران تمثل خطرًا على السلم الدولى”، محذرًا “لئلا يجوز استمرارها فى العربدة دون أن تدفع الثمن”، إذ ربما تكون تصريحاته التى تصدر بتشجيع غربى، إما من باب المزايدة على نهج سلفه المتشدد “نتنياهو”، وإما أن تكون تهديدًا حقيقيًّا بالحرب، ولربما تدخل ضمنًا من باب اجتذاب الموقف العربى والخليجى إلى جانب إسرائيل، إلا أن إيران سارعت إلى تخطئة مناورات إسرائيل للتقريب مع أمن الخليج، الذى تعتبره طهران بدورها خطًّا أحمر بالنسبة لها، مستوحية بذلك نهج رئيسها الجديد المتشدد؛ مريد (الهوية الخامئنية)، كما أصدر الاتحاد الأوروبى من جانبٍ آخر بيانه فى 8/7 الحالى يدين فيه “الأعمال الطائشة وأحادية الجانب لإيران، المهددة للسلام الدولى”، الأمر الذى تعبر عنه صحيفة “التليغراف” البريطانية بـ”حرب الظل” بين إيران وإسرائيل، لربما يتوازى تصعيدهما بالمساومة مع جولات التفاوض بشأن تسوية البرنامج النووى، المحوطة نتائجه بالتشاؤم إزاء فرص عودة إيران إليه، ما قد يعجل بالتنسيق بين أميركا وإسرائيل بشأن مواجهتهما إيران بالقوة، ذلك فيما يعتزم “المشرق العربى الجديد”- بدوره- من خلال العراق.. حشد دعوات عربية إقليمية ودولية إلى “قمة الجوار” نهاية أغسطس الحالي.. لمناقشة وبحث قضايا عربية ليست داخلية بقدر ما هى خارجية، حيث إيران غير بعيدة عن التدخل فيها بأدوار لتصفية الحسابات مع جيرانها، وآخرين- عبر الزمان- منذ أن احتجزت طهران رهائن البعثة الأميركية، إلى الحرب فى الثمانينيات، وتوابعها، مع العراق، ومن هيمنة وكالاتها المحلية على القرار السياسى فى أربع عواصم عربية، ناهيك عن سطوة كل من حزب الله والحرس الثورى والحشد الشعبي، وما إليهم، على مقدراتهم، ما قد يدعو إسرائيل فى معية الولايات المتحدة إلى الحرب لنجدة الأخيرة من هزيمة قد تلحقها (بعد سايجون وكابول) فى بغداد (المشرق العربي)، وبيد المناورات الإيرانية فى المنطقة، ما بين حروب الظل.. والحرور